في حديث لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التحيات، يقول: (قولوا في آخرها: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت ، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت). أخونا يقول: أنا أعلم ذنوبي ما قدمت وما أخرت بصورة ع
هذا الحديث صحيح رواه مسلم في صحيحه من حديث علي - رضي الله عنه -، والمعنى واضح؛ لأن الإنسان مهما بلغ من العلم والذكر والفطنة تفوته أشياء ، وينسى أشياء ، ويجهل أشياء ، والله يعلمها - سبحانه - لا تخفى عليه خافية - جل وعلا - ، والمؤمن يدعو بهذا الدعاء الجامع ، فإنه يشمل ما علمه العبد وما لم يعلمه (وما أنت أعلم به مني) حتى يكون دعاؤه شاملاً لجميع سيئاته التي علمها والتي لم يعلمها، فقد يكون اغتاب أحداً ونسي، قد يكون تكاسل عن صلاة ونسي، قد يكون كذب في معاملة ونسي، قد يكون خالف في أمانة ونسي. وقول السائل أنه يعمل ذنوبه ليس بصحيح ، فإن الإنسان محل النسيان والجهل ، ومع طول الزمان ينسى كثيراً، فقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وما أنت أعلم به مني) كلام محكم عظيم؛ لأن العبد محل النسيان ومحل الجهل ، مهما بلغ حفظه ومهما بلغ ذكاؤه ، فإنه يفوته أشياء من سيئاته وأخطائه ينساها ، وقد يجهلها أيضاً ، قد يحسب أنها حق ، يحسب أنها هدى ، وليست ذلك. فالحديث يشمل هذا كله، يشمل ما أخطأ فيه يحسب أنه حق وهو معصية، ويشمل ما فعله من الذنوب وقد نسيه بسبب مشاغله ، أو قدم العهد. فالأمر واضح ، وقولك : أنك تعلم سيئاتك ليس بصحيح ، قد يفوتك أشياء تنساها، وأشياء تجهلها، وأنت في أيامك ولياليك تعمل وتكدح ، وتتكلم ومن يحصي كلامك وأفعالك إلا الله - سبحانه وتعالى -، وكم من زلةٍ تزل بها على زوجتك ؟، وعلى ولدك ، وعلى أهل بيتك ، وعلى خادمك ؟، وكم من زلةٍ تزل بها على جيرانك وجلسائك ؟، وكم من زلةٍ تزل بها على الناس في عرض الحديث من غيبةٍ ونميمةٍ وغير ذلك؟ وكم من معصية تفعلها وأنت لا تشعر أو تنساها فيما يتعلق بالصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج أو بر الوالدين أو صلة الرحم أو حق الجار أو غير ذلك.