حين أرادت مهندسة الديكور مروة هاشم أن تتخذ من هوايتها مصدرا لدخلها، فإن رسم اللوحات الزيتية وبيعها أثبت أنه مشروع خاسر، ذلك أن الخامات والألوان الزيتية كانت غالية الثمن، وكان جمهور العملاء يرفض دفع حتى تكلفة كل لوحة ترسمها مروة مع أختها، فانتهى مآلهما ببيع لوحاتهما بأقل من التكلفة وبخسارة. بعد مرور العام، بحثت مروة عن أكبر عنصر تسبب في تحقيق الخسارة، فوجدت الألوان الزيتية في المقام الأول، فهي خامات مستوردة، تخضع لضرائب ورسوم، ما يجعل تكلفتها عالية جدا.
آلة كبس ولحام عبوات وأنابيب الألوان التي بدأت بها، قصة نجاح في ذاتها.
كان يمكن لمروة أن تفعل مثلنا، تشكو وتلعن الظلام. على أنها اختارت إيجاد بديل، ألا وهو تصنيع ألوان زيتية أفضل وأرخص، بمكونات من البيئة المصرية. تطلب الأمر في البداية تعلم بعض فروع علم الكيمياء ومزج الألوان، ومن ثم البحث عن عبوات معدنية تعمل بمثابة أنابيب ألوانها، وبعدها ابتكرت آلة بدائية تغلق هذه العبوات المعدنية بعد ملئها باللون. خلال رحلتها، مرت مروة على عقبات كثيرة وجبال شوامخ من المشاكل، لكنها تغلبت عليها الواحدة تلو الأخرى. اليوم تخطط مروة – مؤسسة شركة بيور كولر – لبيع وتوزيع ألوانها في أسواق خارج الإسكندرية، بدءا من العاصمة القاهرة، ولعلها يوما توزع ألوانها في جميع البلاد.
طلبت من مروة أن تكتب لنا بعض نصائحها لمن يريد السير على نهجها، فهي لم ترث ثروة جعلتها في رأس مال مشروعها، ولم تكن تؤسس المشاريع التجارية الناجحة وتبيعها الواحد تلو الآخر منذ نعومة أظافرها. مروة بدأت من الصفر تقريبا، فهي كما تقول عن نفسها خريجة القسم الأدبي من المرحلة الثانوية، واختارت الفن هربا من تعقيدات العلوم والرياضيات، كما لم تكن لها سابق خبرة بإدارة المشاريع، لكنها تعلمت – كما يقولون – من على خط المواجهة، بالتجربة والخطأ، ولعمري هذا أفضل من الكتب وقاعات الجامعات.
الجدير بالانتباه إليه كذلك أن هذه النصائح تبدو مختلفة قليلا عن تلك النصائح التي قد تقرأها على مدونة سيث جودين أو بول جراهام، أو ثنايا مقالات مجلة فورتشن أو فوربز. تبدأ مروة فتقول:
1 – التحدي الأكبر لمن يريد إطلاق مشروعه هو توفير رأس المال الكافي. في أحيان كثيرة يؤدي عدم التفرغ للمشروع إلى تأجيله وتسويفه ومن ثم إلغائه وعدم إطلاقه. من الحلول الممكنة الشروع في عمل جانبي لا يشغل معظم وقت صاحب المشروع.
2 – في حال كان المنتج الذي يقدمه المشروع ملموسا وليس خدمة مثلا، فيكفي عمل نموذج مبدئي له ثم محاولة بيعه على حالته. في البداية، لا تتعجل للحصول على طلبات شراء عديدة، بل اكتفي بطلب أو اثنين أو عدد يناسب قدراتك، وتستطيع تسليمها بجودة عالية. يمكنك التوجه إلى الأصدقاء والمعارف والزملاء للحصول على هذه الطلبات.
3 – هنا سيكون التحدي توفير المال اللازم لصنع هذه الطلبيات، وتنصح مروة بعدم اللجوء إلى الاقتراض من البنوك، فالمشروع في بدايته ليس له مصادر دخل ثابتة يعتمد عليها، كما أن العمل تحت وطأة وجوب التسديد للبنك تجعل المشروع معرضا للانهيار والفشل، كما يجعل ظروف العمل سيئة وغير مشجعة على الإبداع والاستمرار.
4 – من ضمن الوسائل الممكنة لتوفير المال اللازم في البداية هو المشاركة المصغرة، بمعنى تجميع الأهل والأصدقاء وعرض فكرة مشاركتهم الاستثمارية في هذه الطلبية فقط، وليس في المشروع كله. بمعنى، توفير هذه الطلبية سيحتاج إلى رأس مال قيمة س، وربح بيعه سيكون ص، وبالتالي كل من ساهم في توفير المبلغ س سيكون له حصة من الربح ص. مرة أخرى، لا تتعجل تكبير حجم الطلبية واقتصر على أمر الشراء الذي حصلت عليه.
5 – إذا فعلتها ستتوفر لك بعض الأرباح في صورة الفائض من المواد الخام التي استعملتها في تجهيز الطلبية، يمكنك استغلالها في تجهيز طلبيات تالية بتكلفة أقل، وتكرر الأمر حتى تحقق أول أرباح لك، في ظل ميزانية محدودة وضيقة، لكن ممكنة. بالطبع، هذه الفكرة يمكن استغلالها كذلك في شراء ماكينات تصنيع بتكاليف متدنية، من خلال الابتكار والإبداع، وتحويل ماكينات قديمة لتؤدي وظائف أخرى غير التي كانت تقدمها، من أجل توفير خط إنتاج بأقل التكاليف.
على الجانب:
جاء في أقوال الحكمة: “إن استطعت فكن عالما، فإن لم تستطع فكن متعلما، فإن لم تستطع فأحبهم، فإن لم تستطع فلا تبغضهم“