بتـــــاريخ : 12/28/2010 6:05:40 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1356 0


    المحامي الذي غدا حلواني – ج1

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : شبابيك | المصدر : www.shabayek.com

    كلمات مفتاحية  :


    في حلقة من حلقات المسلسل التليفزيوني البريطاني السياسي الكوميدي، نعم يا وزير، وردت جملة قالت إن مباراة كرة قدم واحدة بين منتخبي بلدين، كفيلة بتدمير حصيلة 5 سنوات من الجهود الدبلوماسية للتقريب بين هذين البلدين، الآن وقد أصبح هناك مباراة ثانية، فالله نسأل حسن العاقبة، وأن يغلب صوت العقل كل ما عداه. كنت قبل توقف المدونة قد نشرت قصة المحامي الذي أصبح حلواني، واليوم أنشر النصف الأول، داعيا الله أن يعينني على نشر الجزء الثاني عن قريب.
    بدأ الأمريكي الأسمر وارن براون مشواره الوظيفي بعد تخرجه من جامعة جورج واشنطن للحقوق، ونجاحه في اختبار الإجازة، ليبدأ العمل في الحكومة في قسم قضايا التأمين الصحي، لكن بعد مرور عامين عليه في هذه الوظيفة بدأ حماسه يفتر. خلال دراسته الجامعية، كان وارن مفوها ومتحدثا بارعا، وكان الظن أن الاستغلال الأمثل لهذه الموهبة سيكون في عالم المحاماة، لكنه من داخله كان يشعر بأن هناك طرق أخرى لإسعاد الناس وإصلاحهم غير وظيفته هذه.
    كلما تملكه الملل، كان وارن يغرق نفسه في مطبخه بين الوصفات والطبخات، ثم يدعو بعدها كل وجميع معارفه وأصدقائه وجيرانه ليأتوا ويتذوقوا ما طهته يداه، وكانت هذه هي أفضل وسيلة يعرفها تقضي له على الملل والفتور الذي كان يهبط عليه من وقت لآخر ضيفا ثقيلا. ذات يوم في وظيفته، تأخر وارن لكي يستعد جيدا لقضية حكومية مهمة، وبينما هو غارق حتى أذنيه في أبحاثه وأوراقه، وجد وارن نفسه وحيدا في المكتب الكبير، رحل عنه زملاؤه، وبقي وحيدا، ثم نظر حوله وبدأ يفكر، هل هذا هو فعلا ما يريده؟ في قرارة نفسه، كان وارن مقتنعا أن صنعه للكعك والحلوى في مطبخه أفضل كثيرا من هذه الوحدة القانونية.
    بعد لحظة الصدق مع النفس هذه، استمر وارن في وظيفته عاما ونصف، حتى جاء مطلع العام الميلادي الجديد (1999) حين قرر وارن ساعتها أنه سيخصص عامه الجديد لتعلم أساسيات أعمال الحلويات، خاصة الكعك بالشيكولاته. لماذا الكعك بالشيكولاته ستسأل حتما، لأن وارن لمس بنفسه التأثير الإيجابي الذي يحدثه هذا الكعك على نفوس الناظرين إليه، كيف؟ حدث ذلك يوم في عام 1999 أن سافر وارن بالطائرة ليزور أهله، في هذه السفرة لاحظ وارن كيف أن جموع المسافرين من حوله كانت تنظر إليه وتحيه وتبتسم له، رغم أنه اعتاد قبلها على التجاهل وسير الكل في طريقه. ما السبب؟ في هذه المرة حمل وارن كعكة كبيرة ليهديها للأهل وزينها بشرائط زرقاء مزركشة!
    كانت الكعكة هي المغناطيس الذي جذب العيون له، وبعد عودته من السفر، استمر وارن يطهو الكعك لمدة ثلاثة أيام متتالية، حتى إذا كان لديه 15 كعكة مختلفة، جعلها الوليمة التي دعا إليها جميع من يعرف. خلال هذه الحفل، طلب وارن من الجميع إبداء الرأي في أي صنف أحبوه أكثر، حتى أن بعضهم من حلاوة الكعك طلب شراء المزيد منه. في حياة كل عصامي لحظة تكشف له الطريق إلى تجارته وصناعته، ومع وارن كانت هذه حين جاء طلب الشراء الأول لمنتجه: الكعك. قبل هذه الحفلة، كان مجموع ما باعه وارن من كعك لا يزيد عن أربعة، أما في حفلته هذا، فلقد حصل على طلبات أضعاف هذه الأربعة وفي يوم واحد.
