غرامات هيئة السوق والتحول من التنظير إلى التفعيل
واصلة هيئة السوق المالية الخطى التي بدأتها أخيراً فيما يمكن وصفه بالمرحلة الجديدة من نشاط الهيئة التي تلت المرحلة الأولى التي تركزت في سن التشريعات ووضع الأنظمة وانتقلت إلى مرحلة تفعيل تلك الأنظمة والعمل على عكسها على أرض الواقع. فقد لاحظ الجميع تغيراً ملحوظاً في دور الهيئة الإشرافي والرقابي في الآونة الأخيرة بدءاً من الاستفسارات المتكررة للشركات التي شهدت أسهمها مضاربات غير مبررة مثل شركات: "المصافي" و"الدوائية" و"الصحراء" وغيرها الكثير، والطلب رسمياً من إدارات تلك الشركات بسرعة الإفصاح عن أية معلومات قد تكون جوهرية أو قد تقف وراء مثل تلك المضاربات. كما قامت هيئة السوق باتخاذ خطوة ذات أهمية بالغة حين قررت تعليق التداول على سهم شركة الباحة للتنمية لتأخر الشركة في الإعلان عن نتائجها المالية عن عامي 2003 و2004 .
وجاء قرار الهيئة أمس الأول استمراراً للخطوات الملموسة في تفعيل ما سبق إقراره من تشريعات منظمة لأسواق المال فيما يتعلق بتوقيت إفصاح الشركات عن نتائجها المالية الدورية والسنوية. حيث يلزم نظام السوق المالية الشركات المدرجة بالإفصاح عن نتائج أعمالها السنوية المدققة خلال 40 يوماً من انقضاء السنة المالية وكذلك نتائجها الدورية غير المدققة خلال 15 يوماً من انتهاء فترة الربع المالي. وتبرز أهمية التعجيل في الإفصاح عن القوائم المالية كونها إحدى أهم الوسائل التي تساهم في تحقيق مفهوم الشفافية وتزويد المستثمرين بالمعلومات المالية الدقيقة التي تساعدهم في اتخاذ قراراتهم الاستثمارية الصائبة بعيداً عن أثر الشائعات أو التكهنات غير المبررة التي يلجأ إليها المستثمرون متى ما تأخرت الشركات في الإفصاح عن نتائجها المالية.
في واقع الأمر، فإن الأنظمة التي تطالب بسرعة الإفصاح عن القوائم المالية لا تعد جديدة فقد تضمنها نظام السوق المالية وحددتها قواعد التسجيل والإدراج (المادة السادسة والعشرون) الصادرة في شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي. إلا أن ما استجد في قرار مجلس هيئة السوق الأخير كان الإعلان عن عقوبات محددة في حق الشركات التي تتأخر في الإفصاح عن نتائجها المالية مما يعد مخالفة لتلك الأنظمة. فقد منح نظام السوق المالية لمجلس الهيئة صلاحية فرض غرامات مالية في حق من يخالف أنظمة السوق والذي يعد الإفصاح عن النتائج المالية خلال الفترات المحددة أحد تلك الأنظمة. وبالفعل فقد قرر المجلس فرض غرامة مالية قدرها 50 ألف ريال إذا لم تقم الشركات بالإفصاح عن قوائمها المالية الدورية خلال الفترة المسموح بها (15 يوماً)، في حين ارتفعت تلك الغرامة إلى الحد الأقصى الذي يسمح به النظام وهو 100 ألف ريال في حق الشركات التي لا تعلن قوائمها المالية السنوية خلال 40 يوماً من انتهاء السنة المالية.
ولعل التأخر في الإعلان عن نتائج الربع الأول من العام الحالي خير شاهد على بعض الممارسات التي يعاني منها المستثمرون في السوق السعودية، وعلى أهمية قرار هيئة السوق بهذا الخصوص. فخلال مهلة الـ 15 يوماً التي سمح بها نظام سوق المال للإعلان عن النتائج الدورية، لم تقم سوى 27 شركة بالإفصاح عن قوائمها المالية عن الربع الأول المنتهي في 31/3/2005. وهذا يعني أن 42 شركة لم تلتزم بأنظمة السوق (هذا بعد استبعاد الشركات التي لا تنتهي فتراتها المالية الدورية في ذلك التاريخ). ولعله من المؤسف أيضاً أن نرى أن من ضمن الشركات التي تأخرت في الإعلان عن نتائجها شركات تعد ذات أهمية كبيرة من حيث القيمة السوقية مثل شركات: "سابك" و"الكهرباء" و"صافولا".
