تزوجت منذُ سنوات طويلة برجل يشرب الخمر بعد أن أقنعها أهلها بأنه سيتوب، وبعد زواجها حاولت أن تقنعه بالامتناع عن ذلك الشراب المحرم مرات كثيرة ولكنه لم يقتنع، وبعد أن أنجبت منه أربعة أطفال أتى ذات مرةٍ وشرب أمامها فحملت الإناء الذي شرب فيه وكسرته، عندها غضب عليها وقال لها: أنت طالق ومحرمة علي مثل أمي وأختي، فما الحكم الشرعي في قوله هذا، وهل تبقى معه على هذه الحال أم تفارقه؟
إذا كان حين قوله هذا عاقلاً فإن الطلاق يقع, ويقع به طلقة واحدة وتحرم به المرأة للتحريم حتى يكفر إذا كان عقله معه، تقع طلقة وله مراجعتها ما دامت في العدة إذا كان لم يطلقها قبل هذا طلقتين وعليه كفارة الظهار, وهي عتق رقبة مؤمنة, فإن عجز صام شهرين متتابعين, فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً, لكل مسكين نصف صاع من وقت البلد من تمر, أو أرز, أو غير ذلك قبل أن يطأها قبل أن يقربها، أما إن كان حين قوله هذا قد لعب به الخمر، قد ذهبت بعقله الخمرة ولم يعقل ما يقول فإنه لا يقع به طلاق في أصح قولي العلماء كما أفتى بذلك عثمان بن عفان الخليفة الراشد- رضي الله عنه-, وذهب إلى قوله جماعة من أهل العلم وهو الصواب, وهكذا لا يقع تحريمه ولا يؤثر؛ لأنه صدر من غير عاقل, والأحكام مناطة بالعقل, فمتى عرفت السائلة منه أنه في ذاك الوقت ليس في عقله فإن هذا الطلاق وهذا التحريم لا يعول عليهما وهي زوجته وباقية في عصمته، أما إن كان عاقلاً وليس متغيراً بسبب الخمر فإن الطلاق يقع كما تقدم طلقة واحدة وله المراجعة ما دام أنه لم يطلقها قبله طلقتين, وعليه كفارة الظهار كما تقدم, اللهم إلا أن تكون حال إيقاع الطلاق في طهر جامعها فيه, أو في حيض, أو نفاس فإنه لا يقع على الصحيح, وبه قال جمع من أهل العلم, وثبت عن ابن عمر-رضي الله عنه-ما يدل على ذلك لحديث ابن عمر الثابت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بلغه أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض غضب أنكر عليه, وأمره بمراجعتها, فإذا طهرت من الحيضة التي بعد الحيضة التي طلقها فيها فإنه بعد ذلك إن شاء طلق وإن شاء أمسك قبل أن يمسها, إن شاء طلق قبل أن يمسها وإن شاء أمسك، وفي لفظ قال له أن يطلقها طاهراً أو حاملاً يعني بعد طهرها من حيضتها الذي طلقها فيها ، ثم بعد طهر من الحيضة الأخرى, وهذا قول نصره جماعة من أهل العلم منهم شيخ الإسلام بن تيمية- رحمه الله-, والعلامة ابن القيم- رحمه الله-, وهو يدل عليه قوله- عليه الصلاة والسلام-: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ), وهذا عمل ليس عليه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو خلاف الشرع, فإن السنة أن يطلق الزوج زوجته طاهرةً من غير جماع, أما طلاقها في الحيض, أو في النفاس, أو في طهر جامعها فيه وهي ليست حاملاً فإنه طلاق بدعة, لا يقع على الصحيح عند جمع من أهل العلم كما تقدمت الإشارة إلى ذلك نعم. لكن هل الأفضل لها أن تعيش مع هذا الزوج المدمن لهذا الشراب أو تفارقه؟ هذا محل نظر إن رأت أن المصلحة تقتضي بقاءها معه ونصيحته؛ لأنها في ضرورة إليه لحفظ أولاده, والإنفاق عليها, ورجت أن الله أن ينفعه بكلامها ونصيحتها فهذا قد يكون أولى لئلا تضيع, إذا كانت في بلد ليس هناك من يصونها ولا من يقوم عليها, وإن رأت أن فراقه أصلح؛ لأن عندها من يقوم عليها, ويحسن إليها وإلى أولادها, ولا ترجوا الرجوع عن هذا الباطل ففراقه أصلح ، ترفع أمره إلى المحكمة, أو تطلب منه الطلاق لعله يطلق, والمحكمة الشرعية تنظر, أو توسط من الأخيار والأعيان من يتوسط بينهما حتى يطلقها, أو يتوب إلى الله من عمله السيء.