مناشدة المسلمين لمساعدة الشيشان
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من إخواننا المسلمين سلك الله بنا وبهم سبيل عباده الصالحين، وجعلنا وإياهم من أنصار دينه القويم. آمين، سلام عليك ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ[1]، وقال عز وجل: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[2]، وقال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[3]، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) وشبك بين أصابعه، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم))، والآيات والأحاديث في فضل الجهاد والإنفاق فيه والتشجيع على ذلك كثيرة معلومة.
ولذا فإن من واجب المسلمين المسارعة إلى نجدة إخوانهم الذين يتعرضون للظلم والعدوان، ومن هؤلاء إخوانكم في الشيشان يقاومون اعتداء روسيا على بلادهم، ويحتاجون إلى مد يد المساعدة لهم؛ حتى يتمكنوا من مقاومة أعدائهم الذين يملكون العدة والعتاد.
فمساعدة المجاهدين بالنفس والمال من أفضل القربات ومن أعظم الأعمال الصالحات، وهم من أحق الناس بالمساعدة من الزكاة وغيرها، وهم في أشد الضرورة إلى دعم إخوانهم المسلمين ومساعدتهم في قتال عدوهم عدو الإسلام والمسلمين، وتطهير بلادهم من رجس الكفرة من الشيوعيين وغيرهم.
والواجب على إخوانهم المسلمين من الحكام والأثرياء أن يدعموهم، ويعينوهم، ويشدوا أزرهم، وإني أهيب بجميع إخواني المسلمين من رؤساء الحكومات الإسلامية وغيرهم من الأثرياء في كل مكان بأن يقدموا لإخوانهم المسلمين الشيشان مما آتاهم الله من فضله، ومن الزكاة التي فرضها الله في أموالهم حقاً لمن حددهم الله جل وعلا في سورة التوبة وهم ثمانية، قد دخل إخواننا المجاهدون في الشيشان في ضمنهم.
والله تبارك وتعالى قد فرض حقاً في مال الغني لأخيه المسلم في آيات كثيرة من كتابه الكريم، كقوله سبحانه: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[4]، وقوله تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ[5]، وقوله سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[6]، وقوله سبحانه: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[7].
وهو سبحانه يثيب المسلم على ما يقدم لإخوانه ثواباً عاجلاً، وثواباً أخروياً يجد جزاءه عنده في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، كما أنه يدفع عنه في الدنيا بعض المصائب التي لولا الله سبحانه ثم الصدقات والإحسان لحلت به أو بماله، فدفع الله شرها بصدقته الطيبة وعمله الصالح، يقول الله عز وجل: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا[8]، ويقول عز وجل: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[9]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما نقص مال من صدقة))، ويقول صلوات الله وسلامه عليه: ((الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار))، ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة))، وإخوانكم في الشيشان - أيها المسلمون - يقاسون آلام الجوع والجراح والقتل والتشريد، فهم في أشد الضرورة إلى الكساء والطعام، وفي أشد الضرورة إلى الدواء، كما أنهم في أشد الضرورة إلى هذه الأشياء وإلى السلاح الذي يقاتلون به أعداء الله وأعداءهم، فجودوا عليهم أيها المسلمون مما أعطاكم الله، واعطفوا عليهم يبارك الله لكم ويخلف عليكم ويضاعف لكم الأجور، وهذه النفقة تؤجرون عليها وتخلف عليكم، كما تقدم في قوله سبحانه: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا[10]، وفي قوله سبحانه: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[11]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: ((يقول الله عز وجل يا ابن آدم أنفق ننفق عليك)).
ونسأل الله عز وجل أن يضاعف أجر من ساهم في مساعدة إخوانه المجاهدين ويتقبل منه، وأن يعين المجاهدين في الشيشان وسائر المجاهدين في سبيله في كل مكان على كل خير، ويثبت أقدامهم في جهادهم، ويمنحهم الفقه في الدين والصدق والإخلاص، وأن ينصرهم على أعداء الإسلام أينما كانوا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه إلى يوم الدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] سورة الصف الآيات 10 – 13.
[2] سورة التوبة الآية 41.
[3] سورة التوبة الآية 111.
[4] سورة المعارج الآيتان 24 – 25.
[6] سورة البقرة الآية 261.
[7] سورة البقرة الآية 195.
[8] سورة المزمل الآية 20.
[10] سورة المزمل الآية 20.