إن التأمل في قرار هيئة السوق الأخير يعكس أبعاداً إيجابية مختلفة. فنجد مثلاً أن فرض عقوبات محددة يضفي قدراً من الجدي في حجم المخالفة المرتبطة بعدم الإفصاح عن النتائج المالية خلال الفترة المسموح بها. دون أدنى شك، فهناك اختلاف بين القول إن التأخر في الإفصاح يعد مخالفة والقول إن التأخر في الإفصاح يعد مخالفة وستتم معاقبة المخالفين من خلال فرض غرامة مالية قدرها 100 ألف ريال. إذاً فالغرامة المفروضة ستساهم في إبراز أهمية المخالفة وستشكل حافزاً إضافياً للشركات للتعجيل بالإفصاح من نتائجها المالية والإيفاء بمتطلبات السوق.
ثانياً، إن طبيعة العقوبة الواردة في هذا القرار تختلف عن العقوبات الأخرى التي يسمح بها نظام السوق المالية. فقد خولت المادة التاسعة والخمسون (أ) من نظام مجلس الهيئة صلاحية تعليق تداول أسهم الشركات التي تخالف أنظمة السوق. وبالفعل فقد سبق أن قامت هيئة السوق بممارسة هذا الحق مع شركة الباحة. إلا أنه ومع غياب التأثير الحقيقي لشريحة كبيرة من المساهمين على إدارات الشركات السعودية فإن مثل هذه العقوبة قد لا تنعكس على إدارة الشركة بالشكل المأمول. فنحن وبكل أسف لا نتوقع أن تتولد لدى مساهمي الشركة القدرة الكافية على معاقبة إدارة الشركة بأن تقوم مثلاً بإعفائها نتيجة تقصيرها في الوفاء بمتطلبات أنظمة السوق مما يترتب عليه تعريضهم لخسائر مالية نتيجة تعليق التداول على أسهمهم. وبالتالي فإن العقوبة المالية التي أقرتها الهيئة ترتبط بشكل مباشر بالشركة وإدارتها نظراً لأبعادها المالية، والتي قد تكون محدودة بعض الشيء، والأهم من ذلك أبعادها المعنوية فالغرامات تبقى دائماً سبباً واضحاً للوم الإدارة ومساءلتها عن أسباب التقصير وتبعاته.
وأخيراً، فقد منح قرار هيئة السوق الشركات المساهمة فرصة للاستعداد الكافي للوفاء بمتطلبات الإفصاح إذ أجل القرار البدء في إيقاع تلك العقوبات حتى تاريخ 20/7/2005 والذي يعقب موعد الإفصاح عن نتائج الربع الثاني لمعظم الشركات المساهمة. وميزة ذلك التأخير أنه على الرغم من وضوح متطلبات الإفصاح والمدد المحددة التي فرضتها الهيئة، فإن هناك من سيطلب دائماً منح فرصة أخيرة. ولعل في تعليق تداول شركة الباحة خير مثال. فعلى الرغم من النداءات المتكررة من قبل الهيئة لعدة شركات بضرورة المبادرة بالإفصاح عن القوائم المالية المتأخرة، وعلى الرغم من أن الهيئة سبق أن قامت فعلاً بالإعلان عن عزمها معاقبة تلك الشركات نظراً لتقصيرها، فإنه عند تعليق التداول احتج البعض بأنه كان من الواجب على الهيئة أن تقوم بالتعليق بعد انقضاء مهلة محددة يتم الإعلان عنها قبل إقرار التعليق فعلياً.
إذاً فقد يكون لدينا الآن وضوح في المتطلبات النظامية المرتبطة بتوقيت الإفصاح عن النتائج المالية للشركات المساهمة ووضوح في حجم العقوبات التي سيتم فرضها في حق من يخالف تلك الأنظمة، ووضوح في تاريخ إيقاع تلك العقوبات. لم يبق لنا سوى الترقب ليوم الأربعاء 20/7/2005 لمتابعة جدية الشركات المساهمة في الالتزام بأنظمة السوق وجدية هيئة السوق المالية في تفعيل تلك الأنظمة ومعاقبة من يخالفها.
|