الفصل الخامس: التركيز على القليل
تهرع الشركات الناشئة والصغيرة لانتهاز أي وكل فرصة تلوح لها في الأفق، لكن هذا الوضع مؤقت، لأنه بعدما تكبر هذه الشركات وتتوسع، تتحول هذه العجلة من مفيدة إلى ضارة، وتصبح الشركة عندها بحاجة لأن تـقف وتنظر أي تلك الفرص ستحقق لها أكبر نسبة ربح + معدل توسع، لتهرع لانتهازها، وأي تلك الفرص يجب الفرار منها وعدم الاقتراب منها. على القدر ذاته من الأهمية، يجب كذلك النظر بمنظور الربح والفائدة المتوقعة لكل هدف تسعى الشركة لتحقيقه، فتجد مثلا بعض الشركات تسعى بكل قوتها للحصول على عقد أو مناقصة أو صفقة، وتنسى – في خضم هذا السعي الحثيث – مراجعة الأرقام، فينتهي بها الأمر وقد حصلت على ما تريده، وفوقه خسارة غير متوقعة.
مرت شركة دل بهذه التجربة، وأجبرتها أول خسائر فصلية على تعلم هذا الدرس بالطريقة المؤلمة، لكن بعدها بدأت دل عملية تقييم مستمرة لأهدافها، ولكل فرصة تلوح أمامها، فلم يعد الهدف الأول النمو والتوسع فقط، بل النمو مع التربح، يدا بيد، مع تفضيل تلك الفرص وتلك الأهداف التي تحقق أفضل ما في العالمين: عالم التوسع، وعالم الأرباح.
لكن عملية تقييم الفرص والأهداف يجب أن تقوم على أرقام وإحصائيات دقيقة تعكس الوضع الحالي بدون تجميل أو تزييف، وهنا توجب الحصول على مساعدة وعلى خبرة من خارج نطاق الشركة، وكان ديدن مايكل دل أن يحيط نفسه بالخبراء والمهرة من العقول والمفكرين، وهكذا استعان بشركة متخصصة في القياس والإحصاء (Bain & Company) وانتهى به الأمر مضيفا كيفين رولنز – العضو المؤسس لهذه الشركة إلى فريق إدارة شركة دل، وهي خطوة أثبتت جدواها، إذ نتج عنها تعديل آليات إدارة أمور الشركة، عبر إدخال عمليات قياس لكل شيء، ومن خلال مقارنة الأرقام الناتجة، تمكنت الإدارة من معرفة أي الأقسام يحقق خسائر ولماذا، وكذلك أيها يحقق الأرباح، وبناء عليها بدأ اتخاذ القرارات.
العجيب في الأمر أن بعض المديرين والعاملين في الشركة عارضوا هذه الطريقة الجديدة في اتخذا القرارات، وهؤلاء وجب عليهم الرحيل. تنقية الأجواء ساعدت على أن تسود روح واحدة بين العاملين، تقوم على اعتبار الحقائق والأرقام بمثابة الصديق الصدوق، الذي يجب الاعتماد عليه وبشدة. لكن عادت المشاكل للظهور، إذ أن هذا النظام الجديد جعل هناك حدودا واضحة لكل قسم من أقسام الشركة، فهذا الصيانة وهذا المبيعات وهذا التسويق، وبدأت الحواجز النفسية تظهر بين العاملين في كل قسم، وهكذا بدأت الأحزاب تظهر، وبات كل زعيم (= مدير قسم) يهتم بأن يكون قسمه من الأقسام المحققة للأرباح، دون النظر إلى مصلحة العملاء أو الشركة ككل.
قد تمصص شفتيك بعد قراءة الفقرة الماضية، وقد تقول أعرف كل هذا فلا جديد في الأمر، رغم ذلك تقف الأسباب السابقة وراء فشل واندثار قرابة نصف الشركات الناشئة في أمريكا كلها. النصف الآخر يغلب عليه النجاح بعد إزاحة مؤسسي الشركة عن إدارتها. عندما تسعى إلى توسيع شركتك، لن يمكنك أبدأ أن تفعل كل شيء بنفسك، فالسبيل الوحيد لذلك هو الاستعانة بالآخرين، عبر حسن انتقاء العاملين معك (من حيث المهارة والخبرة والقدرة على التكيف مع الأوضاع الجديدة)، ثم توكيل المهام المناسبة لهم إليهم. الرجل الذي لبى كل هذه المواصفات كان اسمه مورت (Mort Topfer) القادم ومعه خبرة إدارية طويلة اكتسبها من العمل لدى شركة موتورولا على مر 23 عاما، هذه الخبرة ساعدت على موازنة الأمور، إذ أصبح كل قسم مطالب بتحقيق الهدف العام للشركة، ثم التربح، والبعد عن التقزم وتقوقع العاملين داخل أقسامهم، كما سنرى بشكل أوضح في فصول تالية.
ثم يختم مايكل دل الفصل بنصيحة عميقة وقوية: إذا كنت تريد لشركتك أن تنجح، فعليك أن تتشارك القوة، لا أن تجمعها كلها في يدك أنت وحدك، وأما إذا أردت لشركتك أن تستمر وتبقى في السوق، فعليك التخطيط للمستقبل، لعامين وثلاثة وخمسة وعشرة، وأن تتوقع متطلبات توسع ونمو شركتك، وأن تخطط لكيفية توفير هذه المتطلبات.
والآن يأتي الوقت الذي أقول فيه: نواصل بعد فاصل، حتى هذا الوقت أنصحكم بقراءة ملخص الصديق مختار الجندي