بعض المصلين بحي دار النعيم، ببور سودان من السودان، إخواننا يقولون: ذات يوم في مسجدنا خطب علينا أحد مدعي العلم بعد أن صلَّى بنا صلاة الظهر بدأ الحديث قائلاً إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما توفيت زوجته خديجة ذبح عليها ناقته وأقام عليها الفِراس لمدة ثلاثة أيام، وقال: إن في ذلك جاء في حديث رواه قتادة الصحابي، ثم ساق حديثاً آخر رفض أن يبين راويه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أنا شجرة وعلي ساقها، وفاطمة فروعها، والحسن والحسين ثمارها). ثم أورد حديثاً ثالثاً قال فيه: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صادفه يوماً بأحد جبال مكة رجل يهودي، فقال له: ألم تؤمن بي؟ قال اليهودي: لا، لا أؤمن بك، فقال: ادعوا تلك الشجرة فقال لها: إن محمداً يدعوك، فجاءت إليه تظلله بأغصانها، وتجر جذورها، فقال لها: من أنا؟ قالت: إنك محمد رسول الله. فنطق اليهودي بالشهادتين بعد مشاهدة هذه المعجزة، ثم صعدت الشجرة إلى السماوات وطافت حول العرش، والكرسي واللوح والقلم، وطلبت من الله الإذن لها بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: إن اليهودي قبَّل كفي وقدمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم ساق قصة أخرى فقال: إن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وجد رجل يطوف بالكعبة، فقال له: إنك زانٍ، فقال له كيف عرفت ذلك؟ قال: عرفته في عينيك. فقال له الرجل: أنا لم أزن، ولكني نظرت إلى يهودية، فقال الرجل لعثمان - رضي الله عنه -: وهل عرفت ذلك بالوحي؟ قال: لا، ولكنها فراسة المؤمن، ولما طالبناه بالأدلة كاد أنصاره أن يفتكوا بنا، نرجو أن نعرف رأي الشرع فيما قاله هذا الرجل، وعن هذه القصص التي جعلها موعظة يوعظ بها الناس مفضلاً إياها على سواها من المواعظ المفيدة والنافعة؟ جزاكم الله خيراً، وذيلوا الرسالة بقولهم: نود أن تعرض أسئلتنا على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز؟.
هذه الأخبار التي ذكرها هذا الواعظ كلها باطلة، كلها مكذوبة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، كلها لا أصل لها، فلم يفعل عزاءً لما توفيت خديجة - رضي الله عنه -، ولم يذبح ناقة ولم يدعوا الناس إلى عزاء كما يفعل بعض الناس اليوم، كل هذا لا أصل له - رضي الله عنه - عن خديجة وأرضاها كان يدعوا لها كثيراً وكان في بعض الأحيان يذبح الشاة ويوزعها على خلائلها على صديقاتها من باب الهدية والإحسان، يدعوا لها ويحسن إليها بالدعاء، أما أن فعل عزاءً لما ماتت وذبح ناقة ونحو ذلك هذا كله لا أصل له كله كذب. وهكذا قوله إنه شجرة وإن عليه ساقها إلى أخره.. وكل هذا باطل لا أصل له وليس بصحيح ولما ذكر اليهودي عن الشجرة التي نطقت إنه رسول الله وأن الله أنطقها وأنها عرجت إلى السماء وطافت حول العرش كل هذا لا أصل له، وكله باطل، وكله كذب، كذب المفترين والمجرمين وهكذا ما يروى عن عثمان أنه قال لرجل أنك زاني وأنه عرف هذا من عينييه كله باطل، ولا أساس له من الصحة وقتادة ليس بصحابي بل هو تابعي وليس من الصحابة. فالمقصود أن هذه الأخبار الأربعة كلها باطلة، كلها لا صحة لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس لها صحة ولا أساس لذلك، بل هو من كذب الكذابين، لكن صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث أخرى أنه دعا بعض الشجر فجاء، وهو من علامات النبوة كان ذات يوم أراد أن يقضي حاجة لها فدعا شجرتين فالتأمتا وجلس بينهما حتى قضى حاجته وجاء نحو هذا في أحاديث أخرى أنه دعا بعض الشجر فجاء إليه وكان هذا من آيات النبوة ومن دلائل صدقه - صلى الله عليه وسلم - لكن هذا غير هذا الخبر الذي ذكره هذا المفتري إلى أنه كلمته وأنها قالت أنت محمد لا إنما أجابت دعوته لما دعاها -عليه الصلاة والسلام- وحضرت. وأما أن تكلمت وقالت أنت محمد أو شهدت أنه محمد رسول الله أو أنها عرجت إلى السماء وطافت حول العرش كل هذا لا أصل له كله باطل، فينبغي التحرز من هؤلاء وينبغي للواعظ إذا وعظ أن يذكرهم بما ينفعهم في دينهم من الأحاديث الصحيحة، أو من آيات القرآن فيذكر الناس بكتاب الله - عز وجل -، ويعظهم بذكر الآيات التي فيها وعظهم وتذكيرهم فيما يتعلق بما أوجب الله وبما حرم الله هكذا يذكر لهم الأحاديث الصحيحة التي رواها البخاري أو رواها مسلم أو رواها أهل السنن أو غيرهم من أهل الكتب المعتمدة من الأسانيد الصحيحة هكذا المؤمن إذا وعظ إخوانه يتحرى الأحاديث الصحيحة يتحرى الآيات التي فيها وعظ الناس وتذكيرهم. أما أن ينظر في الأخبار الموضوعة والمكذوبة التي لا زمام لها ولا خطام، فلا ينبغي له ذلك، لا ينبغي أن يتكلم بها ولا ينبغي أن يعظ الناس بها بل يجب الحذر منها والابتعاد عنها. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبِين). وفي لفظ آخر: (وهو يرى - يعني يعلم - فهو أحد الكاذبَين). فلا يجوز للمؤمن أن يحدث بأحاديث يعلم أنها كذب، أو يعتقد أنها كذب أو يغلب على ظنه أنها كذب أبداً، بل يجتنبها إلا إذا أراد التبيين والإيضاح أنها باطلة إذا حدث بها لبين بطلانها وأنها مكذوبة فلا بأس، قال عليه الصلاة والسلام: (من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار). فالأمر خطير وعظيم فالكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فليس الكذب عليه مثل الكذب على غيره وإن كان الكذب خبيثاً ومحرماً وممنوعاً لكن الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من الكذب على غيره ومن أعظم الكبائر ومن أعظم المعاصي والسيئات، نسأل الله السلامة والعافية. جزاكم الله خيراً.