بتـــــاريخ : 12/20/2010 4:38:29 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 975 0


    واقعية الخوف

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : العذراء88 | المصدر : forum.sedty.com

    كلمات مفتاحية  :
    واقعية الخوف طبيعي جالة مرضية

    واقعية الخوف


    نعم هو شيء طبيعي أن الذي يتهدده. ولكن (الخوف) الذي يتحول إلى حالة مرضية، ينتج عنها خلل نفسي هو الشيء غير الطبيعي، ويسميها علماء النفس بمرض (الخُواف) أو (الفوبياء) وهي حالة من الخوف تتملك الإنسان في حالات مرضية استثنائية، والتحليل النفسي يصنفها ضمن الأمراض العصابية، وتنشأ عنها حالات مختلفة، كالخواف من الماء أو البحر أو... وغيرهما من الأشياء.

    السؤال: هل في إمكان الإنسان ( أن يوجه هذا الميل الفطري نحو الأخطار الحقيقية الكبرى..؟ ).
    نعم وذلك بتقوية الإرادة، والإرادة عامل حاسم في الصحة النفسية، وذلك
    بتوطين النفس على مقاومة حالات (الخُواف).. وفي توجيهاتنا الإسلامية
    (إذا خفت من أمر فقع فيه)؟!.

    أن يخاف الإنسان الخطر ويخشاه فذلك شيء طبيعي وفطري في أعماق نفس
    الإنسان.. وليس عيباً ولا نقصاً.. والمطلوب من الإنسان ليس هو اقتلاع جذور
    الخوف من النفس والقضاء عليه نهائياً.. فهو أمر غير ممكن..
    إنما المطلوب هو توجيه هذا الميل الفطري نحو الأخطار الحقيقية الكبرى التي تهدد مستقبل الإنسان.. وليس نحو بعض المخاطر الحقيرة البسيطة..

    المطلوب أن يخاف الإنسان من مركز القوة والثقل التي تهيمن على العالم، وتسيطر على كل شأن من شؤونه، وكل ذرة من ذراته.. وهي قوة الله سبحانه وتعالى وهيمنته وعظمته..

    والمطلوب أخيراً: أن لا يكون الخوف عقبة وحاجزاً أمام الإنسان، يمنعه من التقدم والاحتفاظ بالحرية والكرامة.. فالقرآن يعترف بواقعية الخوف لدى الإنسان، ولا يعتبره جريمة أو عيباً في الأساس.. وإنما الجريمة تكمن في سوء الاستفادة، وفي الإفراط في ممارسة الخوف.. وأن يصبح الخوف عقبة في طريق تقدم الإنسان وكرامته وحريته..

    إن القرآن ينقل لنا بعض الصور واللقطات، من داخل وأعماق نفوس أنبيائه وأوليائه،
    ليؤكد لنا واقعية الخوف وتجذره، حتى في تلك النفوس المختارة الزكية الطاهرة..
    فالأنبياء والأولياء أيضاً يخافون، ولكنهم يتجاوزون حاجز الخوف من الأخطار
    والمشاكل، ويقمعونه داخل أنفسهم.. بقوة إرادتهم، وبتسديد الله تعالى لهم..

    1ـ فهذه أم نبي الله موسى ، تلك الولية المخلصة، التي اختارها الله لتكون أم نبي من أعظم أنبيائه، ولتضعه في تلك الظروف الحرجة..لقد كانت تخاف على وليدها (موسى) من فتك (فرعون).. ويأتيها الوحي من السماء، ليوجهها إلى استثمار ذلك الخوف، في أخذ أشد الاحتياطات والإجراءات، لحماية الوليد، ثم يشجعها على تجاوز حالة الخوف المفرط، والركون إلى الطمأنينة والاستقرار.. يقول تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ}..( ).

    2ـ ونبي الله موسى ذلك الرسول الذي أعده الله تعالى لمواجهة طاغية زمانه المتجبر فرعون.. وزوده بالآيات والمعجزات.. ولكنه لما رأى فعل سحرة فرعون العجيب، حيث تحولت الحبال والعصي في أنظار الناس إلى حيات وأفاعي، توشك أن تلتهم الجموع المتفرجة..لما رأى ذلك تحرك هاجس الخوف الطبيعي في نفسه. ولكنه انتبه إلى موقفه ومهمته، وأسعفته السماء بتوجيهها وعنايتها، فقمع ذلك الهاجس في نفسه، وتحدى السحرة وأباطيلهم، بكل قوة وصمود.. يقول تعالى: {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى  قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى  فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى  قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى  وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}

    3ـ في قضية اجتماعية كان الرسول الأعظم محمد ، يعلم من قبل الله، أن ربيبه (زيد بن حارثة)، الذي رباه ورعاه، سيطلق زوجته (زينب بنت جحش)، وان الله سيزوج رسوله بمطلقة ربيبه (زيد)، الغاءاً للأحكام الجاهلية في تحريم زوجة الربيب (أي الشخص الذي يربيه الإنسان وليس ولداً له).
    ولكن الرسول كان يضغط على (زيد) أن لا يطلقها، حذراً من توجيه الاتهامات والشائعات إلى شخصية الرسول العظيم..وينزل وحي السماء معترضاً على هذا التخوف والحذر، الذي يجيش في أعماق نفس الرسول ، حفاظاً على قدسية رسالته وسمعة شخصيته..يقول تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}

    إذاً: فليس عيباً أن تخاف، إنما العيب أن لا تتجاوز الخوف وتقمعه في داخل نفسك.. وعظمة الأبطال ليس في أنهم لا يخافون.. وإنما لأنهم يتجاوزون حاجز الخوف.. تجاوزاً واعياً قائماً على الإيحاء الذاتي، والتحليل الواعي لموضوع الخوف.



    الخوف: امتحان

    إن الله سبحانه وتعالى يعلم أن الخوف سيكون حاجزاً أمام الكثيرين عن تحمل مسؤولياتهم الإنسانية والإلهية.يعلم أن الخوف هو منزلق أكثرية البشر، ودافعهم إلى المذلة والخنوع والاستسلام..

