أنا رجل متزوج من ابنة عمي، ومشكلتي هي أهل زوجتي، فهم يحالون إيقاع المشاكل بيني وبينها، بتحريضها على كثرة الطلبات، والإسراف في مالي، وعصياني فيما آمرها به، حتى الصلاة لا تصليها، وذات مرةٍ حاولت معها أن تصلي فرفضت، فغضبت منها وقلت لها: أنت طالق بالثلاث، ولم أكن أقصد، وخصوصاً أن عندي منها ولد، ولكني أخاف أن يملوا قلبه علي حقداً وكراهية، فما رأيكم في هذه القضية وفي الطلاق؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فلا ريب أن تحريض أهل المرأة للمرأة على عصيان زوجها ومخالفة أوامره وإدخال الأذى عليه في ماله وغيره من المحرمات، ومن المنكرات الذي يجب عليهم تركها والحذر منها، والواجب على المسلمين جميعاً أن يتعاونوا على البر والتقوى، وعلى أهل المرأة بالأخص أن يتعاونوا مع ابنتهم ومع زوجها على البر والتقوى، وأن يكونوا راغبين في صلاح ذات البين، وعدم الشجار بين الزوجين، هذا هو الواجب عليهم، إلا إذا كان الفراق بينهما أصلح في اجتهاد أهل المرأة، فإنهم ينظرون في ذلك بالطريق السوي، وبالأساليب الحسنة، لا بالأذى والظلم والعدوان، وفي إمكانهم أن يطلبوا من الزوج أن يطلقها من العوض، أو بعوض، ويوضحوا له الأسباب. أما إذائهم وتحريضهم على أذاه ومخالفته من دون أمر شرعي، فهذا أمر لا يجوز بل هو منكر. أما كونها لا تصلي فهذا أشد وأخطر، فإن ترك الصلاة كفر بالله -عز وجل-، من الرجال النساء جميعاً، وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، عن بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه-، وفي صحيح مسلم -رحمه الله- عن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، والتعبير بالرجل لا يدل على التخصيص وإنما تأتي النصوص كثيراً باسم الرجل لكون الرجل أفضل الجنسين، وإنما الحكم عام، إلا ما خصه الدليل، فترك الصلاة كفر من الرجال والنساء جميعاً، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)، فإذا كانت لا تصلى فلا خير في بقائها معك أيها السائل، والواجب فراقها، لأنها لا تحل لك، قال تعالى لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ[الممتحنة: 10]، بل يجب عليك تركها حتى تتوب، هذا هو الصحيح من أقوال العلماء، أن ترك الصلاة كفر أكبر وإن لم يجحد التارك وجوبها، أما إذا جحد وجوبها فقد كفر بالإجماع، فلا خلاف بين أهل العلم في أن من تركها جاحداً لوجوبها فهو كافر، وإنما الخلاف فيما إذا تركها تهاوناً مع إقراره واعترافه بوجوبها، والصحيح أن تركها كفر مطلقاً، فالواجب على هذه المرأة التوبة إلى الله والبدار بذلك، فإذا تابت إلى الله فهي زوجتك، وإلا فالواجب عليك فراقها: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[الطلاق:2-3]، ويقول الله: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ[النساء: 130]، يطلقها طلقة واحدة احتياطاً وخروجاً من خلاف العلماء، نسأل الله لها الهداية والرجوع إلى الصواب والحق. أما الطلاق الذي صدر منك، وهو أنك قلت أنها هي طالق بالثلاث، فإذا كان الواقع هو هذا اللفظ وليس قبله طلقتان فإنه يعتبر طلقة واحدة رجعية على الصحيح من أقوال أهل العلم، لما ثبت في الصحيح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الطلاق على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعهد الصديق، وفي أول خلافة عمر طلاق الثلاث يجعله واحدة، وأفتى بهذا ابن عباس في الرواية الصحيحة عنه، وأفتى به جماعة من السلف من التابعين وغيرهم، وهذا هو الصواب أن الطلاق بالثلاث في خلة واحدة يعتبر طلقة واحدة هذا هو أرجح القولين عند أهل العلم أما إذا كان قبله طلقتان فقد انتهت فطلقت ثلاث وحرمت عليك حتى تنكح زوجاً غيرك ، فينبغي لك أن تنظر في الأمر وأن تنصح للمرأة بالتوبة لله عز وجل وتنصح لأهلها وتستعين بمن ترى من الأقارب والأصدقاء لينصحوها حتى ترجع إلى الله وتتوب إليه وينصحوا أهلها حتى يساعدوا في توبتها والرجوع إلى الله وحتى يساعدوا في بقاء العشرة واستقامة الأحوال بينك وبينها ونسأل الله الهداية والتوفيق .