نعود اليوم مع محاضرة للعجوز المخضرم براين تريسي (أنصحك بشدة أن تقرأ قصته مرات)، يتحدث فيها عن حصيلة خبرته في الحياة، ودراسته لأسباب ومُسَـلمات وقوانين الحصول على المال، من واقع خبرته الشخصية ومن واقع مشاهداته، عبر وظائفه السابقة، واستشاراته لكبرى الشركات، ومحاضراته لأكثر من 2 مليون شخص حول العالم. المحاضرة تتحدث عن قوانين راسخة، من يتبعها سيبدأ يكسب المال، ويحافظ عليه ويدخل عالم الأثرياء.
ما أن أذكر ربح المال في مقالة لي، حتى أجد تعليقات توجز المسألة في عبادة الله والإكثار من الطاعات والاستغفار فقط لا غير، وعادة ما تأتيني النصيحة في صياغة توحي بأن الناصح يراني أضلل الناس وأشغلهم عن آخرتهم، وأن الأحرى بي ترك كل شيء والاشتغال بالعبادة والكف عن هذا الهذيان (بالطبع، أحذف مثل هذه التعليقات، فالوقت وقت عمل لا جدل).
رغم أني لم أجد جملة كتبتها تدعو إلى الانشغال بالمال تماما والتوقف عن الطاعة والعبادة، لكني واثق أن تعليقات هؤلاء إنما تأتي من قراءة رؤوس العناوين بدون الغطس في المضامين. دليلي في كتاباتي أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – حين أراد أن يمول غزوة العسرة، دعا المسلمين إلى المسجد وطلب منهم التبرع والتصدق، ولم نجده مثلا يجلس يستغفر وينتظر معجزة السماء. حين جاء الرجل إلى الرسول يطلب منه المال، أمره الرسول أن يحتطب ويبيع الحطب ليكفي نفسه.
حين تأتي إحصائيات البطالة من بلاد المسلمين عالية في السماء، فالوقت وقت عمل واجتهاد، وحين يأتي أكثر من ثلث سكان بلد مسلم تحت مستوى الفقر العالمي، فالوقت ليس وقت نقاش حول الفرق بين التوكل والتواكل، ولذا أبدأ بشكر كل من سيضعون تعليقات تقلل من أهمية محاضرة كهذه، وأعتذر لهم على حذفها، وتبريري لذلك فقرتي السابقة.
أعتذر عن مقدمة كهذه، لكن خزائن احتمالي فاضت، وآن أوان إفراغها. نعود لهذه المحاضرة الجميلة. كسب المال عنوان يبدو للبعض مثل دعوة للرذيلة، فالمال عنصر مشترك في معاص كثيرة، نعم، لكن المال مثل الماء، كلنا نحتاج لقدر معين منه كي نعيش، فإذا نقص أو زاد عن حده خرجت الروح من الجسد. قلة الماء عن حد معين (يختلف من فرد لآخر) تجعل الدم لا يؤدي وظيفته، فيموت الإنسان، وإذا شربت أكثر من لتر ونصف من الماء في أقل من ساعة دون إخراج، أجهدت الكلى فسممت الدم فدمرت المخ!
كذلك المال، له حد أدنى بدونه لن تعيش… كريمًا مرفوع الرأس حر الإرادة، وإذا تخطيت حده الأعلى، استحققت تعليقات التذكير بأن المال وسيلة وليس غاية، وأنه زائل حتما لا باق. في وقتنا الحالي، أجد أن نسبة كبيرة منا هوت تحت الحد الأدنى…
القانون الأول: المسبب والنتيجة
لكل شيء يحدث في هذه الدنيا مسبب، ولكل حدث نتيجة. عند تحري المُسببات، ستحصل على النتائج. لكي تحصل على المال، عليك أن تتبع الأسباب التي تؤدي إلى كسبه. كل من سيتبع هذه الأسباب بحذافيرها، سيحصل على ذات النتائج. الفقر له مسبباته، إذا اتبعتها انضممت للفقراء. الثراء له مسبباته، بإتباعها تصبح ثريا. يمكنك دراسة قصص الناجحين، والخروج منها بخطوات، تكررها لتحصل على نتائج مماثلة لما حصلوا عليه.
الأفكار التي تدور في عقلك هي مسببات، بينما العوامل المحيطة هي النتائج. الأفكار هي الإبداع، وعبر أفكارك فأنت تشكل عالمك الذي تعيشه. ما أنت عليه اليوم، ومن حولك، هم نتاج أفكارك على مر حياتك. عندما تغير طريقة تفكيرك، فسيتغير كل شيء تبعا لذلك.
أنت تتحول لتكون نتيجة ما تفكر فيه طوال الوقت. ليست العبرة بما يحدث لك، بل بما تفكر فيه بسبب ما حدث لك، وما يترتب على ذلك من مشاعر وردود فعل. إن ما يدور داخلك هو ما يرسم عالمك الخارجي، ولتتحكم في عالمك الخارجي، عليك أولا التحكم في عالمك الداخلي.
عندما تفكر طويلا في كسب المال، وعندما لا تسيء الظن بالمال، وعندما تثق بقدرتك على كسب المال، ساعتها ستكسب المال. النجاح المالي هو نتيجة، تسبقها مسببات محددة، عندما تتعرف على هذه المسببات، وتطبقها في حياتك، ستحصل على ذات النتائج التي حصل عليها الغير.
بالطبع للحديث بقية، لكن القانون الأول يحتاج لقراءة بتدبر وتمعن وتفكر، ثم قناعة ، ثم تنفيذ.
فاصل ونواصل…