    فلماذا أودع هذا الميل، وزرع هذه المشكلة في نفس الإنسان؟
    الجواب:
    بالإضافة إلى أن لهذا الميل النفسي (الخوف) أبعاداً إيجابية تكلمنا عنها في فصل آخر.. فإنه في بعده السلبي يرتبط بفلسفة خلق الإنسان ووجوده في هذه الحياة..فالحياة قاعة امتحان، ومسرح ابتلاء لإرادة الإنسان وسلوكه، يقول تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.
    لذلك يجب أن يعلم الإنسان حينما يواجه خطراً وصعوبة ومشقة، في سبيل دينه وكرامته، انه أمام امتحان وابتلاء، إن لم يتقمص الشجاعة والإقدام، ويتجاوز حاجز الخوف، فسيكون فاشلاً في ذلك الامتحان.. وماذا يعني الفشل في الامتحان الإلهي؟ انه الخزي والعذاب وسخط الله سبحانه وتعالى.

    يؤكد القرآن على هذه الحقيقة قائلاً:
    {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ  الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ  أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ}

    إن الشجاعة والصمود ليست فضيلة كمالية.. وإنما هي واجب إلهي.. والجبناء الذين يسقطون ويتهاوون عند حاجز الخوف، لا ينالهم عار الدنيا فقط، وإنما هم معرضون لنار الآخرة.. بينما يبشر الله الصابرين أمام الأخطار والمشاكل، بسبب رؤيتهم الإلهية للحياة، التي تتلخص في عبارة (( إنا لله وإنا إليه راجعون ))، هؤلاء الصابرون عليهم صلوات الله ورحمته وهم المهتدون..والشجاع المؤمن الذي يتجاوز حاجز الخوف، تغمره لذة أعذب من لذة الانتصار، إنها لذة النجاح في الامتحان الإلهي، واستحقاق الأوسمة العظيمة، التي تحدثت عنها الآيات الكريمة.. وسام الصلاة والرحمة والهداية.


    أولياء الشيطان ينشرون الخوف..


    إن الخوف سلاح يخدم العدو في معركتك معه.. فإذا سيطر الخوف عليك قلّت قدرتك على المقاومة.. إن الخوف من أي شيء يحقق انهزامك في داخل نفسك أمام ذلك الشيء.. وهل تستطيع الانتصار بنفس منهزمة؟

    ولذا يستعين الأعداء بالطابور الخامس، لبث الخوف في أوساط الجهة الأخرى، التي
    يريدون الاعتداء عليها.. وهذا مظهر من مظاهر الحرب النفسية كما تسمى.
    صحيح أن للخوف جذوراً راسخة في نفس الإنسان، فهو جزء من مشاعره النفسية..
    ولكن الجهات المغرضة في المجتمع هي التي تنمي جذور الخوف، وتقويها لصالح
    الأعداء. لذلك من حقنا أن نشك في نزاهة وسلامة أي فئة تنشر الخوف في صفوف
    الناس.. الخوف من الأعداء.. من الاستعمار.. من الطغيان..

    إن القرآن يحذرنا من وجود فئات مغرضة في المجتمع، تنشر الخوف بين
    الناس لصالح الأعداء.. ويصف هذه الفئات بأنهم أولياء الشيطان..
    وهنا يجب أن يحتفظ المؤمنون بشجاعتهم، ويحولوا دون تسرب هذه المخاوف إلى
    نفوسهم، واعين بحقيقة الدور الذي يقوم به هؤلاء المثبّطون المخوّفون.. أصابع
    العدو وعملاؤه.

    يقول تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ  فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ  إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

    الخوف أسبابه وجذوره

    يعتقد علماء النفس أن القابلية للاستجابة للخوف، في المواقف الخطرة التي تهدد
    تكامل الفرد، واستمرار بقائه، خاصية موروثة في جميع الحيوانات الثديية على الأقل.
    ولكن نمو هذه الخاصية، وظهورها في حياة الطفل، لا يبدأ إلا بعد مرور عدة شهور
    من عمر الطفل.. حينما يظهر لديه إحساس فعلي بذاته وشخصيته.
    فمن بداية النصف الثاني، من العام الأول، نلاحظ ظهور استجابات متمايزة، يمكن
    تعريفها بالخوف. إذ حوالي هذه الفترة من العمر، يظهر تميز فعلي أولي بين الذات
    والعالم الخارجي، مما يمكّن الطفل من إدراك التهديد الذي يقع عليه. ولكن معظم
    المخاوف تميل إلى أن تكون غامضة وغير محددة، وذلك لعدم وجود نضج إدراكي
    كامل. ففي الشهور الأولى من عمر الطفل، لا يوجد شيء في نفسه يمكن أن نطلق
    عليه (خوفاً). ذلك لأنه في تلك الفترة لم يتحسس بعد ذاته.. قد يبكي من الجوع أو
    العطش، أو التأثر لوضع معين في جسمه.. أما حينما يدخل الستة أشهر الثانية،
    وتبدأ الانفعالات بالتمييز في نفسه، فسيبدأ عنده حينئذٍ الشعور بالخوف.وعادة ما
    يكون هذا الشعور عند الطفل، عندما تفارقه أمه أو يواجهه منظر غريب غير
    مألوف، أو صوت مزعج. وترافق الإنسان مشاعر الخوف عند تحسس الخطر
    طوال حياته، وإلى أن يموت.

    لماذا الخوف؟

    الخوف حالة نفسية وميل طبيعي موجود في أعماق نفس الإنسان، بغض النظر
    عن الخلاف الموجود بين علماء النفس القدامى والجدد حول تحديد الخوف، هل هو
    غريزة أو هو ميل فطري وحاجة طبيعية. ففي حين أن بعض علماء النفس القدامى،
    كانوا يتحدثون عن غريزة الخوف، نجد أن علم النفس الحديث قد أثبت أنه ليس هناك
    غرائز، بل ميول فطرية، أو حاجات أصلية، تقبل التعديل والتحويل والتبديل والإعلاء.
    فليس ثمة غريزة محدودة جامدة متصلبة، يمكن أن نطلق عليها اسم (غريزة الخوف)،
    بل هناك وظيفة نفسية، يضطلع بها الخوف في حياة الكائن البشري، وتلك هي حماية
    الذات الفردية، ضد أخطار العالمين الخارجي والداخلي، وضد كل ما قد يكون من
    شأنه أن يهدد سلامة الإنسان. ويعني هذا أن الخوف انفعال طبيعي، يقوم بدور
    حيوي هام، في صميم الحياة النفسية للوجود البشري.

    نقول: ـ بغض النظر عن هذا الخلاف العلمي.. فإن الخوف كحالة طبيعية أودعها الله
    تعالى في نفس الإنسان، هو شيء مفيد لحياة الإنسان.. ذلك لأنه لولا الخوف
    والشعور بالخوف لما فكر الإنسان في درء الأخطار عن نفسه، وفي حماية نفسه
    من المصاعب والمشاكل.. وأخذ الضمانات والاحتياطات الكافية لسلامته. يقول
    الإمام علي : (( من خاف أمن )).

