تعود أصول بيير أوميديار (Pierre Omidyar) إلى إيران، لكنه يحمل الطباع الفرنسية، ويتمتع بالجنسية الأمريكية، وهو حاليا من أشهر فاعلي الخير، متبرعا بوقته وثروته لمساعدة الفقراء على العمل والاستثمار، ومن ثم النجاح. هل تريد دافعا لتكمل قراءة قصته؟ ما رأيك إن ذكرت أنه هو مؤسس موقع متجر eBay الإلكتروني على انترنت؟ أول وأشهر وأكبر متجر إلكتروني في العالم.
جاء ميلاد بيير في عاصمة الفن: باريس، في 21 يونيو 1967 لأبوين إيرانيين، حيث عمل أبوه جراحا بشريا، وانتقلت عائلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعمره ست سنوات، ونشأ في العاصمة واشنطن في الساحل الشرقي، وقضى سنتين في ولاية هاواي ثم عاد إلى واشنطن مرة أخرى، وأظهر حبه للإلكترونيات وأجهزة الكمبيوتر (خاصة TRS-80) وهو في مدرسته، وتخرج من الجامعة في عام 1988 حاملا شهادته في مجال علوم الكمبيوتر، على أنه لم يبد أبدا أي علامة من علامات التفوق الدراسي خلال مشواره.
بعدما علّم نفسه بنفسه البرمجة على أجهزة أبل ماكنتوش، جاءت وظيفة بيير الأولى في شركة Claris التابعة لشركة أبل، وهو ساهم في برمجة تطبيق الرسم الشهير (وقتها) MacDraw لأجهزة أبل. في عام 1991، شارك وثلاثة من أصدقائه في تأسيس شركة برمجيات، كان من ضمن مشاريعها التجارة الإلكترونية عبر انترنت، لكن نشاط الشركة تحول فيما بعد للتركيز فقط على التجارة الإلكترونية وتحول اسمها إلى eShop. رحل بيير في عام 1994 عن هذه الشركة، التي اشترتها مايكروسوفت فيما بعد في عام 1996. رحيل بيير كان إلى شركة متخصصة في الاتصالات النقالة، على أن بيير ظل مفتونا بإمكانيات التجارة الإلكترونية عبر انترنت.
ظل بيير يفكر في إمكانيات توفير التجارة الحرة بين الفرد والآخر، باستخدام شبكة انترنت كوسيلة الجمع بين المشترين والبائعين، لذا وعمره 28 سنة، أخذ بيير إجازة طويلة ليبرمج تطبيقا تطور فيما بعد ليحمل اسم eBay وأطلقه في 4 سبتمبر 1995 وحمل اسم موقع المزاد أو Auction Web.
لأن بيير خطب وقتها زوجته في المستقبل، فهو أراد بقاء أطول فترة ممكنة مع حبيبته، لا مع حاسوبه مصلحا لمشاكل البرمجة، ولذا عمد من اليوم الأول إلى فكرة مفادها أن على برنامجه أن يحاول حل المشاكل المحتمل وقوعها، وأن يستمر في العمل مهما حدث. تماما ذات المبدأ الذي عليه قام بروتوكول الاتصال الذي تقوم عليه انترنت، والمسمى TCP/IP.
كانت الخدمة مجانية في البداية، ثم تحولت في مقابل نقود لتغطي تكاليف استضافة وتشغيل الموقع. في مقابل كل عملية بيع تتم، كان بيير يحصل على عمولة صغيرة، هذه العمولة كانت تنفق في تطوير الموقع وزيادة خدماته.
بعد النجاح الخيالي الذي شهده موقعه (حقق زيادة 20-30% شهريا ولمدة ثلاث سنوات متوالية)، وتزايد عدد المسجلين في الموقع، وتزايد عدد البضائع المعروضة والمطلوبة، فسرعان ما زادت عوائد الموقع عن وظيفة بيير النهارية، ولذا استقال وركز مجهوده على تطوير متجره، الذي اشتهر بفعل كلمات الثناء والإعجاب التي نالتها خدمات الموقع، وكذلك بسبب معلقة الأمانة (Feedback Forum)، حيث كان بإمكان كل من البائع والمشتري أن يكتب محصلة خبرته في التعامل مع الآخر، ما زاد من أمانة وصدق الموقع، وإمكانية الاعتماد عليه.
في عام 1997، حول بيير اسم الموقع إلى eBay تصغيرا لاسم شركة الاستشارات التي أسسها بيير أيضا تحت اسم Echo Bay (أو وادي الصدى، إذا أردت معرفة المعنى الحرفي). هذا التصغير إنما جاء لأن الاسم الأول (ايكو باي) كان بالفعل محجوزا على انترنت.