    كان من المعتاد أن يحضر في عطلة كل أسبوع واحد أو اثنين من أصدقاء و زملاء وارن ليساعدوه في طهي وصنع الكعك، بينما ساعد آخرون في تنظيف المكان، وصممت وطبعت أخته بطاقة عمل تعريفية له، بينما كتب محام زميل قائمة الكعك المتوفر مع شرح وجيز لكل واحدة. بحلول شهر فبراير، حصل وارن على أول طلب شراء من شخص لا يعرفه (خارج نطاق الأصدقاء والمعارف والجيران). يعزو وارن خبرته العميقة في صنع الكعك إلى كتاب رائع ساعده على فهم طريقة خبز الكعك، وجعله يتقن صنعته بقوة، إن كتاب فن الكعكة أو Art of the Cake.
    لكن قبل أن يخطو وارن إلى خارج أسوار الوظيفة، كان على موعد مع طبيب غرفة الطوارئ في المستشفى ليميل عليه ويخبره: يا فتى، لم تعد صبيا صغيرا عمره 15 سنة، إن جسدك يشكو الإرهاق الزائد، وعليك أن تهدئ من سرعتك، فأنت لا تشكو سوى الإرهاق. قبلها كان وارن يعمل نهارا في وظيفته، وفي المساء ينغمس في هوايته التي أصبحت تجارته الجديدة. هذه الازدواجية كان لها ثمن ثقيل عليه وعلى صحته، إذ كان يعمل بدون انقطاع وبدون نوم في عطلة نهاية الأسبوع، ليبدأ أسبوعه الوظيفي وهو مثقل بالتعب والإرهاق.
    كان وارن يقوم بعمل كل شيء، من شراء المستلزمات إلى الخبز والعجن، وانتهاء بتسليم الكعك وتحصيل ثمنه، لكن الإرهاق الشديد كان مؤشرا على ضرورة التخلص من هذه الازدواجية، وكان على وارن أن يختار: إما وظيفته وإما هوايته! حين أوضح له الطبيب علته، أدرك وارن أن الإرهاق لم يحل عليه بسبب الكعك الذي يصنعه، بل بسبب وظيفته النهارية. كان القرار صعبا، إن ترقي الدرجات العالية في مهنة المحاماة ليس بالأمر السهل أو الهين، لكن وارن تمكن من حسم القرار وهو ممدد على سرير غرفة الطوارئ في المستشفى، وهو اختار حبه لصنع الكعك. حين يصل البعض إلى هذه المرحلة من إدراك ما يريده في حياته، تجده يندفع متخلصا من وظيفته ومنطلقا في طريق ما يحبه ويريده، لكن وارن أخذ الأمر بهدوء و روية، إذ طلب إجازة لمدة شهرين من وظيفته، لتكون بمثابة الاختبار الفعلي لقراره هذا، فإن تمكن من جعل العجلة تدور وظهرت له مؤشرات إيجابية و ربحية، ترك وظيفته للأبد، وإلا عاد لوظيفته.
    في عام 2000، وبعد مرور شهري الإجازة، استقال وارين من المحاماة، وهو كان يبيع وقتها من الكعك ما يكفي لسداد الإيجار، بينما اعتمد على بطاقات الائتمان لسداد ما غيرها (وهو سلوك غير محمود لا أنصح به) واستمر على هذا المنوال من الكفاح قرابة عام ونصف، حتى جاءت نقطة الانفراج حين كتبت عنه صحفية في قسم الطعام في جريدة واشنطن بوست، ونشرت صورته على غلاف ملحق الطعام والأغذية، حتى أن هاتفه استمر بعدها في تلقي الاتصالات لمدة يومين متتاليين دون انقطاع، وتوالت الدعوات الصحفية لإجراء مقابلات معه، حتى أن مبيعاته زادت 4 أضعاف.
    كما جرت العادة، فاصل ونواصل مع الجزء الأخير من القصة. حتى هذا الحين، لعلكم تذكرون أني حين نشرت هذا الجزء لأول مرة، كنت قد ذكرت موقف لولو من كتابي
    فن الحرب وكيف أرسل لي يخبرني أني تعديت على حقوق الملكية الفكرية لهذا الكتاب – دون توضيح أو تفاصيل، ورغم ردي على هذه الرسالة، لكن رسالتي وقعت على آذان صماء لا تريد أن تسمع، وبالأمس القريب حذف لولو ملفات كتاب فن الحرب، ولله الأمر من قبل ومن بعد، ولهذا من يحاول شراء هذا الكتاب من موقع لولو سيجد الرابط لا يعمل، ولذا وجب التوضيح.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()