    أنت إذا لم تكن تخاف البرد لا تستعد له. وإذا لم تكن تخاف المرض لا تستعمل الوقاية
    الصحية تجاهه. إذن فمبدأ حالة الخوف لدى الإنسان شيء إيجابي، بيد أن أكثر
    الميول والحاجات المتأصلة لدى الإنسان، يمكن للإنسان أن يسيء استخدامها،
    لسبب أو لآخر. وحينئذ تنقلب ضد مصلحة الإنسان.

    مثلاً: ـ الحاجة إلى الماء والطعام طبيعية عند الإنسان، وضرورية لاستمرار
    وجوده ونشاطه.. ولكن إذا أفرط الإنسان في الشرب والأكل أكثر من اللازم،
    ألا يكون ذلك ضرراً ووبالاً عليه؟

    وكذلك الغريزة الجنسية، فهي حاجة ملحة، وتؤدي دوراً في استمرار الوجود
    البشري.. ولكن إذا أساء الإنسان استخدامها، بممارستها في غير موضعها،
    أو الإفراط في استخدامها فإنها ستتحول إلى شقاء وانحطاط.. أليس كذلك؟

    والخوف أيضاً حاجة إيجابية أودعها الله في نفس الإنسان، كي يحمي بها ذاته،
    ويحافظ على سلامة وجوده..أما إذا أفرط الإنسان في الاستجابة لمشاعر الخوف..
    وترعرع في نفسه أكثر من الحد اللازم والطبيعي، فسيصبح الخوف بعبعاً يغلق
    على الإنسان طريق التقدم، ويحرمه السعادة، ويشل مواهبه وطاقاته..

    إن الخوف إذا تجاوز حده في نفس الإنسان، تكون له انعكاسات وتأثيرات سيئة
    على تفكير الإنسان وجسمه أيضاً. حيث يصاب الإنسان بالارتباك، ويصبح عاجزاً
    عن اتخاذ قرار سليم، ويقدم نفسه نتيجة لذلك فريسة سهلة للأمر الذي تخوف منه..
    وكمثال واضح على ذلك: ـ أرأيت شخصاً ماشياً في شارع تقطعه السيارات، وفجأة
    يجد نفسه أمام سيارة مسرعة، تقترب منه لتطحنه بعجلاتها.. وهنا يبلغ به الخوف
    حداً مربكاً فيقدم رجلاً ويؤخر أخرى.. لا يدري أيتراجع أم يسرع إلى الأمام؟ وهنا قد
    يقع في الخطر الذي كان يخشاه، نتيجة لخوفه وارتباكه، بينما لو كان هادئ النفس،
    لاستطاع اتخاذ قرار سريع بالرجوع، أو الركض، فينقذ نفسه من الخطر..أما تأثير
    الخوف المفرط على الجسم، فيظهر في عدم قدرة الإنسان على التحكم في أعضائه،
    فيتلكأ في الحديث بلسانه، وتصبح نظراته غير مركزة ولا طبيعية، وقد يتصبب عرقاً،
    ويتغير لون وجهه.

    وقد أشار القرآن الحكيم، إلى مدى التأثير الذي يتركه الخوف المفرط، حتى على
    مظهر الإنسان وجسمه، ضمن حديثه عن صفات وسلوك المنافقين، يقول تعالى:
    {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى
    عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ}.

    سُبل الانتصار على الخوف
    الخوف كابوس مرعب ثقيل، يجثم على نفس الإنسان، فيحرمه لذة الأمن والاطمئنان.. ويعرقل حركة تقدمه ونشاطه.. ويمنع طاقاته ومواهبه من النمو والعطاء..
    ومن يعيش تحت سيطرة كابوس الخوف، تتحول حياته إلى رعب وشقاء دائم.. يتمنى لو تخلص منه وتحرر من هيمنته.. ورغم أن كل من يعاني من رعب الخوف يتمنى التحرر منه، والتخلص من شقائه، إلا أن البعض يفقد الأمل في قدرته على ذلك، ويتصور أن الخوف جزء لا يتجزأ من نفسه وكيانه، وأنه لا يستطيع أن لا يخاف، ولا يمتلك القدرة على ممارسة الشجاعة والإقدام..وهذا تصور خاطئ جداً، وبعيد عن الصواب.. فصحيح أن للخوف جذوراً عميقة في أعماق نفس الإنسان لا يمكن انتزاعها.. وأنه حاجة فطرية، وميل طبيعي، أودعه الله في النفس.. ولكن الصحيح أيضاً أن الإنسان قادر على التحكم في تلك الحاجة، والسيطرة على ذلك الميل..
    فالخوف صفة نفسية قابلة للتعديل والتوجيه والتحديد.. وبإمكان الإنسان أن يكبح جماح الخوف، ويوقفه عند الحد الأدنى، الذي تقتضيه طبيعته وحياته، كما يستطيع أن يُطلق له العنان لينمو ويتغلب على جميع قواه ومشاعره..
    والإنسان هو الذي يمتلك حق توجيه الخوف في نفسه وحياته، فيجبن ويخاف ساعة يشاء الخوف والجبن، ويتمرد ويقدم بشجاعة حينما تقرر إرادته ذلك..
    وتلعب الأجواء التي يعيش فيها الإنسان، والظروف المحيطة به، دوراً مساعداً لترجيح إحدى الكفتين.. إذن فلسنا مجبرين على الخضوع لسيطرة الخوف على نفوسنا.. وبإمكاننا مقاومته، والتخلص منه، في الحدود التي نريدها، ولكن ما هي العوامل المساعدة والنافعة لمقاومة الخوف والتحرر من هيمنته الكاملة؟.
    يمكننا الحديث عن العوامل التالية، والتي تؤكد التعاليم الدينية، وعلم النفس الحديث، والتجارب العملية، على تأثير هذه العوامل، وقدرتها على مساعدة الإنسان للتخلص والتغلب على حاجز الخوف..


