الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من إخواننا المسلمين سلك الله بي وبهم سبيل أهل الإيمان، وأعاذني وإياهم من مضلات الفتن نزغات الشيطان آمين.
سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالموجب لهذا هو النصيحة والتذكير؛ عملاً بقول الله تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[1]، وقوله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[2].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة)) ثلاث مرات، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم))[3].
ونظراً لكثرة المشعوذين في الآونة الأخيرة ممن يدّعون الطب ويعالجون عن طريق السحر أو الكهانة، وانتشارهم في بعض البلاد، واستغلالهم للسذَّج من الناس ممن يغلب عليهم الجهل رأيت من باب النصيحة لله ولعباده أن أبين ما في ذلك من خطرٍ عظيم على الإسلام والمسلمين؛ لما فيه من التعلق بغير الله تعالى ومخالفة أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فأقول مستعيناً بالله تعالى يجوز التداوي اتفاقاً، وللمسلم أن يذهب إلى دكتور أمراضٍ باطنية أو جراحية أو عصبية أو نحو ذلك؛ ليشخص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعاً، حسبما يعرفه في علم الطب؛ لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية المباحة، ولا ينافي التوكل على الله سبحانه وتعالى.
وقد أنزل الله سبحانه وتعالى الداء وأنزل معه الدواء، عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله، ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرمه عليهم، فلا يجوز للمريض أن يذهب إلى الكهنة ونحوهم، ممن يدّعون معرفة الغيبيات؛ ليعرف منهم مرضه، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به، فإنهم يتكلمون رجماً بالغيب أو يستحضرون الجن؛ ليستعينوا بهم على ما يريدون، وهؤلاء شأنهم الكفر والضلال؛ لكونهم يدّعون أمور الغيب، وقد روى مسلم في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة))[4]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))[5] رواه أبو داود، وخرجه أهل السنن الأربع، وصححه الحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: ((من أتى عرافاً أو كاهناً وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد))،وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))[6] رواه البزار بإسناد جيد.
ففي هذه الأحاديث الشريفة النهي عن إتيان العرافين والكهنة والسحرة وأمثالهم وسؤالهم وتصديقهم والوعيد على ذلك.
فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكار إتيان الكهان والعرافين ونحوهم، ومنع من يتعاطى شيئاً من ذلك في الأسواق وغيرها، والإنكار عليهم أشد الإنكار، والإنكار على من يجيء إليهم، ولا يجوز أن يغتر بصدقهم في بعض الأمور ولا بكثرة من يأتي إليهم ممن ينتسب إلى العلم فإنهم غير راسخين في العلم، بل من الجهال؛ لما في إتيانهم من المحذور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم؛ لما في ذلك من المنكر العظيم والخطر الجسيم والعواقب الوخيمة ولأنهم كذبة فجرة.
كما أن في هذه الأحاديث دليلاً على كفر الكاهن والساحر؛ لأنهما يدعيان علم الغيب وذلك كفر؛ ولأنهما لا يتوصلان إلى مقصودهما إلا بخدمة الجن وعبادتهم من دون الله، وذلك كفر بالله وشرك به سبحانه، والمصدق لهم بدعواهم علم الغيب يكون مثلهم، وكل من تلقى هذه الأمور عمن يتعاطاها فقد برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز للمسلم أن يخضع لما يزعمونه علاجاً، كتمتمتهم بكلامٍ لا يفهم، وكتابة الطلاسم وهي الحروف المقطعة أو صب الرصاص، ونحو ذلك من الخرافات التي يعملونها، فإن هذا من الكهانة والتلبيس على الناس، ومن رضي بذلك فقد ساعدهم على باطلهم وكفرهم.
كما لا يجوز أيضاً لأحدٍ من المسلمين الذهاب لأحد من الكهان ونحوهم، لسؤاله عمن سيتزوج ابنه أو قريبه، أو عما يكون بين الزوجين وأسرتيهما من المحبة والوفاء، أو العداوة والفراق، ونحو ذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
والسحر من المحرمات الكفرية كما قال الله عز وجل في شأن الملكين في سورة البقرة: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
نسأل الله العافية والسلامة من شر السحرة والكهنة وسائر المشعوذين، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يقي المسلمين شرهم، وأن يوفق حكام المسلمين للحذر منهم وتنفيذ حكم الله فيهم حتى يستريح العباد من ضررهم وأعمالهم الخبيثة إنه جواد كريم.
وقد شرع الله سبحانه لعباده ما يتقون به شر السحر قبل وقوعه، وأوضح لهم سبحانه ما يعالجونه به بعد وقوعه رحمةً منه لهم، وإحساناً منه إليهم، وإتماماً لنعمته عليهم.
