بتـــــاريخ : 1/4/2011 8:19:07 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1174 0


    قاهر التشخيص الخاطئ: أنتوني برجيز

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : شبابيك | المصدر : www.shabayek.com

    كلمات مفتاحية  :

    في معرض بحثي عن قصص حماسية، توقظ في زواري الحيوية والنشاط، ساق لي القدر قصة أنتوني برجيز، ولما كان التوقيت عجيبًا، علمت أن مشاركتي هذه القصة معكم أمر حتمي.
    حين رقد أنتوني برجيز على أرضية الصف الذي كان يعمل فيه كأستاذ ومدرس، علم وقتها أنه نال كفايته من هذه الوظيفة، وأن الوقت حان ليتابع ما يهوى عمله، وهو ظن وقتها أن هذا كان سبب استمراره في الرقود على الأرض، بعدما أًصابه الدوار وسقط.
    جاء التشخيص الأولي من الأطباء أن أنتوني مصاب بورم خبيث، سيترك له على الأرجح قرابة العام أو أقل ليعيش. لم يكن أنتوني في بحبوحة من العيش، رغم أنه زار قسماً كبيرًا من البلاد والأقطار، ولذا جلس يفكر فيما سيتركه لزوجته – زميلة دراسته الجامعية – من بعده، ولم يجد أنتوني حلاً أفضل من أن يجلس ويكتب ويؤلف روايته وقصصه لتستفيد هي من ريعها بعد موته. لقد كان عمره وقتها 43 سنة.
    حين انتهت مهلة العام، كان أنتوني قد انتهى من تأليف خمس قصص ونصف، لكن أنتوني لم يمت! لقد ضمر الورم حتى اختفى، وتحول الأطباء للظن بأن تشخيص أنتوني كان خاطئًا. حتى وفاة أنتوني عن 76 عامًا، كان قد ألف أكثر من 70 قصة ورواية، ونشر ما لا يحصى من المقالات الصحفية، بأسماء كثيرة مختلفة ومستعارة، ما جعل حصرها صعبًا.
    كان ميلاد أنتوني في عام 1917 في مدينة مانشستر الإنجليزية، لأب يعمل كصراف، وكعازف بيانو في أوقات الفراغ. قضت أم أنتوني بعد ميلاده بعامين في وباء الأنفلونزا في عام 1919، فتولت قريبة له تربيته، ومن بعدها زوجة أبيه.
    اشتهر أنتوني بأنه علم نفسه بنفسه، و تمحورت دراسته الجامعية التي بدأها عام 1937 في جامعة فيكتوريا بمانشستر حول اللغة الإنجليزية وآدابها، وهو تخرج منها في عام 1940. الطريف والعجيب في الأمر، أن رغبة أنتوني الأولى كانت دراسة الموسيقى، لكن درجاته المتدنية في الرياضيات (والتي كانت مطلباً أساسيًا وقتها) حالت بينه وبين دراسة ما يحب!
    مثله مثل أقرانه، كان لأنتوني مشاركته في الحرب العالمية الثانية، حيث عمل ضمن فرق الإسعاف، ما جعله يتنقل بين بلاد كثيرة، لكن الطريف أن حبه للموسيقى لم يمت، إذ أدار خارج أوقات القتال فرقة موسيقية للرقص – ضمن النشاط الحربي للترفيه عن الجنود.
    تعرف أنتوني في الجامعة على زميلة دراسة شابة تدعي لين، صارت زوجًا له في عام 1942، لكن هذا الزواج لم يُقدر له أن يثمر أطفالاً. الغريب أن زوجته كانت ذات طباع صعبة، رغم ذلك فإنها دفعته وشجعته ليصبح كاتبًا، كما تركت عليه آثارًا ساعدته على أن يكون لاذع النقد ساخر اللهجة في بعض الأحيان. ماتت لين في عام 1968 بمرض التليف الكبدي بسبب شرب الكحوليات.
    بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، تحول أنتوني للعمل في جامعة برمنجهام ووزارة التعليم، وكان يؤلف القصص بشكل متقطع، حتى انتهى من أول رواية له في عام 1949، سماها رؤية المعركة، والتي لم ينشرها إلا في عام 1965.
    في عام 1954 سافر أنتوني للتدريس في مالاي وبروناي، ما سمح له بتأليف ثلاث قصص بنهاية عام 1959، العام الذي أصابه فيه الدوار المفاجئ وجعله طريح أرضية الفصل الدراسي في جامعة سلطان عمر علي سيف الدين في بروناي، ومن بعده وهب أنتوني حياته بالكامل للتأليف والكتابة.
    هذا التحول جعله يرتحل ما بين مالطة، إيطاليا، أمريكا، موناكو، وبحلول عام 1964 كان قد انتهى من تأليف 11 قصة. تميزت كتابات أنتوني بالسخرية وتحولت بعض قصصه إلى أفلام سينمائية، ولعل أشهر قصصه البرتقالة المنتظمة (A Clockwork Orange) التي تدور في المستقبل في العاصمة لندن.
    اشتهر أنتوني بأنه يكتب كل يوم ما لا يقل عن ألف كلمة، وهو تمكن في النهاية من تأليف قطع موسيقية سيمفونية وأوبرالية وللباليه، وتزوج مرة أخرى بعد وفاة زوجته، حتى حانت منيته في عام 1993، عن عمر ناهز 76 عامًا، بمرض سرطان الرئة (ذلك أنه كان شره التدخين!)، وهو ألف رواية بأكملها على سرير مرض الموت.
    للأسف، شاب قصة حياة أنتوني العديد والعديد من العادات الرذيلة والسيئة والتي أعلنها على الملأ، لكن هذا لا ينال من غاية سرد هذه القصة، وعلينا أن نأخذ الطيب، ونترك ما عداه.
    ما نخرج به من عبر:
    *- كم من المصائب حلت بنا، وكم منا حوّل هذه المصائب إلى تحولات جذرية مفيدة في حياته
    *- هل تأليف القصص ونشر الكتب أكثر سهولة ويسر في وقتنا الحالي، أم في أعقاب حرب عالمية تسببت في كساد نال من الأخضر واليابس
    *- ألف كلمة في اليوم كانت العادة التي استمر عليها أنتوني، ولعل هذا التدريب هو ما ينقص من يريد أن يصبح كاتباً في المستقبل
    *- لم يفت كل هذا في عضد أنتوني، إذ رغم نجاحه الأدبي، ألف قرابة ثلاث سيمفونيات، ليشبع هوايته الأولى، التي لم يستطع دراستها والتعمق فيها!
    *- تخيل لو جاء التشخيص الطبي الأول على وجهه الصحيح، هل كان أنتوني ليبدع؟
    *- ها أنت بحاجة لتشخيص خاطئ كي تبدأ في الإبداع؟

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()