    الإرادة والتصميم
    مشكلة البعض أنهم يتكيفون مع أمراضهم النفسية، إما باليأس من إمكانية العلاج، أو باختلاق التبريرات التي تقنعهم وترضيهم بما يعانون..
    مثلاً: انه يعاني من خوف مفرط من القوة، وبدلاً من أن يفكر في التخلص من هذا المرض فإنه يعمل على تكريسه، باختلاق التبريرات الفكرية مثلاً ادعاءه الامتثال لقوله تعالى: {لاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}!!
    أو يعاني مثلاً من: الخوف من الفشل، ويتردد في الإقدام على أي عمل جديد.. ثم يبرر ذلك بلزوم الاستعداد، وأنه إنما لا يعمل ذلك العمل الآن رغبة في أن يؤديه مستقبلاً..!!
    أو يجبن عن تحمل مسؤولية معينة، ويفلسف جبنه بأنه تواضع وابتعاد عن الرياء وحب الرئاسة!! إن اليأس من العلاج، والاعتقاد بأن الخوف جزء لا يتجزأ من النفس، أو تعزيز الخوف بالتبريرات والأفكار السلبية الخاطئة.. كل ذلك يحول بين الإنسان وبين تجاوز حاجز الخوف، والتخلص من سيطرته وإزعاجه.. فالخوف الذي تعاني منه، هو مرض وبلاء. وأنت قادر على التخلص منه..
    وكل التبريرات التي ترضيك وتقنعك بقبول هذا المرض، إنما هي تبريرات وأفكار خاطئة..والمطلوب أن تصمم وتقرر مقاومة الخوف في نفسك، وسيكون النصر والنجاح حليفك حينئذ إن شاء الله..

    الإيحاء الذاتي
    في جميع الأمراض النفسية، يتحدث علماء النفس، عن دور عملية الإيحاء الذاتي في معالجتها، ذلك لأن الإيحاء الذاتي عملية نفسية من نفس جنس تلك الأمراض، فهي أقدر على مواجهتها.. بل حتى بعض الأمراض الجسمية، يستعين الأطباء بالإيحاء الذاتي لمساعدة المريض على تحمل وتجاوز مرضه..
    ويقصدون بالإيحاء الذاتي أن يتحدث الإنسان في داخل نفسه، أو بصوت مسموع، عن قدرته على الشفاء، وتجاوزه فعلاً للمرض..فإذا كان يعاني من مرض الخوف...فليكرر في نفسه، أو بصوت مسموع، أنه قادر على تجاوز الخوف، وأنه بالفعل شجاع وبطل.. تكرار هذه العملية يوجد عند الإنسان تصميماً ذاتياً على تجاوز الخوف. وشعوراً بتحقق ذلك، يدفعه إلى التصرف وكأنه لم يعد يعاني من الخوف فعلاً.. وتصديق الإنسان بانتصاره على المشكلة، إذا ما دفعه لاقتحامها فعلاً، فإن ذلك سيكون بمثابة خطوة جريئة وعملية للانتصار والنجاح الحقيقي في الواقع الخارجي..
    فمثلاً: إذا كنت أعاني الخوف من عملية تسلق الجبال، ولكن أوحيت لنفسي مراراً وتكراراً بقدرتي وتمكني من القيام بعملية التسلق بنجاح.. فإن شكي في قدرتي على ذلك، وبالتالي تخوفي، سينقلب إلى رغبة في ممارسة القناعة الجديدة التي توفرت في نفسي، وهي القدرة على التسلق.. وإذا ما مارست عملية التسلق بالفعل، فإن هيبتها ستنتزع من نفسي، ولن يبق فيها شيء اسمه الخوف من تسلق الجبال...
    هكذا يكون الإيحاء الذاتي مؤثراً وفعالاً في تحدي المشاكل والأمراض النفسية. وينصح علماء النفس: بممارسة عملية الإيحاء الذاتي قبيل النوم، وعند الاستيقاظ منه، بعد أن يتنفس الإنسان تنفساً عميقاً، ليخرج كل ما في رئتيه من الهواء، ويستنشق هواءً جديداً، ويكرر الإنسان في نفسه أو بصوت مسموع، أنه قادر على تجاوز تلك المشكلة، وأنه تجاوزها بالفعل (أنا قادر على تجاوز الخوف، أنا شجاع بطل....) في فترة تتراوح ما بين عشر دقائق إلى ساعة كاملة..
    ولعل النصائح الإسلامية بتكرار بعض الأدعية والأذكار والأوراد، تهدف إلى إحداث مثل هذا التأثير في نفس الإنسان، فهي نوع من أنواع الإيحاء الذاتي.. فمثلاً في صلاة الليل يُستحب أن يكرر الإنسان هذه العبارة مرات: (( هذا مقام العائذ بك من النار )) وأن يردد سبعين مرة هذه العبارة: (( أستغفر الله ربي وأتوب إليه )).
    إن تكرار هذه الأذكار نوع من الإيحاء الذاتي، الذي يدفع الإنسان إلى التصميم على تحويل ذلك الذكر إلى ممارسة وسلوك خارجي..

     

     

    قراءة سير الأبطال
    عادة سيئة متخلفة، تلك التي يمارسها بعض الذين يعانون من الثغرات والنواقص، حيث يبحثون عن أشباههم، ويضعون أمام أعينهم قائمة بأسماء وقصص الأشخاص الذين يعانون نواقصهم وأمراضهم.. وذلك بهدف تسلية النفس، ومواجهة توبيخ الضمير، وللتبرير أمام الآخرين..
    فالطالب الذي يرسب في الامتحان مثلاً، يبحث عن أكبر عدد ممكن من الراسبين مثله، ويحتفظ بأسمائهم في ذاكرته.. وكلما وخزه ضميره: لماذا رسبت؟ أسكت ضميره بأنه ليس الراسب الوحيد، فهناك فلان وفلان وفلان!! وإذا ما عاتبه أهله على عدم اهتمامه، والذي سبّب له الفشل، يجيبهم لست أنا الوحيد ففلان فشل أيضاً، وفلان وفلان..هذه الطريقة السيئة تضر الإنسان جداً، وتمنع تقدمه وتغلبه على نواقصه ونقاط ضعفه..
    والمفروض هو البحث عن الأشخاص الأقوياء المتفوقين، لكي يجعلهم نصب عينيه، ويسعى لتقمص شخصياتهم، والإقتداء بالجوانب الإيجابية في سلوكهم وحياتهم..
    من هذا المنطلق، ننصح الذين يعانون من مرض الخوف الفتاك، بأن يكثروا من قراءة حياة وسير الأبطال الشجعان، والمواقف التي تجاوزوا فيها حاجز الخوف..
    والملاحظ أن القرآن الحكيم، يهتم كثيراً بإبراز المواقف البطولية في حياة الأنبياء والأولياء، ليجعلهم قدوات حسنة سامية، لعباد الله المؤمنين..
    إن حياة الأنبياء والأئمة والأولياء مليئة بمواقف البطولة والشجاعة، وقراءتها تزرع في النفس حب البطولة، وتجعل الإنسان راغباً في ممارستها..
    وكذلك حياة الأبطال والمغامرين والثوار، يجب أن تصبح نماذج حية في نفس الإنسان، يتذكرها كلما ألمت به الأخطار والمخاوف، فترتفع معنوياته، ويستلهم منها الشجاعة والصمود..
    يقول أحد المجاهدين بعد خروجه من سجن مرير، ذاق فيه مختلف ألوان العذاب: كلما تسارعت وتوالت على جسدي سياط التعذيب، ونهشت أطراف جسمي اللسعات الكهربائية المزعجة.. واقترب مني شبح الموت لما أعاني، كنت ألجأ إلى ذاكرتي واستحضر صورة بلال الحبشي وهو يتلوى تحت السياط، على رمال مكة الحارقة، وهو يصرخ: أحد، أحد.. وأتذكر آل ياسر، الذين أحاط بهم بلاء قريش، حتى استشهد ياسر وسمية تحت التعذيب. أمام أعين ولدهما عمار، وكيف أن الرسول الأعظم لم يكن يستطيع تقديم أي مساعدة لهم سوى كلمته الصادقة: (( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة )).. وهكذا استحضر في مخيلتي مواقف كل الأبطال، وصمود كل المناضلين.. حينها يبطل مفعول السياط، وتزداد عندي إرادة التحدي والصمود، وأحس بارتفاع هائل في روحيتي ومعنوياتي..



