سافرت يوم السبت الماضى خصوصا لمسقط رأسى فى مدينة دكرنس لأعطى صوتى هناك، كنت أرغب فى رؤية مكان بعيد عن القاهرة، كيف يقبل أهالى مدينتى البعيدة عن مركز الأحداث فى القاهرة أو ميدان التحرير على المشاركة السياسية، وكنت أتوقع أن أخوض جدالا كبيرا مع أصدقائى وأقاربى لأقنعهم بأن يقولوا «لا»، فقد توقعت أن يقول الكل «نعم»!
لكننى اندهشت جداً أن أشاهد لافتات هنا وهناك تقول «نعم» ولافتات تقول «لا»، وإن كانت تربط هذه اللافتات أمور لا علاقة لها بنعم أو لا، على سبيل المثال «نعم من أجل حماية حدود مصر»، وهى حجة اختلفت عندما خضت نقاشا مع صديق من أيام المدرسة اكتشفت ليلتها فقط أنه «إخوان»، حاول أن يقنعنى بأن قولى «لا» سيفتح الباب لتهديد المادة الثانية من الدستور، وكأن معركتنا مع الدستور تقوم على هذه المادة (كده كده هيبقى فيه دستور جديد).
أدهشنى أيضا أننى بدأت نقاشا مع ابنى أختى التوأم، وعمرهما لا يتجاوز الخامسة عشرة، وكنت أظنهما سيقولان «نعم» بما أن الجو السائد هو «نعم»، فوجئت بالولد مصرّاً على «لا»، والبنت مصرة على «نعم»، ولكل منهما حجته وأسبابه القوية.. المثير هنا أننى لم يسبق لى أن سمعتهما يتحدثان فى السياسة، لكننى عندما تناولت العدد الأخير من مجلة أطفال شهيرة كانت بالبيت وجدت قصة مصورة عن الشهيد أحمد بسيونى تحكى قصة استشهاده فى ميدان التحرير..عندها فهمت.
خرجت للإدلاء بالـ «لا» المعهودة، ذهبت لإحدى المدارس الإعدادية فوجدت طابورا طويلا، اتجهت لمدرستى الابتدائية التى لم أزرها منذ زمن، كان الطابور أقصر.. أسعدنى أن أرى سيدات مسنات وفلاحين بجلابيبهم.. دخلنا اللجنة، وقفت مع أربعة منهم ندلى بأصواتنا.. كانت بطاقاتهم مكشوفة أمام عينى تماما، ورأيت أنهم جميعا قالوا «نعم»..كما توقعت.
جاءت النتيجة بما توقعت وقالت مصر «نعم».. على صفحة الفيس بوك وجدت ما لم يعجبنى من أصدقائى الذين غيروا معى صور بروفيلاتهم إلى «لا»، الأغلبية رضوا بالنتيجة، لكن قلة قليلة رفعت شعار «عيب الديمقراطية أنها تجبرك على الاستماع إلى الحمقى»، وهناك من قام بسب الإخوان والسلفيين علنا، بل هناك من شكك فى نتيجة الاستفتاء وكأننا لم نتوقع جميعا من قبل أن النتيجة «نعم».
أعتقد أن الكثيرين مثلى يؤمنون بأن المثقفين وأعضاء الأحزاب السياسية ومناصرى البرادعى وعمرو موسى ليسوا هم من سيحركون أصوات الشارع فى المرحلة القادمة.. لو كانت النخبة السياسية قد بدأت الثورة وحرّكتها وحمتها بالمشاركة مع الملايين من أبناء مصر، فليس بوسعهم أن يمتد تأثيرهم ليحركوا الشعب من أسوان إلى الإسكندرية، كنا فى ميدان التحرير نقول فى أول أيام الثورة «الشعب يريد» والحقيقة أن «ميدان التحرير» هو الذى أراد فى البداية قبل أن يمتد التأثير إلى «عشرة ملايين وربما أكثر من الشعب يريدون».
فى رأيى أننا لو أجرينا استفتاء على مبارك يوم ٢ فبراير عقب خطابه العاطفى الشهير لفاز مبارك بأغلبية كاسحة، لو أجرينا استفتاء على حكومة أحمد شفيق قبل رحيلها لفاز شفيق.. الأغلبية الصامتة هى التى تحدد نتيجة الاستفتاءات وليس ميدان التحرير.. والديمقراطية الآن تحتم أن نسمع صوت الأغلبية مع ضمان التصدى للدعاية الدينية مستقبلا (وهو أمر عسير للغاية).
نتيجة الاستفتاء هى النتيجة التى «يريدها الشعب» بالأرقام والحقائق..وليس «ميدان التحرير» أو البرادعى أو عمرو موسى أو اتحاد شباب الثورة.
يوم السبت قلت «لا».. واليوم أقول «نعم» لصوت مصر.
علاء مصباح