بتـــــاريخ : 8/5/2008 4:06:54 PM
الفــــــــئة
  • الاقتصـــــــــاد
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1866 0


    المضاربة بالأسهم: متاجرة، أم مقامرة؟

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : د. يوسف بن أحمد القاسم | المصدر : www.saaid.net

    كلمات مفتاحية  :
    اسهم

    المضاربة بالأسهم: متاجرة، أم مقامرة؟

    د. يوسف بن أحمد القاسم

     
    حدثني من أثق به: أن مساهماً في إحدى الشركات المتردية أو النطيحة، قد بلغه خبر مفاجئ لم يصدقه من أول وهلة، وهو أن الشركة التي ساهم فيها منذ سنين بطريق(الخطأ!!) قد أفاقت من سباتها، وسادت بين الشركات بعد ترديها في ظلمات ثلاث، فارتفع مؤشر قيمتها السوقية ـ بين عشية وضحاها ـ من (150) ريالاً إلى (2600) ريال، ودون سابق إنذار!! وكأن دعوة صالحة في آخر الليل قد وافقت ساعة استجابة، فانتشلتها من بين الركام، ومن الحضيض إلى القمة، فما كان من أخينا المساهم الذي لم يسدد باقي القيمة الاسمية لأسهمه ـ لعدم قناعته المسبقة بجدواها الربحي ـ لم يكن منه إلا أن امتطى سيارته، متجهاً إلى المقر العام لتلك الشركة، وحين وصل إلى المقر كانت المفاجأة الأخرى، وهي أن هذه الشركة المجدولة في قائمة الشركات المتداولة لا يديرها إلا موظف واحد، من جنسية عربية، ومن قارة أفريقية، وهذا وحده هو المدير، وهو المسؤول، وهو موظف الصادر والوارد...الخ.
    وحين سأله أخونا عن باقي الموظفين، أفاده الموظف المسؤول بأن الباقي هم أعضاء مجلس الإدارة، الذين يجتمعون مرة ـ أو أكثر ـ في كل عام!
    وأما واقع نشاطها، فحدث ولا حرج، وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه!
    سدَّد المساهم باقي القيمة الاسمية لأسهمه، ثم قفل راجعاً، وهو عاجز عن حل هذه المعادلة؛ إذ كيف تبلغ القيمة السوقية لأسهم هذه الشركة أكثر من ألفي ريال، وهي بهذه الحال من الضعف والخور، وقلة ذات اليد.!! فما كان جوابه لنفسه إلا أن قال: ربما كان بفعل خارج عن العادة وقانون الطبيعة، كعصا موسى الذي انقلب إلى حية، أو كالحجر الذي انبجست منه اثنتا عشرة عيناً.
    فأجابته نفسه اللوامة: بأن هناك فارقاً بين واقع هذا الحجر، وواقع تلك الشركة، والفارق بينهما هو الفارق بين الحقيقة والخيال (أو السراب)، فالحجر قد أصبح بقدرة الله تعالى اثنتا عشرة عيناً، قد علم كل أناس مشربهم، ولهذا قال الله تعالى عقب ذلك: " كلوا واشربوا من رزق الله".
    وأما الواقع الآخر، فهو أشبه بسراب (بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً) وأنى للظمآن أن يروى من السراب!! وبذلك انتهت فصول القصة، ولكن لم تقف آثارها عند هذا الحد.