    الزهد في الدنيا
    يقول الإمام علي: (( من زهد في الدنيا هانت عليه مصيباتها )).
    إن تعلق الإنسان الشديد بملذات الحياة وراحتها ومصالحها، يجعله خائفاً هلعاً لدى أي تهديد بفقدانه وحرمانه لشيء من مصالح الحياة..
    أما المؤمن الزاهد، الذي ينظر إلى الدنيا بحجمها الحقيقي المحدود، ويتطلع إلى آفاق دار الخلود في الآخرة، فحرصه على المصالح الدنيوية قليل ومحدود، وبالتالي لا يصيبه الخوف الشديد، والهلع المفرط، عندما يواجه خطر فقدان شيء من الملذات والمصالح..وكمثال على هذه الحقيقة: حينما تكون بيد أحد الأطفال قطعة من الحلوى، فإن أخذها من يده يسبب له صدمة عاطفية، وأذى نفسياً، حيث يستغرق في البكاء، ويستمر في الصراخ.. بينما لو أخذت تلك القطعة من يد إنسان كبير، فإنه لا يعير لها أي اهتمام؟
    فما هو الفارق؟
    يكمن الفرق في مدى حرص الطفل واهتمامه بتلك القطعة من الحلوى، بينما الرجل لا يرى لها قيمة كبيرة، تستحق أن ينزعج من أجلها..
    إن مصالح الدنيا مهما كانت، فإنها عند المؤمن لا تستحق اهتماماً مفرطاً، يجعله يهلع ويجزع، ويفقد ثباته واطمئنانه، أو يتنازل عن كرامته ومبادئه.. بينما الشخص المادي المتعلق بالحياة، والمنشد إلى مصالحها الدنيوية، يزعجه ويربكه ذلك، بل قد يصاب بالهلع الشديد، وقد يتنازل عن كرامته ومبادئه وقيمه، في سبيل إبعاد خطر بسيط عن مصالحه الدنيوية، يقول الإمام الصادق( من أحب الحياة ذلّ )) .
    وعن الفرق بين طريقتي تعامل المؤمن وتعامل الإنسان المادي المتعلق بالحياة، يقول تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا  إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا  وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا  إِلاَّ الْمُصَلِّينَ  الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ}.


    الخوف الحقيقي
    كم هو مدعاة للعجب والسخرية، أن يشغل الإنسان نفسه، ويوجه اهتمامه، نحو مشاكل صغيرة، وأخطار جزئية حقيرة، بينما هو يتغافل عن تلك الأخطار الكبرى العظيمة التي تهدد مستقبله ومصيره؟؟!!
    إن الأخطار الحقيقية التي يجب أن يخافها الإنسان ويخشاها، ليست هنا في دار الدنيا.. إنها هناك في الآخرة حيث الحساب والعقاب والجنة والنار..
    ويبدو أن هناك علاقة عكسية، بين الاهتمام بأخطار الدنيا، والتوجه لأخطار الآخرة، فكلما قوي الاهتمام بأحد الخطرين ضعف الاهتمام بالخطر الآخر..
    وكلمات الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مليئة بالتوجيهات والحقائق الثمينة، التي تهدي الإنسان وتلفت نظره إلى ما يستقبله من أخطار عظيمة يوم القيامة، وتنبهه إلى أن كل ما يواجهه من مخاطر وصعوبات في الدنيا فهي لا شيء أمام أبسط مواقف الآخرة..
    يقول :
    1ـ (( وموتات الدنيا أهون عليّ من موتات الآخرة )) .
    2ـ (( وليكن همك فيما بعد الموت )) .
    3ـ (( شغل من الجنة والنار أمامه )) .
    4ـ (( أفرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه والعثرة تدميه، والرمضاء تحرقه؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار، ضجيع حجر، وقرين شيطان: أعلمتم أن مالكاً (الملك الذي كلفه الله بشؤون جهنم) إذا غضب على النار حطم بعضها بعضاً لغضبه، وإذا زجرها توثبت بين أبوابها جزعاً من زجرته! فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تغلق رهائنها )) .
    5ـ (( ما خير بخير بعده النار، وما شر بشر بعده الجنة، وكل نعيم دون الجنة فهو محقور، وكل بلاء دون النار عافية )).
    6ـ (( أكثروا ذكر الموت، ويوم خروجكم من القبور، وقيامكم بين يدي الله عز وجل تهون عليكم المصائب )).
    وآيات القرآن الكثيرة، التي تتحدث عن القيامة والآخرة، بالإضافة إلى أنها تتحدث عن حقائق واقعة، لابد أن يأخذها الإنسان بعين الاعتبار، فإنها تصرف نظر الإنسان عن مشاكل الدنيا الحقيرة، وأخطارها البسيطة، لا بمعنى أن لا يسعى الإنسان لحل مشاكله في الدنيا، وتجنب الأخطار التي تواجهه فيها.. وإنما أن يتعامل الإنسان مع هذه المخاطر والمشاكل بنفس ثابتة، وقلب هادىء مطمئن، دون أن يضخمها في نفسه، أو تسبب له خوفاً وجزعاً أكثر من اللازم.


