هل حديث الآحاد ظني الدلالة؟!
هذا فيه تفصيل: إن كانت الطرق كثيرة أو الرواة لهم صفات خاصة في العلم والفضل والتقى فإنه يفيد اليقين، أما إن كان آحاداً ليس هناك من الطرق الكبيرة أو من الصفات التي تقوم مقام الطرق فإنه يكون ظناً، وقد ذكر أهل العلم ذلك كالحافظ ابن حجر وغيره، قال في الآحاد: "وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار"، وقال بعضهم في الصحيحين: إن أحاديثه مقطوع بها وأنها تفيد اليقين، وقال آخرون: بل تفيد الظن إلا إذا تواترت أو كثرت الطرق، والصواب أن الآحاد يفيد اليقين إذا تواترت القرائن من جهة كثرة الطرق أو من جهة صفات الذين رووا، فإن الرواة يختلفون: فإذا كان مثلاً ورد من طريقين أو أكثر لأئمة أفاد اليقين، كأن ورد مثلاً من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي قال كذا، والطريق الثاني مثلاً عن الإمام أحمد عن الشافعي مثلاً عن أحد مشايخ الشافعي الثقات عن الزهري عن أنس ونحوه فهذا يكسبه قوة عظيمة يراه بعض المحققين مفيداً للعلم في ذلك واليقين، وهكذا أشباه ذلك، كلما تعددت الطرق ولاسيما بالأئمة المعروفين بالثقة والعدالة فإن الحديث يكون مفيداً لليقين والعلم، ولكنه حجة على كلا التقادير، على جميع التقادير يكون حجة وإن لم يفد العلم ما دام سنده جيداً ورواته ثقات فإنه يفيد وجوب العمل في إيجاب ما يجب وتحريم ما يحرم ونحو ذلك، فالعمل واجب بالحديث الثابت الصحيح وإن لم يُفد العلم وإن لم يفد إلا الظن على رأي من قال بذلك، فالحجة قائمة أفاد العلم أو الظن إذا ثبت الإسناد، هذا الذي عليه أهل العلم، بل حكاه بعضهم إجماعاً كالخطيب البغدادي وابن عبد البر حكوا أن أحاديث الآحاد يحتج بها في العقائد وفي الأحكام، وأنه لا يفرق بين أحكام وغيرها بذلك إذا كانت أسانيدها ثابتة سواءٌ حكمنا بأنها أفادت العلم أو لم تفد العلم وإنما أفادت الظن، فإن الظن هنا بمنزلة العلم في وجوب العمل.