بتـــــاريخ : 1/2/2011 5:42:24 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1071 0


    حتمية التمرد على الأمر الواقع

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : شبابيك | المصدر : www.shabayek.com

    كلمات مفتاحية  :

    حين وجهت السؤال في التدوينة السابقة لكل قارئ، هل تحب وظيفتك الحالية، لم أكن أسعى من وراء السؤال إلى فتح جروح قديمة أو التذكير بما نريد نسيانه، بل كنت أريد التنبيه إلى شيء غائب في حياتنا العربية. في البداية، جاءت التعليقات على المقالة من قراء عثروا على ما يحبون، وقرروا أن يسيروا في اتجاه العمل في مجال يحبونه. لعل كثرة هذه التعليقات هي ما دفعت هذا الجيش من القراء الصامتين لأن يكسروا حاجز الصمت ويعلقوا ويدلوا برأيهم ويعبروا عن سبب من أسباب صمتهم.
    قبل أن أرد على بعض هذه التعليقات، أؤكد احترامي التام لكل صاحب رأي، وما نقاشي هنا إلا لغرض البحث عن الحكمة والفائدة، وإن فهمت من كلامي عكس ذلك فلك مني تام الاعتذار.
    اقترح قارئ أن يتقن كل موظف وظيفته، ويحسن من أدائه، وساعتها سيحب وظيفته، ولكم كنت أود لو أن الدنيا تسير بهذه الطريقة الحالمة الرومانسية، لكن الواقع البشري – من واقع التجربة – لا تجدي معه هذه الأفكار، فالبشر لا تستطيع التحكم فيما تحب وفيما تبغض، وبعد فشل التجربة الشيوعية والاشتراكية، وكذلك النسخ العربية منها، وجدنا أن الأماني لا تكفي، والمشاعر الجميلة لا تحرك الهمم، فرغم الخطب العصماء للزعماء، انتشر الفساد وتأخرت البلاد.
    ثم جاء التعليق الذي يعبر عن شريحة كبيرة منا: كيف تطلب من رجل متزوج يعول زوجة وأولاد أن يترك وظيفته التي تسد رمقه وأهله، ويبحث عن تلك التي يحبها، وحتى لو وجد المجال الذي يحبه، كيف سيحصل على وظيفة فيه.
    عندها تذكرت ذلك الرجل العربي، الذي بلغ من العمر الأربعين، وله الزوجة والبنات الأربعة، وهو جالس في عزلته، ومحدثه يأمره أن يأتي بشيء جديد تماما، جديد عليه هو نفسه وعلى قومه، ويأمره أن يغير ثابت العادات والتقاليد – والأمر الواقع. وتذكرت أكثر لو أن هذا الرجل كان خاف على بناته وطلب لهم الستر والزواج، وآثر الرضا بالأمر الواقع، ورفض تغيير الثوابت والأعراف. بأبي أنت وأمي يا رسول الله.
    دعونا نفترض – على سبيل التوضيح – أن الزوج منا ورب الأسرة، آثر الرضا بما لديه من وظيفة، وآثر ستر أولاده وزوجته، ودعونا نضغط على زر التحكم عن بعد (ريموت كنترول)، وجعلنا الأيام تجري وكأنها ثواني، لنصل إلى ما بعد 25 سنة، ماذا سنجد؟
    سنجد الرجل – الراضي بالأمر الواقع – وقد بلغ من العمر عتيا، وأن ولديه أنهيا دراستهما، وسارا على نهج والدهما، وأنهما يحمدان الله على أول وظيفة وجداها، وأنهما يجاهدان ماليا ليعثران على زوجة يكررا معها سُنة أبيهما.
    ضغطة أخرى من فضلك على زر الريموت. بعد مرور قرن (100 سنة) من الزمان، سيكون لدينا فيلقا من الراضين بالأمر الواقع، يجاهدون حتى يمر يومهم، لا يعترضون على شيء. هب أن محتلا احتل أرضهم؟ ماذا بك يا رجل، هل تريد من الراضي بالأمر الواقع أن يشّرد ولديه وزوجته، إنه سيرضى بالآمر الجديد (الذي هو المحتل) عله يترك له وظيفته الآمنة…