وفيما يلي بيان للأشياء التي يتقى بها خطر السحر قبل وقوعه، والأشياء التي يعالج بها بعد وقوعه من الأمور المباحة شرعاً:
أما النوع الأول: وهو الذي يتقى به خطر السحر قبل وقوعه، فأهم ذلك وأنفعه هو التحصن بالأذكار الشرعية، والدعوات والتعوذات المأثورة، ومن ذلك قراءة آية الكرسي خلف كل صلاةٍ مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام، ومن ذلك قراءتها عند النوم، وآية الكرسي: هي أعظم آية في القرآن الكريم وهي قوله سبحانه: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ[8]، ومن ذلك قراءة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ،وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ،خلف كل صلاةٍ مكتوبة وقراءة هذه السور الثلاث (ثلاث مرات) في أول النهار بعد صلاة الفجر، وفي أول الليل بعد صلاة المغرب.
ومن ذلك قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في أول الليل وهما قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[9]
.
وقد صح عن رسول الله أنه قال: ((من قرأ آية الكرسي في ليلةٍ لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح))[10]، وصح عنه أيضاً صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلةٍ كفتاه))[11]،والمعنى والله أعلم: كفتاه من كل سوء.
ومن ذلك: الإكثار من التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق في الليل والنهار، وعند نزول أي منزلٍ في البناء، أو الصحراء، أو الجو، أو البحر؛ لقول النبي: ((من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك))[12].
ومن ذلك أن يقول المسلم في أول النهار وأول الليل ثلاث مرات: ((بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم))[13]؛لصحة الترغيب في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك سبب للسلامة من كل سوء.
وهذه الأذكار والتعوذات من أعظم الأسباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدقٍ وإيمان وثقة بالله واعتماد عليه وانشراح صدر لما دلت عليه. وهي أيضاً من أعظم السلاح لدفع السحر بعد وقوعه، مع الإكثار من الضراعة إلى الله، وسؤاله سبحانه: أن يكشف الضرر ويزيل البأس.
ومن الأدعية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في علاج الأمراض من السحر وغيره، وكان صلى الله عليه وسلم يرقي بها أصحابه: ((اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما))[14]، ومن ذلك الرقية التي رقى بها جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله: ((بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك))[15] وليكرر ذلك ثلاث مرات.
ومن علاج السحر بعد وقوعه أيضاً، وهو علاج نافع للرجل إذا حبس من جماع أهله، أن يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر، فيدقها بحجرٍ أو نحوه، ويجعلها في إناءٍ ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل، ويقرأ فيه: (آية الكرسي)، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ،وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ،وآيات السحر التي في سورة الأعراف، من قوله سبحانه: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ[16] إلى قوله تعالى: رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ[17]، والآيات في سورة يونس، من قوله سبحانه: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ[18]، إلى قوله تعالى: وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ[19]، والآيات في سورة طه: قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى[20]، إلى قوله تعالى: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى[21].
وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب منه بعض الشيء ويغتسل بالباقي، وبذلك يزول الداء إن شاء الله، وإذا دعت الحاجة لاستعماله أكثر من مرةٍ فلا بأس، حتى يزول الداء بإذن الله تعالى.
ومن علاجه أيضاً إتلاف ما فعله الساحر من عقدٍ أو غيرهما، فيما يعتقد أنه من أعمال الساحر.
أما علاجه بعمل السحرة ونحوهم، مما يتقربون إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات، فهذا لا يجوز؛ لأنه من عمل الشيطان، بل من الشرك الأكبر، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين، واستعمال ما يقولون؛ لأنهم لا يؤمنون، ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم، كما سبق بيان ذلك.
والله سبحانه وتعالى المسئول أن يوفق المسلمين للعافية من كل سوء، وأن يحفظ عليهم دينهم، ويرزقهم الفقه فيه، والعافية من كل ما خالف شرعه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وأتباعهم بإحسان.
[1] سورة الذاريات الآية 55.
[2] سورة المائدة الآية 2.
[3] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب بيان أن الدين النصيحة برقم 55.
[4] أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان برقم 2230.
[5] أخرجه أبو داود في كتاب الطب، باب في الكاهن برقم 3904 إلا أنه قال: ((فقد برئ)) بدل ((فقد كفر)).
[6] أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين برقم 9252 والطبراني في المعجم الكبير ج1 ص162 برقم 355.
[7] سورة البقرة الآية 102.
[8] سورة البقرة الآية 255.
[9] سورة البقرة الآيتان: 285،286.
[10] أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده برقم 3275.
[11] أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب فضل سورة البقرة برقم 5010. ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الفاتحة.
[12] أخرجه مسلم في كتاب الذكر، باب في التعوذ من سوء القضاء، ودرك الشقاء وغيره برقم 2708.
[13] أخرجه الترمذي في كتاب الدعوة، باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى برقم 3388.
[14] أخرجه البخاري في كتاب المرضى، باب دعاء العائد للمريض برقم 5675 ومسلم في كتاب السلام، باب استحباب رقية المريض برقم 2191.
[15] أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب الطب والمرض والرقى برقم 2186.
[16] سورة الأعراف، الآية 117.
[17] سورة الأعراف، الآية 122.