القرآن والوضوء؟
القرآن الكريم هو كلام الله-عز وجل-وهو أعظم كتاب وأشرف كتاب, وهو خاتم الكتب المنـزلة من السماء، ومن تعظيم الله له أنه قال فيه-سبحانه-: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (الواقعة:79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(الواقعة:80)، وجاء في الحديث عنه-صلى الله عليه وسلم-أنه كتب إلى أهل اليمن ألا يمس القرآن إلا طاهر، وأفتى أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-بذلك، ولهذا ذهب جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة على أنه لا يمس القرآن إلا طاهر، لا يقرأ في المصحف إلا من هو على طهارة من الجنابة ومن الحدث الأصغر، هذا هو الصواب وهذا هو الذي أفتى به أفضل الأمة وهم أصحاب النبي-عليه الصلاة والسلام-, فليس للمحدث أن يقرأ القرآن من المصحف, ولكن له أن يقرأ عن ظهر قلب، إذا كان ليس على جنابة، أما الجنب فلا يقرأ حتى يغتسل؛ لأن الرسول-صلى الله عليه وسلم-كان لا يحجبه شيء عن القرآن إلا الجنابة، كما ثبت هذا من حديث علي-رضي الله عنه-، قال-رضي الله عنه-: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يحجبه شيء عن القرآن سوى الجنابة، فكان-عليه الصلاة والسلام- إذا كان جنباً لا يقرأ حتى يغتسل, وهكذا غيره من الأمة لا يقرأ حتى يغتسل, أما الحدث الأصغر فلا يمنع القراءة ولكن يمنع مس المصحف، فلا يمس المصحف ولكن يقرأ عن ظهر قلب، واختلف العلماء في الحائض والنفساء، هل تلحقان بالجنب، فتمنعان من القراءة عن ظهر قلب، أم لا تلحقان، بعض أهل العلم حكاه بعضهم وهو قول الأكثر، ألحقوا الحائض والنفساء بالجنب؛ لأن عليهما حدث أكبر يوجب الغسل، فشبهوهما بالجنب, وقالوا لا تقرأ الحائض ولا النفساء القرآن مطلقا ولو من غير المصحف ولو عن ظهر قلب، تشبيهاً لهما وإلحاقاً لهما بالجنب، وجاء في هذا حديث رواه أبو داود عن ابن عمر-رضي الله تعالى-عنهما عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن)، وقال آخرون: (يجوز لهما القراءة عن ظهر قلب، كالمحدث حدثاً أصغر، قالوا: لأنهما تطول مدتهما فليستا كالجنب، الجنب أمره ميسر، يغتسل حالاً ويقرأ إذا فرغ من حاجته من أهله اغتسل حالاً وقرأ، ما هناك مدة تضيع عليه طويلة، بخلاف الحائض والنفساء فإن مدتهما قد تطول، وليس الأمر في أيديهما، فالحائض قد تبقى خمسة أيام ستة أيام، سبعة أيام، والنفساء قد تبقى أربعين يوماً أو شهراً أو حول ذلك، فهذا يشق عليهما ترك القرآن, وربما نسيت الواحدة منهما حفظها, فلهذا ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يجوز لهما القراءة عن ظهر قلب، وليستا من جنس الجنب للمعنى الذي ذكرنا وهو طول المدة وعدم صحة القياس، فليس أمر الحائض والنفساء من جنس أمر الجنب، فرق عظيم، ومن شرط القياس أن يساوي الفرع الأصل ولا يتساويان هنا، أما حديث: (لا تقرأ الحائض ولا النفساء شيئاً من القرآن)، فهو حديث ضعيف عند أهل العلم؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش، عن موسى بن عقبة، وهو حجازي، وإسماعيل روايته عن غير الشاميين ضعيفة لا يحتج بها، كما قال أهل العلم، وهو روى هذا الحديث عن موسى بن عقبة وهو من الحجازيين ليس من الشاميين، فتكون هذه الرواية ضعيفة لا يحتج بها، فلا يبق في أيدي الجمهور القائلين بالمنع لا يبقى في أيديهم نص ولا قياس مستقيم، فلهذا يقوى القول الثاني وهو أنه لا حرج في قراءة الحائض والنفساء القرآن عن ظهر القلب، أما الجنب فلا؛ لأن الجنب مدته يسيرة وفي إمكانه الاغتسال حالاً ثم القراءة؛ ولأنه جاء فيه النص عن النبي- صلى الله عليه وسلم-أنه كان إذا كان عليه جنابة لا يقرأ، وجاء في بعض الروايات من حديث علي أنه -صلى الله عليه وسلم- لما خرج من قضاء الحاجة قرأ شيئاً من القرآن، ثم قال هذا لمن ليس جنباً، أما الجنب فلا ولا آية، وذلك بإسناد جيد في مسند أحمد, وقد رواه أهل السنن, والإمام في مسنده عن علي أيضاً بأنه-صلى الله عليه وسلم-كان لا يحجزه شيء عن القرآن إلا الجنابة، فهذا شيء وهذا شيء، فالجنب ليس له أن يقرأ لا عن ظهر قلب ولا من المصحف إلا بعد الطهارة، والمحدث حدثاً أصغر له القراءة عن ظهر وليس له القراءة من المصحف، أما الحائض, والنفساء فلهما القراءة عن ظهر قلب كالمحدث حدثاً أصغر فقط، وليس لهما أن تمسا المصحف من باب أولى، كالمحدث الذي حدثه أصغر لا يمس المصحف فهما من باب أولى، لا تمسان المصحف ولكن تقرأن عن ظهر قلب، هذا هو الأقرب وهذا هو الأظهر والأرجح لما سبق من الدليل والتوجيه, والله أعلم. إذا كان مس المصحف سماحة الشيخ من وراء حاجز كالقفازين مثلاً؟ هذا أجازه جماعة من أهل العلم وهو قول قوي، إذا مسه من دون حائل، المحدث أو الحائض أو النفساء هذا قول قوي، بخلاف الجنب فلا يقرأ أبداً، ولو من دون حائل، ولا يمسه.