    إن الرضا بالأمر الواقع لا يجلب أي خير، إنه يحول الأحرار إلى عبيد بمعدل بطيء.
    بالطبع، غني عن البيان أن الرضا بقضاء الله، يختلف كل الاختلاف عن الرضا بالأمر الواقع، فالرضا باستشهاد شهيد، يختلف تماما عن الرضا بوجود المحتل على ظهر أي بلد عربي.
    لا خير ننتظره من موظف يعمل لأنه مضطر لأن يعمل، من عامل لا يرى في العمل سوى وسيلة تسد جوعه وتسدد دينه. لا أتوقع من هذا العامل أن يفكر كيف يطور من سير العمل، ولا أتوقعه يحب عمله، فهو لم يختره بكامل إرادته الحرة، بل انفرض عليه فرضا. إن الحرية تجلب الإبداع، بينما نتعلم كلنا الآن أن القهر والغصب لا يجلب أي خير.
    إن هذا الموظف، جل أمله في الحياة زيادة راتب وعلاوة، فقط. هب أن ثروة من السماء هبطت عليه، ربما مات من شدة الفرحة، أو شط عقله لعجزه عن التفكير في مصارف لهذه القفزة العالية في التوقعات. هل سيفكر في الاستثمار وتأسيس الشركات والخروج من طوق الوظيفة؟ أشك في ذلك.
    قبل أن تسألني أجيبك، لا، لا أريد منك أن تترك وظيفتك، أو ترفض تلك التي لا توافق هواك وأنت صاحب المسؤوليات، لا، بل ما أريده منك هو أن تمعن التفكير أولا في إجابة السؤال، ما مجال العمل الذي تحبه؟
    إذا أردت إجابة سهلة، فكر فيمن من الناس تنظر لهم بعين الإعجاب، وتخيل نفسك مكانه، هل كنت تنظر لنفسك بذات عين الإعجاب؟ تخيل نفسك تعمل ذات وظيفة كل من تقع عليك عينه، من عامل النظافة لمذيعة الأخبار لممثل أفلام المغامرات لبطل القصص الخيالية، اشرد بالفكر قليلا، حتى تعثر على بغيتك…
    إذا عرفت الإجابة فأنت قطعت الشوط الطويل، الآن، ماذا يمكنك فعله لتعمل في هذا المجال؟ (هل بدأت تلاحظ عقلك وقد نشط، هل تشعر بتلك السعادة الداخلية التي بدأت تعتمل داخلك، هل انتبهت لينبوع الأفكار الجديدة التي عانت من حبسها داخلك…).
    إن أشياء عظيمة وكثيرة في هذه الدنيا بدأت بفكرة مجنونة، مثل طيران الإنسان بلا أجنحة أو ريش، والأجسام المعدنية القادرة على السير وحمل البشر والأثقال دون خيول تجرها، نقل الصوت عبر العالم، الهبوط على القمر… هذه الأفكار احتاجت متمردين على الأمر الواقع، متمردين نشطين لا يقفون بسبب إخفاق أو فشل.
    إذا نجح أحدهم في تغيير واقعه، لم لا نغيره كلنا؟ لماذا إذا وقف أحدهم بعد سقوطه الشديد، لماذا لا نعاود نحن كذلك الوقوف؟ ليس الأمر خطبة حماسية، بل دعوة للتفكير، لم لا؟
    إن الموضوع يطول شرحه، لكني كل ما أريده منك الآن هو أن تحلم وتقول لي: ماذا تريد أن تكون عليه، لو حدثت المعجزة، وتلاشت جميع المشاكل في حياتك، فلا فقر أو بطالة أو روتين، بل الحرية التامة لعمل أي وكل شيء… أعرف أنه أمر يكاد يذهب بالعقل، لكن ماذا سنخسر أنا أو أنت، إنها أحلامنا الخاصة… شاركني بها… ماذا كنت لتختار لنفسك؟
    أمثلة عربية على شباب ترك الوظيفة وبدأ مشروعه:
    شرف.. مليونير من أكوام القمامة
    شريف.. قاتل الصراصير

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()