    الاقتحام
    وهو أفضل علاج لانتزاع الخوف من النفس.. وأكثر عملية من جميع الأساليب الأخرى..
    1ـ ذلك لأن أكثر الأشياء التي يتخوف منها الإنسان، لا تحمل خطراً حقيقياً، وإنما يتوهم الإنسان فيها الخطر، فإذا أقدم عليها، وواجهها بشجاعة وثبات، فسيلوم نفسه على تخوفه وتردده سابقاً..
    2ـ إن صعوبة وسهولة أي عمل من الأعمال، ليس بسبب واقع ذلك العمل، وأنه ينطوي على الصعوبة، أو يكون في حد ذاته سهلاً، بل هناك سبب آخر يتعلق بشخص القائم بالعمل، فإن كان يتهيب العمل أو يستصعبه نفسياً، فسيكون أداؤه للعمل مُكلفاً مجهداً، أما إذا كانت نفسه مهيئة ومستعدة للأداء، فسيصبح ذلك العمل في غاية السهولة واليسر..
    3ـ التجربة الأولى لأي عمل جديد، فيها نوع من الهيبة والصعوبة، ولكن القيام بتلك التجربة الأولى، يجعل الطريق سالكاً ومفتوحاً أمام الإنسان، لتكرار ممارسة ذلك العمل.. فاضغط على نفسك لتقتحم أول تجربة، واطمئن بسهولة الأمر فيما بعد..
    يقول المثل (( إن الخطوة الأولى هي وحدها الأصعب ))، وكلما استطاع الإنسان النجاح فيها، كلما توفق في حياته، وقضى على خوفه إلى الأبد. فالإنسان الخائف المتردد، هو ذلك الذي لا يعرف، ماذا يفعل، وماذا سيحدث إذا فعل ذلك؟! ولكن التجربة، تعكس له مستواه، وتؤمنه في ما بعد، وتمنحه ثقة كاملة بنفسه.
    يقول الأستاذ روبنسن في كتاب (تكوين العقل): (( ينجم الخوف عن الجهل والحاجة إلى الثقة، ولكن ما سبب ذلك؟ إن هذا بدوره نتيجة لعدم معرفة ما نستطيع عمله على وجه الدقة، والسبب في هذا الأخير، حاجتك إلى التجربة. وعندما تحصل على تجربة موفقة تسندك، فإن جميع مخاوفك تختفي وتذوب كما يذوب ضباب الليل تحت أشعة شمس بولية المتوهجة )).
    وفي هذه الأثناء، حيث يندفع الإنسان إلى تسجيل أولى تجاربه في موقف معين، يجب أن يوطد نفسه على مقاومة حالات الفشل، عبر الإيحاء الذاتي المتواصل، ويتصرف بكل ثقة، بعد أن يوحي لنفسه بأنه سوف ينجح في موقفه ذلك، وأنه سينتصر على كل حالة شاذة، قد تعتريه في تجربته، يقول: ديل كارنيجي في كتابه (التأثير في الجماهير عن طريق الخطابة):
    (( فلكي نشعر بالشجاعة، يجب أن نتصرف كما لو كنا شجعاناً بالفعل، ونستخدم كل إرادتنا للوصول إلى هذه الغاية، وعندئذ يغلب أن تحل نوبة الشجاعة محل نوبة الخوف )).
    ولا يخفى على دارسي العلوم النفسية، مدى أهمية (الإيحاء الذاتي) ـ في العلاج النفسي. وهي عملية واعية يقوم بها الإنسان المصاب بالداء النفسي، وهي لا تعدو أن تكون عملية دائبة ومستمرة، يحاول بواسطتها ـ الإنسان ـ إقناع نفسه، بأن حالته طبيعية، وبأنه لا يخاف، وبأنه يستطيع القيام بكل شيء دون خوف... فمجموعة هذه الإيحاءات، تشكل مع الاستمرار، ضغطاً لا شعورياً، يؤدي بالتدريج إلى تحول إيجابي في شخصية الإنسان.
    إن الخوف ـ بمعنى الرهاب ـ يأتي عبر الإيحاءات المستمرة التي يتلقاها الإنسان في الطفولة من جانب الآباء، أو المجتمع أو... ويمكن القضاء عليها أيضاً بواسطة (الإيحاء) أيضاً.. والإمام علي يشير إلى هذه النقطة، عندما يقول، بأنه ما قاتل رجلاً إلا وكان سيفه، ونفسه عوناً عليه.. أي أن نفسية الآخرين كانت تستجيب للإيحاء النفسي الذي كان يمارسه الإمام علي تجاه الأعداء في المعركة. ولما كانت نفوس أولئك، تستجيب لهذا الإيحاء، أفقدها ذلك ـ حتى ـ القدرة على المقاومة!
    يقول الإمام علي : (( إذا هبت أمراً فقع فيه ))..


