وجوب الحذر من استقدام غير المسلمين
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا وإمامنا وسيدنا وقدوتنا محمد ابن عبد الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد شكا إلي كثير من الناس ظاهرة استقدام غير المسلمين من خدم وسائقين وعمال، وأن بعض الناس يفضلهم على المسلمين.
وحيث إن هذه الظاهرة ظاهرة خطيرة على مجتمعنا - قد لا يظهر ضررها للبعض في الوقت الحاضر وإنما في المستقبل - فقد رغب إلي كثير من الناصحين أن أكتب في هذا الشأن نصيحة للمسلمين عامة، وللذين يفضلون استقدام الكفار على المسلمين خاصة، تتضمن تحذيرهم من التمادي والتساهل في الأمر، أسأل الله سبحانه أن ينفع بها.
فأقول مستعينا بالله سبحانه لا شك أن في استقدام الكفار من خدم وسائقين وعمال عواقب وخيمة، ونتائج خطيرة على الأسر والأولاد والمجتمع، لا تخفى على من له أدنى بصيرة.
وأنا لا أحصي من يتذمر ويتضجر منهم، وما يحصل منهم من جرائم ومخالفات لقيم هذه البلاد، وأخلاقها الإسلامية ممن وصلتني أخبارهم، وما يخفى من ذلك أكثر، وقد تمادى بعض الناس هداهم الله وتساهل في استقدام غير المسلمين، مع ما يتصف به هؤلاء الكفار من ضلال وحقد على المسلمين وغش لهم، ودعوة إلى الكفر والفساد، ومذاهب ضالة وديانات باطلة وأديان مخالفة لتعاليم الإسلام، مع ما يحاولون بثه في المجتمع من شرور مختلفة؛ كالأفلام الهابطة، والصور الخليعة الماجنة، والمخدرات، والمسكرات، والفساد الأخلاقي، ومنشورات وكتب تدعو إلى اعتناق دياناتهم الضالة والمحرفة، ومع هذا يحتج من يفضل استقدام الكفار على المسلمين بأنهم أخلص من المسلمين في العمل وأتقى.
وهذه الحجة بلا شك حجة باطلة واهية، يزينها الشيطان وحب الدنيا، وكأنه لا يعلم أن هؤلاء الكفار أعداء لنا، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ[1]، ولا يحبون لنا الخير، كما قال الله تعالى: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ[2]، وقال سبحانه: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً[3]، لذلك فإن هم كل واحد منهم أن يحصل على أكبر قدر من المال من أي طريق، فهم يتظاهرون بالإخلاص ويتصفون به في بعض الأحيان؛ ليستميلوا المسلمين إليهم ويرغبوهم فيهم، وفي بقائهم في العمل، ويترقبون فرص الغفلة، فإذا سنحت لهم نفذوا ما يريدون من جرائم ثم هربوا بعد ذلك إن استطاعوا، فهم كالحية ملمسها لين ولكنها تحمل السم القاتل، حيث إنهم لا يرسلون لنا في الغالب إلا العاطلين عن العمل هناك، أو من سجن عدة مرات، أو من كانت خبرته قليلة، فيأتي ليتعلم في مجتمعنا، أما من مهر في الصناعة أو الطب أو غيره فإنهم يحتفظون به لبلادهم، ولا يرسلونه أبداً، وإن أرسلوه فبشروط وأجور مرتفعة.
أما التقصير الذي يحدث من بعض المستقدمين المسلمين فسببه أن المستقدم لا يجتهد في اختيار من كان أقرب إلى الخير، وأبعد عن مظاهر الفسق والفساد، فيكون من بينهم من يدعي الإسلام وهو غير ملتزم به ولا بأحكامه، فيحصل به ضرر عظيم وفساد كبير وتشويه لسمعة المسلمين.
والواجب على من رأى من أحد المستقدمين المسلمين تقصيرا أن ينصحه، ويوجهه، ويصبر عليه، حتى يعرف ما يراد منه من عمل، فإن استقام وإلا استبدله بغيره من المسلمين الصالحين المخلصين الذين لا تخلو منهم كل بلد من بلاد المسلمين، والحمد لله، أما أن يستمر في استقدام الكفار فهذا أمر لا يجوز، لما في ذلك من تقريب من أبعده الله، وائتمان من خونه الله.
ومن أثنى عليهم ومدحهم وفضلهم على المسلمين في العمل وغيره فإنه قد أتى إثما عظيما وأساء الظن بإخوانه المسلمين.
ومن المعلوم أن هذه الجزيرة لا يجوز أن يستقدم إليها الكفار إلا بصفة مؤقتة، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بالناس فيما يفعلون من استقدام الكفار؛ لأن أكثر الخلق لا يتقيدون بحكم الشرع، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الكفار من هذه الجزيرة، وأوصى عند موته بذلك، وأن لا يبقى فيها إلا الإسلام فقط، فهي منبع الإسلام ومهبط الوحي، فلا يجوز أن يقر فيها الكفار إلا بصفة مؤقتة، لحاجة يراها ولي الأمر، كالباعة الذين يجلبون البضائع التي يحتاج إليها المسلمون ثم يرجعون إلى بلادهم، كما استخدم النبي صلى الله عليه وسلم اليهود في خيبر؛ للضرورة إليهم، ثم أجلاهم عمر رضي الله عنه لما استغنى عنهم.
فأوصي إخواني جميعاً في هذه الجزيرة بالحذر من استقدام الكفار من النصارى والهندوس وغيرهم والتواصي بذلك، وأن يعتاضوا عنهم بالمسلمين المعروفين بحسن السيرة والعقيدة والأمانة، طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وعملاً بسنته، وحماية لهذا المجتمع الإسلامي من مكائد أعدائه وأخلاقهم الذميمة.
والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يرضيه، وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
[1] سورة آل عمران الآية 118.
[2] سورة البقرة الآية 105.
[3] سورة النساء الآية 89.