    فذلك السراب وإن وجده بعض المضاربين شيئاًَ، إلا أنه قد وجده كثيرون لا شيء، وجدوه كذلك وجرَّبوه. ولذا ترى هؤلاء العارفين بالسراب، يصفون أسهم هذه الشركة ـ وأمثالها ـ مما لا تتفق قيمتها السوقية، مع واقع ربحها وقوة استثمارها، بأن هذه الأسهم لها بطن من دون أرجل! حيث قد وصلت أسعارها إلى أرقام فلكية من دون سند اقتصادي حقيقي, حتى قرأت لغير واحد من خبراء المال والاقتصاد، من يصف المضاربة بهذه الأسهم بأنه ضرب من القمار! فهل هي قمار حقاً؟ أم هي مجرد مخاطرة؟ وهل كل مخاطرة قمار، أم لا؟ وإذا لم تكن قماراً، فهل يتجه القول بتحريمها لأنها نوع من أنواع الغرر، أو لما تشتمل عليه من المفاسد الراجحة؟
    هذه التساؤلات أضعها بين يدي أهل العلم والبصيرة ليمعنوا النظر في هذه المسألة الشائكة، والتي أصبحت محل جدل وخلاف بين المعاصرين، وما هذا البحث المتواضع إلا مساهمة في إثراء هذا الموضوع, ولو بإثارة تساؤل ليس إلا، فأقول:
    قبل الدخول في الموضوع، أنبه هنا بأن مقصودي من المضاربة: المتاجرة، كما هو المفهوم الشائع، لا المضاربة المصطلح عليها بين الفقهاء.
    ثم إنه لا ريب أن الأصل في المعاملات الحل، ولهذا فإن الذي يطالب بالدليل، هو مدعي التحريم، لا العكس، وهذا أمر معلوم لدى أهل العلم، ومقرر في كتبهم.
    وتعليقاً على التساؤل أقول:
    لا يخفى على كل مراقب للسوق ـ ولمؤشر الشركات المساهمة تحديداً ـ أن القيمة السوقية لأسهم العديد من الشركات يرتفع ويهوي في غمضه عين، وربما يستمر هذا الارتفاع أو الانخفاض الحاد لفترة أسبوع، أو أقل أو أكثر، وبعد هذه المدة قد يصبح المضارب ثرياً في لمحة بصر، وقد يكون الواقع عكسياً فينحدر إلى مستوى تحت خط الفقر، لا سيما إن كان حاصلا على مال المضاربة بطريق القرض، ونحو ذلك، ولهذا حذر كثير من الاقتصاديين من المجازفة في الدخول بكل ما يملكه المضارب، لئلا تقع الكارثة. وهنا أقول: هل هذه المخاطرة قمار، كما سماها بعض الكتَّاب المهتمين بالسوق السعودية؟
    الواقع أن المخاطرة أعم من القمار، فكل قمار مخاطرة، وليس كل مخاطرة قماراً.

    ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام نفيس حول المخاطرة والقمار، فإنه اعتبر المخاطرة من المظاهر الطبيعية في المعاملات، ومن ثَمَّ فهي جائزة شرعاً، واعتبرها في موضع آخر من القمار المحرم، والحقيقة أن هذا الاختلاف في كلامه إنما هو من اختلاف التنوع، وليس من اختلاف التضاد؛ لأنه يمكن الجمع بين كلامه في الموضعين، فأما الموضع الأول الذي صرح فيه بالجواز، فهو في مختصر الفتاوى المصرية (ص532) حيث قال: "أما المخاطرة، فليس في الأدلة الشرعية ما يوجب تحريم كل مخاطرة، بل قد عُلِم أن الله ورسوله لم يحرما كل مخاطرة" ثم قال في (ص533)" "وكذلك كل من المتبايعين لسلعة، فإن كلاً يرجو أن يربح فيها، ويخاف أن يخسر، فمثل هذه المخاطرة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع، والتاجر مخاطر" أهـ.

    وأما الموضع الثاني الذي صرح فيه بالمنع، فهو في كتابه العقود (ص229) حيث قال:"فإذا قيل: فهل يصح بيع المعدوم، والمجهول، والذي لا يقدر على تسليمه؟ قيل: إن كان في شيء من هذه البيوع أكل مال بالباطل لم يصح، وإلا جازت، وإذا كان فيها معنى القمار، ففيها أكل مال بالباطل، وإذا كان فيها أخذ أحدهما المال بيقين، والآخر (على خطر) بالأخذ والفوات، فهو مقامر، فهذا هو الأصل الذي دل عليه الكتاب والسنة، وهو المعقول الذي تبين به أن الله أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وشرع للعباد ما يصلحهم في المعاش والمعاد. فإذا باعه ثمر الشجر سنين، فهذا قمار؛ لأن البائع يأخذ الثمن، والمشتري (على الخطر)، وكذلك بيع الحمل، وحبل الحبلة، ونحو ذلك" أ هـ