بدأ بيير بعدها في الدعاية بقوة وعنف لخدماته، ليصبح عدد المزادات التي يوفرها موقعه أكثر من 800 ألف مزاد، وفي عام 1998 طرح بيير موقعه في البورصة، حين زاد عدد المشتركين في موقعه إلى أكثر من مليون مشترك، وفي نهاية هذا العام، كانت القيمة المقدرة لحصة بيير في أسهم موقعه قرابة 3 مليار دولار. في البداية، كان بيير المدير والحارس، حتى بدأ يعين عاملين مشهودا لهم بالخبرة، ثم عين مديرة تنفيذية في عام 1998 وبدأ يتفرغ لمهمات أكبر.
على أن هذه الرحلة لم تمض أبدا بلا مشاكل، ففي عام 1999 توقف الموقع عن العمل لمدة 22 ساعة متصلة، لكن الشركة عمدت إلى الاتصال بأكثر من 10 آلاف من كبار العملاء، وشرح سبب ما حدث من مشاكل، ومن ثم الاعتذار عن هذا الانقطاع. بعدها بفترة قصيرة توقف الموقع عن العمل لمدة 8 ساعات.
في عام 2003 حقق الموقع عوائد بأكثر من 2 مليار دولار، وكان لديه أكثر من 95 مليون مشتركا، يبيعون بضائع تنقسم لأكثر من 45 ألف تصنيفا، وتمضي الشركة إلى صفقات شراء واستحواذ، (مثل شراء PayPal ثم Skype) وتسير على درب دخول أسواق جديدة، خاصة الصين والهند،
في حوار خاص مع بيير، ذكر أن أول مشروع تجاري له كان طباعة بعض البيانات على بطاقة صغيرة، تماما مثل تلك البطاقات التي تجدها في المكتبات العامة، مقابل 6 دولارات في الساعة، كما ساهم في برمجة تطبيقات تتولى تنظيم جداول الحصص والدروس وهو في الصف الثاني الثانوي.
يؤكد بيير على أن شغفه الكبير هو لحل المشاكل بطرق جديدة تماما، ولمساعدة الناس، وهو يعزو سر نجاحه إلى دعم المجتمع الذي نشأ حول موقعه ومتجره، والذين ساندوه وساعدوه وسوقوا له، دون طلب منهم. كما أن هذا أفراد المجتمع هم من تولوا الإبلاغ عن كل معاملات غير أخلاقية أو مشبوهة، ليصون المجتمع نفسه بنفسه.
يؤكد بيير على أن المديرة التنفيذية (CEO) التي عينها رفعت الشركة باحتراف وجعلتها تصل إلى ما وصلت إليه، لأنها (المديرة) كانت خبيرة بإدارة الشركات كبيرة الحجم. (الشاهد: كونك مالك عملك، وقدته إلى النجاح، لا يعني أنك قادر على إدارته حتى تموت، بل ستصل إلى نقطة تحتم عليك أن تعهد بالأمر إلى أهله).
علامات على طريقه:
- يبشر بيير بأن الأعمال كلها في المستقبل ستتم فقط عن طريق شبكة انترنت، بشكل أو بآخر.
- 30 من كل مليون معاملة تجارية تتم عن طريق إي-باي يبلغ عنها كاحتيال، وهي نسبة أقل من مثيلتها في المعاملات التقليدية الأخرى.
- نصيحة بيير لمن يسأله، إذا أردت أن تكرر ما فعلته أنا بحذافيره، فلا تضيع وقتك، فقد سبقك غيرك إلى ذلك، وأصبحوا أكثر خبرة منك، لكن نصيحته هي أن تفعل شيئا تحبه وتكون مقتنعا به بقوة، وتكون على استعداد لتعطيه كل شيء.
- رغم أن شركته الأولى التي ساهم في تأسيسها لم تنجح كما كان يراد لها، لكن مجهوده في دعمها وتثبيت أقدامها ساعده في محاولته الثانية كثيرا.
- في عام 2005، كانت حصة بيير في أسهم موقعه ذات قيمة تعادل 8 مليار دولار.
- تعهد بيير وزوجته بأن يهبوا 1% من ثروتهما كل عام لأعمال الخير حول العالم، وهما يمولان الكثير من مؤسسات تنمية الأعمال الناشئة والصغيرة.
- لم يتوقع بيير كل هذا النجاح الذي حققه، لكن ذلك لم يمنعه من المضي في طريق الاستفادة من هوايته التي يحبها: برمجة الكمبيوتر.
يجب أن يكون للحديث بقية، إن كان في العمر بقية.