    توثيق الصلة بالله
    إذا دخلت بلداً تطاردك سلطاته، فإنك ستعيش في ذلك البلد بحذر شديد، وتحفظ كبير.. ستشك في كل حركة غريبة، وترتاب في أي شخص مجهول يتحدث معك، وتتوقع الخطر في أي لحظة من اللحظات.. أليس كذلك؟
    أما إذا زرت بلداً لك علاقة وصلة بشخص الرئيس الحاكم، أو أحد مراكز القوة في تلك البلاد.. فستشعر بالاطمئنان الكامل، ولن تتهيب من أي أحد أو تخاف.. لماذا؟ لأن لك حماية وعلاقة تقيك الأخطار وتدفع عنك المخاوف..
    وعلى نفس المعدل: إنك تعيش في هذا الكون، فمن هي السلطة الحاكمة والمسيطرة عليه؟ أليس هي سلطة الخالق جلَّ وعلا.. سلطة الله؟
    فعلى مدى علاقتك وصلتك بالله سبحانه وتعالى، سيتوقف اطمئنانك واستقرارك النفسي.. فإذا ما كانت علاقتك بالله سيئة أو ضعيفة لا سمح الله، فلن تنعم بالاستقرار والأمن، بل يكون حالك كما يعبر الله تعالى عن المنافقين {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}. أما إذا كانت علاقتك بالله جيدة ووثيقة، فسيغمر الاطمئنان قلبك، لأن الله هو السلطة المهيمنة، والمشيئة النافذة في هذا الكون معك.. ومن كان مع الله، كان الله معه... {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}، {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}، {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
    وهذا هو معنى الحديث الشريف: (( من خاف الله أخافه الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء )). ولدينا أفضل مثال على ذلك ثورة الإمام الحسين ومواقفه فيها، ففي صبيحة يوم عاشوراء، كان الإمام الحسين يعيش وضعاً حرجاً، مع عدد قليل من أهل بيته وأصحابه، يحاصرهم جيش كبير، مدجج بالسلاح.. فأمام الحسين سيوف مشهورة، ورماح مشرعة، تتحفز لتمزيق جسمه، وسفك دمه مع أهل بيته.. وحوله خيار أصحابه وأهل بيته، الذين لن يلبثوا معه أكثر من ساعات قليلة، ثم يتساقطون صرعى على أرض الشهادة.. وخلفه عياله ونساؤه، وأطفاله يتضورون من العطش، وتنتظرهم حياة الذل والأسر..
    ومع كل هذه الظروف والأوضاع، التي يبعث أدناها في نفس الإنسان الجزع، ويفقده الثبات والاطمئنان.. إلا أن الإمام الحسين كان في ذروة الصمود والثبات، حتى قال عنه حميد بن مسلم أحد المشاهدين لأحداث عاشوراء: (( والله ما رأيت مكثوراً قط، قتل أصحابه وأهل بيته، أربط جأشاً، ولا أقوى جناناً، من الحسين بن علي ، وإن كانت الجيوش لتحمل عليه، فيشد فيهم، فيفرون من بين يديه فرار المعزى إذا حمل عليها الذئب )).
    لماذا ومن أين هذا الصمود والثبات؟
    لكي نعرف الجواب، لنقرأ مناجاة الإمام الحسين لربه سبحانه صبيحة عاشوراء، والتي تعبر عن عميق صلته ووثيق ارتباطه بالله سبحانه..
    دعا الإمام الحسين بمصحف فنشره على رأسه، وأقبل على الله يتضرع، مستهيناً بما حوله من المصائب والأخطار قائلاً:
    (( اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة إليك عمن سواك، ففرجته وكشفته وكفيته، فأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة )).
    ومن كانت علاقته بالله على هذا المستوى، فهل يستغرب منه ذلك الاطمئنان والصمود..
    فلنوثق علاقتنا مع الله، ولنقو ارتباطنا معه، فلا شيء يضر مع الله، ولا شيء ينفع من دون الله.. أو كما يقول الدعاء: (( ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك )).
    وسنرى كيف يغمرنا الاطمئنان، وتحتضننا الشجاعة والبطولة، وينهزم الخوف من أنفسنا حينما نملؤها بذكر الله سبحانه وتعالى.


    التسلح بالفكر الرسالي

    مع تخلف الأمة الإسلامية، وتخليها عن تحمل مسؤوليات الرسالة في العالم.. وحينما انكفأت الأمة على ذاتها، وتمحور أبناؤها حول مصالحهم وشهواتهم.. بدأ خط فكري ومسار ثقافي منحرف، يسود أجواء الأمة وينتشر في صفوفها..
    ذلك الخط الفكري والثقافي المنحرف، كان يركز على مظاهر الدين وشكلياته، ويولي اهتمامه لبعض الجوانب من الإسلام، متغافلاً عن سائر أبعاده. ويستهدف هذا الخط الانحرافي تبرير واقع التخلف في الأمة، وتكريس الذاتية والروح المصلحية، وبالتالي نسف جوهر الإسلام ومضمونه، ومحتواه الرسالي، والإبقاء على مظاهره وشكلياته فقط.. وطبيعة هذا الفكر السلبي التبريري، تخلق من الإنسان المؤمن شخصاً انعزالياً خانعاً، لا دور له ولا طموح.. ويعني ذلك أن تنمو لديه مشاعر الأنانية والمصلحية والخوف.. بينما تخبو في نفسه روح التقدم والبطولة والطموح..
    وتلوث عقل الإنسان بالثقافة المتخلفة، يعزز الحالات السلبية في نفسه كالخوف ويكرسها.. باسم التقية والزهد والصبر، وانتظار الفرج، وعدم إلقاء النفس إلى التهلكة، وتقديس السلف الصالح، وعدم التدخل في السياسة، وحرمة التدبر في القرآن.. وبمختلف العناوين التي تعرضت مضامينها ومعانيها للتحريف والتشويه..
    بينما الفكر الرسالي، والثقافة الإسلامية الأصيلة، تدفع الإنسان المسلم نحو التغيير والثورة على سلبيات نفسه، وتجاوز الثغرات في ذاته، ثم تحمله مسؤولية التغيير في الواقع الاجتماعي المحيط به، بل ولا تقف طموحات الثقافة الرسالية عند هذا الحد، بل تدفع الإنسان الرسالي، والأمة المؤمنة، نحو القيام بدور قيادي رائد، على صعيد العالم كله، تحقيقاً لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}
    وواجب الإنسان المسلم، أن يبحث عن ثقافة الإسلام الأصيلة، ليضمن لنفسه السير على طريق الله المستقيم، وليخلص من كل الرواسب والسلبيات والأمراض النفسية..
    صحيح أن الثقافة المتخلفة السلبية هي المسيطرة على الأجواء، وهي المتوفرة.. أما الثقافة الرسالية فإنها مطاردة ممنوعة من التداول، في ظل واقع التخلف والانحطاط..
    لكن وظيفة الإنسان المؤمن هي البحث عن الحق، وتجاوز سحب الباطل، وحواجز الضلال..إن الثقافة الرسالية هي سلاح الإنسان في مقابل التخلف والانحراف، وهي التي تساعده على تجاوز حواجز الخوف، وسلبيات النفس، وتدفعه لتحمل مسؤولياته، والقيام بدوره الريادي في الحياة.


    كونوا مع الصادقين

    الإنسان بطبيعته الاجتماعية، لابد له من وسط اجتماعي يعيش فيه، ويرتبط معه.. ذلك الوسط الاجتماعي هو شبكة العلاقات والصداقات التي ينشئها الواحد منا مع الآخرين.. وتلعب هذه العلاقات والصداقات دوراً مؤثراً في حياة الإنسان، وتوجيه نفسه وسلوكه.. فقد يكون صديق واحد سبباً في شقاء الإنسان وضلاله، كما ينقل القرآن الحكيم ندامة وأسف من أضله أصدقاؤه عن طريق الله، يقول تعالى:
    {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً  يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً  لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً}.
    ونظراً لتأثير العلاقات والأصدقاء في نفس الإنسان وسلوكه سلباً وإيجاباً وردت مجموعة كبيرة من النصوص والتعاليم الدينية، توجه الإنسان إلى ضرورة اختيار أصدقائه، وفق أسس صحيحة، وشروط معينة..
    1. وعن رسول الله: (( فليكن جلساؤك الأبرار وإخوانك الأتقياء الزهاد لأن الله تعالى قال في كتابه {الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} )).
    2ـ وعنه: (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )).
    3ـ وقال أمير المؤمنين علي ( فساد الأخلاق معاشرة السفهاء وصلاح الأخلاق معاشرة العقلاء )).
    4ـ وقال أيضاً: (( عاشر أهل الفضائل تسعد وتنبل ))
    (( مجالسة الحكماء حياة العقول وشفاء النُّفوس ))،(( معاشرة الأبرار توجب الشرف )) و (( مجالسة الأشرار توجب التلف )) ، (( إن قرين السوء يغير جليسه )).
    5ـ يقول الإمام زين العابدين علي بن الحسين: (( مجالس الصالحين داعية إلى الصلاح )).
    يقول الشاعر:
    صاحب أخا ثقة تحظى بصحبته
    فالطبع مكتسب من كل مصحوب
    كالريح آخذة مما تمر به
    نتناً من النتن أو طيباً من الطيب