    وهذا الكلام النفيس، يمكن الجمع بينه وبين الذي قبله، بأن شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أجاز مطلق المخاطرة، كما في الموضع الأول، ولم يجز المخاطرة المطلقة، كما في الموضع الثاني، ووجه ذلك: أن كل معاملة لا تخلو من مخاطرة، وهذا ما لا يمكن منعه؛ لأنه مما يشق التحرز منه، ولأن يؤدي إلى المنع من كثير من المعاملات الجائزة، ويمكن ضبط هذه المخاطرة الجائزة بما كان الغالب فيها السلامة، كما يفهم هذا من كلام شيخ الإسلام حيث قال بعد كلامه الآنف الذكر ما نصه: "وإذا أكراه عقاره سنين جاز ذلك، ولم يكن هذا مقامرة؛ لأن العادة جارية بسلامة المنافع، ولا يمكنه أن يؤجر إلا هكذا، ولا مخاطرة فيها، فإن سلمت العين استقرت عليه الأجرة، وإن تلفت المنافع سقط عنه من الأجرة بقدر ما تلف من المنفعة فليست الإجارة معقودة عقداً يأخذ به أحدهما مال الآخر مع بقاء الآخر على الخطر، بل لا يستحق أحدهما إلا ما يستحق الآخر بدله" أهـ . هذا بالنسبة لمطلق المخاطرة.
    أما المخاطرة المطلقة، فهي التي اعتبرها مقامرة، ويمكن ضبطها بما كان الغالب فيها الخسارة أو العطب، ولهذا حرَّم الله تعالى بيع المعدوم وبيع المجهول، وما لا يقدر على تسليمه، وبيع حبل الحبلة، وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، فالبائع يضمن الثمن، وأما المشتري فهو على خطر بالأخذ والفوات، وقد اصطلح كثير من الفقهاء على تسمية هذا النوع من البيوع غرراً، وسماه شيخ الإسلام غرراً وقماراً، كما في كتابه العقود (ص227), حيث قال: "إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى أن يكون الغرر مبيعاً، ونهى أن يباع ما هو غرر، كبيع السنين، وحبل الحبلة، وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وعلل ذلك بما فيه من المخاطرة التي تتضمن أكل المال بالباطل، كما قال: (أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأكل أحدكم مال أخيه بغير حق) وهذا هو القمار، وهو المخاطرة التي تتضمن أكل المال بالباطل، فإنه متردد بين أن يحصل مقصوده بالبيع، وبين أن لا يحصل، مع أن ماله يؤخذ على التقديرين، فإذا لم يحصل كان قد أكل ماله بالباطل" أ هـ.
    وبهذا تعلم أن شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ يرى بأن مفهوم القمار أوسع من المفهوم الذي عليه كثير من أهل العلم، وهو أن القمار: التردد بين الغنم والغرم. فهذا عنده من القمار، وكذلك المخاطرة التجارية التي يتردد فيها حظ أحد المتعاقدين بين الأخذ والفوات، فهي عنده من القمار، وهو ما يعبِّر عنه بعض الفقهاء بالغرر.

    بقي أن يقال: وهل في المضاربة بالأسهم مخاطرة مطلقة, بحيث يتردد فيها حظ المشتري بين الأخذ والفوات؟
    وأترك الجواب لما نشر في جريدة الرياض في عددها رقم: (13752) الصادر يوم الجمعة (18/1/1427هـ ) تحت عنوان (سوق الأسهم يفقد 80.2 مليار ريال في دقائق): "... أدى الانخفاض السريع إلى إحداث حالة ذعر وخوف لدى المتداولين من حدوث نزول تصحيحي شامل جعلهم يتدافعون على البيع... الأمر الذي جعل القيمة السوقية للسوق تنخفض( 80.2 ) مليار ريال في دقائق..."

    وكثيراً ما نقرأ مثل هذا الخبر في صحفنا المحلية، حتى إن كثيراً من المضاربين قد لا يدركه الوقت لبيع ما لديه من أسهم، بسبب الانهيار المفاجئ والسريع للأسهم، بل امتدت موجة هبوط أسعار الأسهم لتقضي على عدد من المواطنين الذين توفوا نتيجة تعرضهم لأزمات قلبية بعد انهيار رؤوس أموالهم بين عشية وضحاها، وأصبحنا نسمع عن تدافع بعض السعوديين نحو عيادات الأطباء، مصابين بارتفاع في ضغط الدم، وغير ذلك.

