تمر على القارئ منا لحظات، يشعر فيها بما يشبه الصدمة النفسية، من بداهة ما يقرأه في كتاب رائع، ومن تعجبه كيف غاب عن ذهنه مثل هذه الحقائق البسيطة.
من هذه الكتب، كتاب أبي الغني – أبي الفقير المنشور في عام 2000، لكاتبه روبرت كايوساكي، الأمريكي المنحدر من أصل ياباني، والمولود في عام 1947 في جزيرة هاواي الأمريكية، والذي ألف 18 كتابا باعت في مجموعها 26 مليون نسخة عالميا. روبرت عصامي بدأ من لا شيء، مستثمر ومحاضر تنمية بشرية ومليونير بعد إفلاس، أسس شركات نجحت وباعها، ثم أفلس أكثر من مرة، حتى انتهى به الحال بلا بيت أو مأوى، ثم اتجه لإلقاء المحاضرات، حيث لمع نجمه إلى اليوم.
في رأي الشخصي الخاص، كتابه Rich Dad Poor Dad مزيج ما بين الخيال والواقع، بأسلوب سلس وسهل، يجعلك غير قادر على الجزم، هل ما تقرأه حقيقي أم خيالي، لكنك تميل لتصديقه رغم هذا. سبب قولي ذلك، هو أن لهذا الكتاب الكثير من منتقديه والمشككين فيما جاء به، خاصة وأن التطبيق العملي لأفكار الكتاب قليلة فيه، كما أن الكاتب يميل إلى السخرية كثيرا من أي فرد لا يوافقه في الرأي، وهو أسلوب ينال من الكاتب قبل غيره.
لأوفر عليك الوقت والجدل، سنركز على ما يهمنا: الحقائق!
يلفت روبرت انتباهنا في كتابه إلى حقائق بسيطة، منها:
من الغني ومن الفقير؟
بالطبع، سنترك الجوانب الأخلاقية والروحية والدينية جانبا، فنحن ندرس الجانب التجاري من السؤال. هذا الترك سببه الرغبة في الدراسة والفهم، وليس التحول إلى وحوش مادية!
الغني، وفقا للكاتب، هو من مصاريفه ونفقاته أقل من إجمالي دخله، وبالتالي فكل شهر سيكون لديه فائضا ماليا.
الفقير هو من تميل كفة الميزان عنده إلى جانب النفقات، فينتهي كل شهر وهو مدين. وفق هذا التعريف، قد يكون العامل البسيط أغنى من ذاك خريج الجامعة المرموقة.
الوظيفة حل قصير الأجل – لمشكلة مزمنة طويلة الأجل. وما الوظيفة المرموقة الآمنة إلا وهم لا وجود له، زرعها آباؤنا في عقولنا عن غير وعي، ظنا منهم بأنها الملاذ الآمن والحصن المنيع ضد مفاجآت الزمان، وهم ورثوها بدورهم من آبائهم.
مهما ارتقيت من وظائف مرموقة، فسيأتي يوم تصبح فيه عجوزا بلا فائدة، وجب تغييرك!
العبد ذو الأجر الكبير، يبقى عبدا في نهاية الأمر.
لماذا تتسلق السلم الوظيفي حتى آخره، لماذا لا تمتلك السلم كله؟
(أو: لماذا تعمل في شركة – لماذا لا تملك هذه الشركة؟).
الموظف يعمل بأقصى قوته – حتى لا يصرفه رب العمل،
بينما -
رب العمل يدفع أقل ما يمكنه – حتى لا يتركه الموظف
سبب زيادة فقر الفقراء، وغنى الأغنياء، ومعاناة الطبقة الوسطى وتآكلها، هو أن مادة المال والغنى نتعلمها في البيوت، بيوتنا، بدلا من أن نتعلمها بشكل علمي أكاديمي سليم في المدارس. المحصلة، إننا نكرر ما فعله الآباء، ولا نفارق مكاننا.
كم منكم يستطيع أن يطبخ سندويتش أفضل وأحلى من سندويتش ماكدونالدز – أو مؤمن؟ كم منكم يستطيع أن يطهو دجاجا أشهى من فروج الطازج؟ لماذا لا تفتحون سلسلة مطاعم مثلهم وتنافسونهم؟ كرر ذات المثل على أشياء أخرى، وأعد السؤال: لماذا؟
المال يجلب القوة، صحيح، لكن الأقوى منه هو فهم وتعلم الآليات التي يعمل بها المال، كيف تحصل عليه، وكيف تحافظ عليه، وكيف تستثمره، وكيف تحافظ على النفقات تحت سيطرتك.
عبر دروس ست في كتابه، يعلمنا لنا روبرت كايوساكي الثقافة المالية التي لم نتعلمها في الصغر: أن نجمع الأصول التي تدر/تجلب المال، وألا نندفع في شراء الخصوم التي تجلب علينا نفقات كثيرة، متاع لا يمكن بيعه بمكسب عند الحاجة، وأن ندخر من أجل استثمار المال وزيادته وتأثيله. بذلك، نصبح أحرارًا ونتخلص من عبودية الوظيفة.
نعم، هناك كتب أفضل وأحسن جاءت بعد هذا الكتاب، قدمت ما جاء به من أفكار في شكل أفضل منه، وبمشيئة الله نتعرض لها في المستقبل، لكن من الأهمية بمكان الوقوف على الكتاب الذي بدأ هذه النوعية من الكتابات.