في عام 2006، أعلنت شركة كيا الكورية لتصنيع السيارات (تابعة حاليا لشركة هيونداي الكورية) عن انضمام مصمم السيارات الألماني بيتر شراير Peter Schreyer (الشهير بتصميمه لشكل سيارة أودي تي تي الرياضية والتي توجت 25 سنة من العمل لدى فولكسفاجن و أودي) إلى فريق عملها. عقب انضمامه، ترأس بيتر مكاتب التصميم الفني لدى كيا في كل من: فرانكفورت، لوس انجلوس، طوكيو و كوريا. في عام 2010 بدأت طرازات سيارات كيا التي صممها بيتر تباع في الأسواق العالمية.
في شهر يونيو 2010، أعلنت كيا عن تخطيها مليون سيارة مباعة في السنة، وعن تحقيقها زيادة في مبيعاتها العالمية قدرها 49.2 % في نصف الأول من 2010. قبل مقدم بيتر، وكما يقول هو، كانت سيارات كيا بلا هوية واضحة، فتارة تشبه السيارات اليابانية وتارة تعود لأصولها الكورية. انطلاقا من هذا العام 2010، ستبدأ تجد سيارات كيا جديدة ذات طابع خاص ومميز، بداية من طراز سبورتاج الذي يحقق مبيعات كبيرة غير مسبوقة.
لا، لم أتحول للحديث عن السيارات في مدونتي، ما أريد التحدث عنه هنا هو عدة أشياء. أدركت كيا أنها غير قادرة على المنافسة في السوق العالمي اعتمادا على الكوريين فقط، ولذا لم تخش تأسيس مكاتب تصميم فني خارج الأراضي الكورية. أدركت كيا أنها بحاجة لمهندس ومصمم عبقري ومبتكر ليقود هذه الفرق الفنية، وحين عثرت عليه استمالته وجعلته يعمل لديها. لم تطلب كيا المستحيل منه، فالأمر احتاج 3 سنوات حتى ظهرت نتائج عبقرية بيتر الألماني.
عودة إلينا، هذا المثال ستجده في كل بلد وشعب ومهنة وتجارة. ستجد كل شركة أنها بحاجة لعباقرة ونوابغ، إن لم تبحث عنهم وتضمهم إليها، فستخسر أرباحا محتملة كثيرة. المشكلة ذات جوانب كثيرة، فالبحث عن هؤلاء يجب أن يقوم به صاحب الشركة فإن لم يكن فمديرها، غير ذلك لن يعطي نتائج إيجابية، فشركة التوظيف – على سبيل المثال – إذا عثرت على شخص عبقري مثل هذا فلن تتردد في عرضه على الشركة المنافسة، فالكل همه تحقيق أقصى ربح ممكن، مثله مثلك.
حتى إذا عثرت على شخص نابغة، فهل يمكنه العمل بدون مشاكل مع فريقك؟ خلال نقاشاتي مع الكثيرين سمعت قصصا مثل تعيين شركة ما لخبير حسابات فذ، وتركته يدير قسم الحسابات الذي يسيطر عليه جنسية بعينها. أفراد هذه الجنسية لم يتقبلوا هذا الوافد الجديد وتعمدوا خلق المشاكل والمصاعب حتى أجبروا الإدارة على فصل هذا الخبير وإعادة الأمر إلى ما كان عليه. (طبعا الإدارة هنا تحسب أنها حلت المشكلة، في حين أنها فعليا أجلت ظهورها لا أكثر، على شاكلة دفن الرؤوس في الرمال.)
حتى إذا وجدته، وانضم إليك، وبدأ يعمل، فهل يمكنك الانتظار حتى يؤتي ثماره؟ هذه مشكلة أخرى، فالعبقرية والنبوغ لا تعمل وفق جدول زمني محدد، ففي المثال الذي بدأت به، استفادت كيا من عدة عوامل – لم – تخطط لها، مثل تميز شركة كيا في إنتاج سيارات ذات أثمان أقل من غيرها الأمر الذي ساعدها كثيرا في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، وتتميز كذلك سياراتها بأنها اقتصادية عند استهلاك الوقود الأمر الذي ساعدها على التميز في ظل ارتفاع سعر البترول بشكل مجنون ومدمر.
حين أغرقت كوريا الشمالية غواصة لكوريا الجنوبية، وبدأ الشد و الجذب والتراشق بالتهديدات بين الجارتين، بدأ العالم يخشى من عواقب حرب محتملة بين الجارتين، ولذا بدأ سعر العملة الكورية ينخفض لخوف المضاربين من التعامل فيها، الأمر الذي جعل أثمان السيارات الكورية تنخفض أكثر، في وقت ارتفع فيه الين الياباني ومن قبله يورو الأوروبي.
تدوينتي هنا ستجد تعليقا على شاكلة لم تكن كيا لتنجح لولا العوامل التي ذكرتها هنا، وأنا اختلف مع هذا التعليق، فعلى افتراض أن كل هذه العوامل تحققت لكن كيا لم تضم إليها مصمما فذا و نابغة، واستمرت تصنع طرازات مائعة ليست ذات سمة واضحة، كلي ثقة أن كيا كانت وقتها لتعاني من قلة المبيعات مثل شركة تويوتا التي لم تطرح طرازا جديدا تماما (أكرر، تماما، وليس مجرد تغيير شكل مصباح أمامي وخلفي أو نموذج صغير من طراز سابق) منذ فترة، خاصة في المنطقة العربية (رغم العشق العربي الكبير والقديم لسيارات تويوتا!).
المستقبل يفضل القادم بالجديد. افعل ما عليك واستعد للمستقبل بمنتجات و خدمات جديدة تماما. لا تجد في شركتك الشخص القادر على الإبداع و الابتكار؟ ابحث عنه بنفسك – وانظر كيف تجعله ينضم إلى فريق العمل لديك بدون مشاكل أو منغصات. فعلت كل هذا؟ اصبر عليه ودعه يعمل وأعطه بيئة العمل المساعدة، ولا تنظر إليه على أنه عبد يمكنك استبداله بسهولة، بل هو أصل ثمين يجب عليك حمايته وتنميته.
هذا الأمر لا يتحقق في الشركات الكبيرة فقط، فمن رحمة الله أنه يتحقق في كل مجال وتجارة، وهي آية من الله تذكرنا أن الله هو الواحد الأحد القادر وحده على كل شيء، أما عبيده مثلنا، فهم بحاجة لبعضهم البعض، ولا يستطيع واحد منهم أن يفعل كل شيء. هذا الأمر تحديدا كان من ضمن عوامل صعود نجم الحضارة الإسلامية، حين وفرت حرية الانتقال والتوطن، فجاء الإمام البخاري من بخارى (أوزبكستان حاليا)، وجاء سيبويه من بلاد فارس وغيرهم ليسكنوا في البلاد الإسلامية ويعطوها من نبوغهم وعبقريتهم.
رجل واحد، انضم لشركة،
فزاد مبيعاتها السنوية بمقدار 50%
افعل مثل هذه الشركة، ابحث عن النوابغ وضمهم إلى فريقك.