حكم قول: أدعو فلا يستجاب لي
عندما لا يتحقق لي شيء أغضب، وأقول أقوالاً في حق نفسي وفي حق الله، مثلاً أقول: يا رب لماذا لا تستجيب لي الدعاء؟ وأقوال أخرى إذا شعر الإنسان أن دعاءه لم يستجب؟
عليك أيها الأخ إذا تأخرت الإجابة أن ترجع إلى نفسك وتحاسبها، فإن الله سبحانه وتعالى حكيم عليم قد يؤخر الإجابة لحكمٍ بالغة، ليكثر دعاؤك، ويكثر إبداء حاجتك إلى ربك، وتتضرع إليه وتخشع بين يديه، فيحصل لك بهذا من الخير العظيم، والفوائد الكثيرة، وصلاح قلبك، ورقة قلبك، وهو خير لك من الحاجة، وقد يؤجلها لأسبابٍ أخرى سبحانه وتعالى، وقد يؤجلها لحكمةٍ بالغة، فإذا تأجلت الحاجة، فلا تلم ربك ولا تقل: لماذا، لماذا يا ربي؟ ارجع إلى نفسك وانظر فلعلّ عندك شيئاً من الذنوب والمعاصي هي السبب في تأخير الإجابة، ولعل هناك أمراً آخر تأخرت الإجابة من أجله يكون فيه خير لك فأنت لا تتهم ربك، ولكن عليك أن تتهم نفسك وعليك أن تنظر في أعمالك وسيرتك حتى تصلح من شأنك، وحتى تستقيم على أمر ربك، وحتى تعبده على بصيرة، وحتى تمتثل أوامره وحتى تنتهي عن نواهيه، وحتى تقف عند حدوده، ثم اعلم أنه سبحانه حكيم عليم، قد يؤخر الإجابة لمدة طويلة، كما أخر إجابة يعقوب في رد ابنه يوسف عليه، وهو نبي عليه الصلاة والسلام، فقد يؤخر الإجابة لحكمةٍ بالغة وقد يعطيك خيراً مما سألت، وقد يصرف عنك من الشر أفضل مما سألت، كما جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من عبدٍ يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل دعوته في الدنيا، وإما أن تدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك. قالوا: يا رسول الله إذاً نكثر؟ قال: الله أكثر))،تبين في هذا الحديث أن الله قد يؤخر الإجابة إلى الآخرة، ولا يعجلها في الدنيا لحكمةٍ بالغة؛ لأن ذلك أصلح لعبده وأنفع لعبده، وقد يصرف عنه شراً عظيماً خيرٌ له من إجابة دعوته، وقد يعجلها له. فعليك بحسن الظن بالله وعليك أن تستمر وتلح في الدعاء، فإن في الدعاء خيراً لك كثيراً، وعليك أن تتهم نفسك وتنظر في حالك، وأن تستقيم على طاعة ربك، وأن تعلم أن ربك حكيم عليم وقد يُعجلها لحكمة، وقد يعطيك خيراً من دعوتك، وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل))[1]، فيقول: دعوت ودعوت فلا أراه يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويذهب الدعاء، فلا ينبغي لك أن تستحسر، ولا ينبغي لك أن تدع الدعاء، الزم الدعاء وألح على ربك، واضرع إليه وحاسب نفسك، واحذر أسباب المنع من المعاصي والسيئات، وتحرَّ أوقات الإجابة كآخر الليل وبين الأذان والإقامة، وفي آخر الصلوات قبل السلام، وفي السجود، كل هذه من أسباب الإجابة، وعليك بإحضار قلبك عند الدعوة حتى تلح وحتى تدعو بقلبٍ حاضر، وعليك بالمكسب الطيب فإن كسب الخبيث من أسباب عدم الإجابة.
[1] أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل برقم 6340، ومسلم في كتاب الذكر والاستغفار، باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل برقم 2735.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة المجلد السادس والعشرون.