    وقال آخر:
    عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
    فكل قرين بالمقارب يقتدي
    ذا كنت من قوم فصاحب خيارهم
    ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى

    هذه النصوص السابقة، والتجارب الإنسانية، تثبت مدى تأثير الأصدقاء في توجيه نفس الإنسان وسلوكه، سلباً و إيجاباً، فإذا ما انتمى الإنسان إلى تجمع يتصف أفراده بالسلبيات والانحرافات النفسية والسلوكية، فإنه معرض للانزلاق معهم، في مهاوي سلبياتهم وانحرافاتهم.. وعلى العكس من ذلك إذا توفق للانتماء لتجمع إيماني، تسوده الفضيلة والقيم، فإنه سيكسب منهم صفات الخير والاستقامة والصلاح.
    وإذا كنت ترغب في تقمص صفة البطولة والإقدام، وتريد التخلص مما تعاني منه نفسك من تخوف وتهيب، فابحث عن التجمعات المؤمنة العاملة الشجاعة.. وابتعد عن أولئك الخائفين الجبناء، مهما تظاهروا بالتدين والصلاح، ذلك لأن الخائفين الجبناء ينمّون في نفسك جرثومة الخوف والجبن بالعدوى، ويتنازلون عنك عند أبسط خطر أو تهديد، بدلاً من أن يدافعوا عنك أو يحمونك.
    لذا يعتبر الإمام الباقرالخائف الجبان أحد الأصناف السيئة التي ينبغي الابتعاد عنها. يقول: (( لا تقارن ولا تؤاخ أربعة: الأحمق والبخيل والجبان والكذاب. أما الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وأما البخيل فإنه يأخذ منك ولا يعطيك، وأما الجبان فإنه يهرب عنك وعن والديه، وأما الكذّاب فإنه يصدق ولا يصدَّق )).
    وفي أوضاعنا الحاضرة حيث تعيش مجتمعاتنا مرحلة انتقال وتحول، من حالة الجمود والاستسلام، إلى مرحلة النهوض والتغيير، باتجاه الحرية والإسلام إنشاء الله.. فإن هناك تجمعات رسالية تتصف بالشجاعة، ضد الواقع الفاسد، والبطولة في مقابل نفسيات الذل والخنوع.. وكل مسلم واع مطالب بأن يقف إلى جانب هؤلاء المؤمنين الصادقين استجابة لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} . لنصرة هؤلاء المجاهدين في معركتهم ضد التخلف والفساد وأخيراً لكي يكتسب الإنسان منهم صفات البطولة والاستقامة والفداء..


    كلمات أخيرة
    لا أحد منا يرضى بالواقع المتخلف السيئ الذي تعيشه أمتنا وشعوبنا..
    وقبل أن نبحث عن العوامل الخارجية التي فرضت علينا هذا الواقع، علينا أن نفتش في داخل أنفسنا، عن تلك الثغرات والنواقص والأمراض، التي أوصلتنا إلى هذا المستوى من الأوضاع. ومن أبرز تلك الثغرات والأمراض، هذا الشبح المرعب، والكابوس المخيم على نفوسنا وهو مرض الخوف..
    الخوف من الفشل.. الخوف من المصاعب والآلام.. الخوف من القوة.. الخوف من الموت. الخوف من كل شيء مجهول..
    الخوف هذا الشبح المزيف الذي يمنعنا من الإقدام، ويشلّ قدرتنا على التحرك، ويبقينا أسرى لضغوط واهية، وقوى ضعيفة..
    إن علينا إذا ما أردنا تغيير واقع أنفسنا وأمتنا، أن نبدأ بالثورة والتغيير في أعماق ذواتنا.. وان نواجه هذا الشبح العدو المزعج (الخوف) ونطرده من داخل نفوسنا.. لنتجاوز حاجز الخوف، وليفكر كل واحد منا فوراً في أن يصبح بطلاً شجاعاً، ويقتحم بالفعل كل ما كان يتهيبه ويخافه سابقاً من مجالات الخير والتقدم..
    ولا يقتصر واجبنا على أنفسنا فقط بل نحن مسؤولون عن إصلاح نفوس كل أبناء مجتمعنا فلنعلن الثورة على الخوف..
    ولتكن معركتنا مع شبح الخوف شاملة على كافة الجبهات، فنكافح الأفكار والآراء الخائفة الجبانة، والأساليب التربوية الخاطئة.. ومراكز القوى الخاضعة لإرهاب الخوف.. والأهم من كل أولئك تلك الجهات التي تعمل على نشر ثقافة الخوف، ومواقف الخوف في المجتمع..
    لنعلن الحرب على كل هؤلاء، وبمختلف الوسائل والأساليب، حتى نطهر نفوسنا ونفوس أبناء مجتمعنا من جراثيم مرض الخوف الفتاك المعدي.. ولتزرع في نفوسنا ونفوس أبناء المجتمع، روح البطولة والشجاعة والإقدام.
    وعندئذ يحق لنا أن نطمح للتغيير، وأن ننتظر التقدم، وأن نتوقع الحرية.
    ألم يقل ربنا سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}( ).
    والله نسأل أن يعيننا على شرور أنفسنا، وأو يوفقنا لتجاوز السلبيات والنواقص والأخطاء، وأن يهدينا سواء السبيل إنه خير موفق ومعين..

    ارجو ان لا اكون اطلت عليكم
    ولكني اردت الالمام بنواحي الموضوع
    تحيتي


    كلمات مفتاحية  :
    واقعية الخوف طبيعي جالة مرضية

    تعليقات الزوار ()