الذي يتابع ما تفضلتم به يلحظ أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت قراناً، ونسمع كثيراً من المفتين بأن التمتع أفضل، كيف تناقشون هذا -لو سمحتم-؟
نعم، النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم مكَّة أمر الصحابة أن يجعلوا إحرامهم عمرة، الذين ليس معهم هدي، وقد أفردوا الحج أو قرنوا، فقال: (اجعلوها عمرة، ولولا أن معي الهدي لأحللت)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولجعلتها عمرة)، فهذا هو وجه قول العلماء أنه يستحب التمتع؛ لأن الرسول رجع إليه عليه الصلاة والسلام وأمر به الصحابة وأحب أن يكون فعل ذلك، لكن ما أحب أن يحل بإحرامه قارناً وهو مُهدي فلا بأس؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يمنع من هذا النسك، وإنما أمر أصحابه أن يحلوا إلا من كان معه الهدي وبقي على حاله فدل ذلك على أن القران باقٍ لمن معه الهدي؛ لأن الرسول لم يبطله عليه الصلاة والسلام بل استمر عليه، لكن كونه يحرم بالتمتع ولا يهدي أفضل، يشتري من مكة أو من منى بعد ذلك عند الحاجة ولا يهدي لأن في الهدي والبقاء على الإحرام مشقة كبيرة قد يندم عليها الإنسان، ولاسيما إذا طال الأمر قد يقدم في آخر ذي القعدة أو في أول ذي الحجة فكونه يبقى محرماً لا يتطيب ولا يقص ظفراً ولا شارباً ولا يأتي أهله قد يشق عليه ذلك، فمن رحمة الله أن شرع لنا التمتع وأن لا نكلف أنفسنا هذه الكلفة، فنشتري هدينا من داخل ولا حاجة إلى أن نهدي من خارج، إذا جاء يوم العيد أو أيام التشريق اشترى الإنسان هديه من منى أو من مكة وذبحه، والحمد لله، ولا يشق على نفسه بالبقاء محرماً من أول ذي الحجة أو من آخر ذي القعدة إلى يوم العيد لا يتطيب ولا يقص شعراً ولا ظفراً ولا يأتي أهله كل هذا فيه صعوبة على الرجال والنساء جميعاً، فمن رحمة الله أن شرع التمتع لما فيه من المراعاة والتيسير وعدم التكلُّف.