إذا غضب الشخص واشتد به الغضب فحصل منه سب للدين فما حكمه؟ وإن كان متزوجاً فهل يلحق زوجته شيءٌ كأن تفارقه مثلاً إذا كان الحكم بخروجه عن الإسلام؟
هذه مسألة عظيمة، ولها شأن خطير، سب الدين من أعظم الكبائر والنواقض الإسلام، فإن سب الدين ردة عند جميع أهل العلم، وهو شر من الاستهزاء، قال -تعالى-: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ[التوبة: 66]، وكانت جارية في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- تسب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقتلها سيدها لما لم تتب، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا اشهدوا أن دمها هدر). سب الدين يوجب الردة عن الإسلام، وسب الرسول كذلك يوجب الردة عن الإسلام، ويكون صاحبه مهدر الدم، وماله لبيت المال لكونه مرتداً أتى بناقضاً من نواقض الإسلام. لكن إذا كان عن شدة غضب واختلال عقل فله حكم آخر، والغضب عند أهل العلم له ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: إن يشتد غضبه حتى يفقد عقله وحتى لا يبقى معه تمييز من شدة الغضب، فهذا حكمه حكم المجانين والمعاتيه، لا يترتب على كلامه حكم، لا طلاقه ولا سبه ولا غير ذلك يكون كالمجنون لا يترتب عليه حكم. القسم الثاني: دون ذلك، اشتد معه الغضب وغلب عليه الغضب جداً حتى غير فكره وحتى ولم يضبط نفسه واستولى عليه استيلاء كاملاً، حتى صار كالمكره والمدفوع الذي لا يستطيع التخلص مما في نفسه، لكنه دون الأول، لم يفقد شعوره بالكلية، ولم يفقد عقله بالكلية، لكن معه شدة غضب بسبب المسابة والمخاصمة والنزاع الذي بينه وبين بعض الناس، بينه وبين أهله أو أبيه أو زوجته أو أبيه أو أميره أو غير ذلك، فهذا اختلف فيه العلماء: فمنهم من قال حكمه حكم الصاحي حكم العاقل، ........ في أحكام يقع طلاقه، ويرتد بسبه الدين، ويحكم بقتله وردته، ويفرق بينه وبين أهله زوجته. ومنهم من قال: يلحق بالأول الذي فقد عقله لأنه أقرب إليه، ولأن مثله مدفوع مكره إلى النطق، لا يستطيع التخلص من ذلك لشدة الغضب، وهذا القوله أظهر وأقرب، وأن حكمه حكم من فقد عقله في هذا المعنى في عدم وقوع طلاقه، وفي عدم ردته؛ لأنه يشبه فاقد الشعور، مثل شدة غضبه واستيلاء سلطان الغضب عليه حتى لم يتمكن من التخلص من ذلك، واحتجوا بذلك بقصة موسى -عليه الصلاة السلام-، فإنه لما وجد قومه على عبادة العجل اشتد غضبه عليهم، وجاء وألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، عن شدة غضب، فلم يؤاخذه الله لا بإلقاء الألواح ولا بجر أخيه وهو نبي مثله هارون، من أجل شدة الغضب، ولو ألقاها تهاوناً بها وهو يعقل الإنسان لكان هذا عظيماً، ولو جر النبي بلحيته أو رأسه وآذاه صار كفراً، لو جره إنسان، لكن لما كان موسى في الغضب العظيم، غضباً لله -عز وجل- على ما جرى من قومه، سامحه الله ولم يؤاخذ بإلقاء الألواح ولا بجر أخيه، هذه الحجج للذين قالوا أن طلاق هذا إذا اشتد به الغضب لا يقع، وهكذا سبه لا تقع به ردة، وهو قول قوي ظاهر وله حجج أخرى كثيرة بسطها شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله- والعلامة ابن القيم واختارا هذا القول، وهذا القول أرجح عندي، وهو الذي أفتي به؛ لأن من اشتد غضبه ينغلق عليه القصد، ويشبه المجنون في تصرفاته وكلامه القبيح، فهو أقرب إلى المجنون والمعتوه منه إلى العاقل السليم، هذا قول أظهر وأقوى. ولكن لا مانع من كونه يؤدب بعض الأدب إذا فعل شيء من أسباب الردة، من وجوه الردة من باب الحيطة، ومن باب الحذر من التساهل بهذا الأمر ووقوعه فيه مرة أخرى، إذا أدب بالتعزير أو بالضرب أو بالسجن ونحو ذلك، هذا قد يكون فيه مصلحة كبيرة، لكن لا يحكم عليه بحكم المرتدين من أجل ما أصابه من شدة الغضب التي تشبه حال الجنون، والله المستعانز أما الغضب الثالث: أو القسم الثالث: فهو الغضب العادي الذي لا يزال معه العقل، ولا يكون معه شدة تضيق عليه الخناق وتفقده ضبط نفسه بل هو دون ذلك، غضب عادي يتكدر، يغضب لكنه سليم العقل سليم التصرف، فهذا عند جميع أهل العلم تقع تصرفاته، يقع بيعه وشراءه وطلاقه وغير ذلك، لأن غضبه قليل لا يغير عليه قصده ولا قلبه، والله أعلم.