    وهذا الواقع المؤسف يقودنا إلى نقطة أخرى في الموضوع وهي أنه على القول بأن المضاربة بالأسهم ليست من المخاطرة المحرمة، فما هو مدى حجم المفاسد الناتجة عن المضاربة بالأسهم على الفرد والمجتمع؟ هل هي مفاسد راجحة فيمنع منها لهذه العلة، أو هي مرجوجة مغمورة في مصالحها الراجحة فتباح؟
    والجواب على هذا السؤال لابد أن يكون ملامساً للواقع، فلا يصح أن يكون الجواب نظرياً مجرداً عن حقيقة ما يجري في هذا السوق.
    والمتأمل للواقع، ـ كما يحكيه رأي الجريدة الاقتصادية الصادرة يوم الأربعاء (1/2/1427هـ) ـ يجده أشبه بمشهد مسرحي، حيث دفع سعار تداول الأسهم القاصي والداني للانخراط في مذبحة السوق، إذ باع راعي الغنم أغنامه، وراعي الإبل إبله، وصاحب الورشة ورشته، وصاحب البقالة بقالته (بل وباع صاحب المنزل منزله واستأجر لأهله وأولاده منزلاً أو شقة، وباع مالك السيارة سيارته، واستأجر له سيارة بأجر شهري) بادروا بذلك مدفوعين ببريق سوق منتعشة، تغريه ليل نهار بربح وفير، وحلم يلوح على البعد بالثراء أو اليسر على أقل تقدير. وكثير من هؤلاء من هجر عمله أو حقله أو حانوته، واختطف ما لديه من نقود، واستل حتى ما في جيبه، ثم ألقاه في فوهة فم السوق التي لا تشبع، وتقول: هل من مزيد؟! والنتيجة لهذا الواقع، ما يلي:
    1- قيام المضاربين (البالغ عددهم مليونان تقريباً) بضخ السيولة في فوهة فم السوق، والنأي بها بعيداً عن القطاعات الإنتاجية والخدمية وغيرها، مما أدى إلى إحداث كساد في البلد لا يخفى على بصير.
    2- أننا أصبحنا نقوم بعكس ما تفعله الأمم والشعوب، فعلى حين تستخدم هي أسواقها المالية من أجل توفير السيولة لتمويل المشاريع، قمنا نحن بضخ السيولة وجرفها بعيداً عن القطاعات الإنتاجية والخدمية وغيرها، كما صرح بذلك بعض خبراء الاقتصاد.
    3-- أن هذه السيولة الكثيرة التي يضخها السوق، مع ما تعيشه الدولة من وفرة في الإيرادات النفطية ونحوها- بالإضافة إلى ذلك الكساد المشار إليه- ينذر بتضخم في النقد .
    4- تعثر كثير من المضاربين الصغار، وهم الذين يمثلون الغالبية بين (الهوامير) مما أدى إلى انتكاسات خطيرة، كانت سبباً في تراكم الديون عليهم، وربما إلى وصولهم إلى مستوى تحت خط الفقر، وذلك في غمضة عين.
    5- أن أسلوب المضاربة بالأسهم أفرز نقيض ما كان يحققه أسلوب الاستثمار بها، فالأسلوب الأول يقتصر على المضاربة على فروق الأسعار، أما الأسلوب الثاني ـ و هو الأصل ـ فهو الذي يعزِّز إنتاجية الشركة، ويعدو بها إلى مصاف الشركات المتقدمة، وحيث إن الأسلوب الأول يتحقق بدون عناء أو مشقة كان التركيز عليه، حتى أصبح تأثيره سلبياً على أسلوب الاستثمار، بل حتى أصبحت الشركات نفسها تراهن عليه، وتشغل ما لديها من سيولة فيه، بدلاً من استثمار هذه السيولة في مشاريع ترتقي بالشركة إلى الأمام.

    لهذا وغيره ـ مما تشهده الأسواق المالية عموماً من تلاعب، وعدم التزام بأحكام الشريعة في تعاملاتها، ـ صرَّح بعض العلماء بتحريم المضاربة بالأسهم، لما تؤدي إليه من أضرار بالغة بالفرد والمجتمع، ومن هؤلاء العلماء الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير، كما صرح في بحثه عن الاختيارات المقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي، في العدد السابع (1/270) حيث صرح فيه بأنه يميل إلى المنع. وهو رأي الشيخ الدكتور صالح الفوزان، وعلل تحريم المضاربة بها بأنها قمار محرم، كما شافه بذلك عدداً من طلابه.

    وهذا الموضوع جدير بأن يعاد فيه النظر من قبل المجامع العلمية، وما يكتنف هذه المعاملات من مصالح ومفاسد، ومدى شبه هذه المضاربات بالقمار، حتى يصدر الناس عن رأي موثوق به، يدرس الموضوع من كل جوانبه، ويحدد مواقع الزلل، ويضع الحلول الشرعية المناسبة، والله تعالى أعلم، وأحكم.
     

     

    كلمات مفتاحية  :
    اسهم

    تعليقات الزوار ()