بتـــــاريخ : 12/16/2010 12:07:28 AM
الفــــــــئة
  • الأخبـــــــــــار
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1190 0


    صدمة السيارة المفخخة : الصدمة النفسيةالتالية للانفجارات

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : الدكتور محمد أحمد النابلسي | المصدر : www.hayatnafs.com

    كلمات مفتاحية  :

     
        لعل أولى محاولات تفجير العربات المفخخة هي تلك العربة التي هدفت لاغتيال نابليون وفشلت في تحقيق هدفها. ولقد شهدت الحرب اللبنانية انفجار عشرات السيارات المفخخة، الأمر الذي أتاح لنا إجراء دراسات حول ردود الفعل النفسية لدى الجمهور أمام هذه الانفجارات. وحول الآثار النفسية والاجتماعية لما أسميناه بصدمة السيارة المفخخة.
     
     
    ونعرض في ما يلي ملخصاً لهذه الدراسات نظراً لحاجة قطاع واسع من الجمهور العربي لها، حيث يمتد تهديد السيارات المتفجرة ليطال العديد من الدول العربية وفي مقدمتها العراق والسعودية والجزائر وسورية، وغيرها من الدول العربية، حيث يبدو الميل إلى هذا النوع من العمليات القذرة أسلوباً لترويع الجمهور في غياب القدرات العسكرية الفاعلة أو في وجود موانع موضوعية لممارسة القوة المباشرة.
     
     
            في ما يلي نعرض لملخص دراساتنا حول صدمة السيارة المفخخة، علنا بذلك نساهم في دعم الضحايا العرب المتعرضين لمثل هذه الحوادث عن طريق تثقيفهم ومساعدتهم على اتخاذ خطوات الوقاية النفسية وذلك بهدف الحؤول دون تحويل هذه التجربة الصدمية إلى عصاب نفسي يترك أثره على سلوك المصدوم ومستقبله.
     
     
    صدمة السيارة المفخخة
     
    الانفجارات والاضطراب النفسي:
           تتحدث المراجع الطب نفسية عن الآثار النفسية التي تخلفها الحروب لدى المقاتلين. حتى أن بعض المدارس والمؤلفين يفردون لهذه الآثار باباً خاصاً في تصنيف الاضطرابات النفسية[1] ، فيتكلمون عن عصاب أو أعصبة الحرب وعن العصاب الصدمي. وأخيراً تكلمت  الجمعية الأميركية عن الشدة النفسية عقب الرضية ( 1987) ورمزت لها اختصاراً ب P.T.S.D ولكن أي من هذه التصنيفات لا يفي بالغرض لدى تطبيقه على اللبنانيين وعلى العرب المعانين من الآثار النفسية للحرب وللانفجارات. فمن خلال خبرتنا الشخصية في هذا المجال نستطيع التأكيد بأننا نجد بعض علائم هذه التصنيفات لدى المريض اللبناني والعربي ولكننا لا نجد في أي منها القدرة على استيعاب كافة العلائم المتبدية لدى هذا المريض. وفيما يلي سنعرض لمتلازمة السيارة المفخخة لدى العرب واللبنانيين
    .
     
    1-             السيارة المفخخة واستخدامها:
     
             تتراوح أهداف العربات المتفجرة ما بين الاغتيال وبين الإرهاب وبين تقويض دعائم السلطة القائمة وتحدي قدرة مسؤوليها على تأمين النظام والأمن.
     
     
    لتحقيق هذه الأهداف لم يقتصر الأمر أو ينحصر في السيارات أو العربات المفخخة بل تجاوزها إلى استخدام العبوات الناسفة وأحياناً انفجارات صوتية تعطي دوي الانفجار وترويعه ولكن دون التسبب بالأذى. وهكذا فإن الانفجارات التي نتناولها في هذا البحث هي تلك التي تهدد المدنين وأمنهم ولقد استبعدنا كافة الانفجارات ذات الأهداف العسكرية والتي لا تطال المدنيين.
     
     
    واستخدام العربات المفخخة بات قسماً من التاريخ الطبي العسكري فقد تم استخدامها في العديد من الصراعات ولكنها استخدمت بشكل خاص في حالات الحروب أو الصراعات الأهلية. فقد استخدمت على نطاق واسع في لبنان وفي الكويت وسوريا وإيرلندا وأميركا اللاتينية إلخ.
     
     
    2-             الانفجار والتوازن النفسي:
     
           لكل حاسة من حواس الإنسان حدودها الخاصة ( ما يسمى بالعتبة). وذلك بحيث تستطيع هذه الحاسة استقبال المثيرات الحسية الواقعة ضمن هذه الحدود وتعجز عن تحليل واستقبال تلك الواقعة خارج هذه الحدود. وتختلف حاسة السمع عن باقي الحواس من حيث قدرتها على استقبال مثيرات أقوى من المثيرات التي تستطيع باقي الحواس استقبالها كل في اختصاصها. ومن هنا كانت للسمع قدرته الخاصة على استثارة الجهاز العصبي. فلدى سماعنا للأصوات فائقة القوة، مثل الانفجارات ، فإننا نلاحظ ردود الفعل التالية:
     
     
    أ‌-                 خفقان القلب:
     
    ب‌-            ضيق التنفس و أو عثراته.
     
    ت‌-            الغثيان ( لغاية الاستفراغ ).
     
    ث‌-            الدوار.
     
    ج‌-              الضغط على رأس لغاية الشعور بالصداع.
     
    ح‌-              الاستعداد النفسي للإكثار من المسمات ومن مواد الإدمان.
          من الوجهة الطبية تعود هذه المظاهر إلى ردود الفعل الفيزيولوجية. وفي مثل هذه الحالات يقوم الجسم بتحويل كميات إضافية من الدم إلى الدماغ والعضلات. مما يؤدي إلى توتر العضلات وبخاصة عضلات الظهر والكتفين والعنق، كما يصبح التنفس ضحلاً
    .
     
    وفي ملاحظتنا لردود الفعل الأولية نستطيع أن نعدد الردود التالية:
     
    أ-التخدير الحسي[4] : يجمع أولئك الذين سمعوا الانفجار عن قرب على مرورهم بفترة لا يستطيعون تحديدها
     من التخدير الحسي، حيث تحولوا خلال هذه الفترة إلى الجمود التام حركياً ونفسياً وكأنهم تحت تأثير التخدير / البنج، وذلك مباشرة عقب الإثارة السمعية البالغة الحدة والمفاجئة المتمثلة بالانفجار. وغالبيتهم يعتقدون أن فترة التخدير هذه أطول كثيراً مما هي عليه بالحقيقة.
     
    ب- عدم الاستيعاب: إن فترة التخدير الحسي المذكورة أعلاها هي فترة عدم الاستيعاب الكلي. ولكن بعد مضي هذه الفترة يصبح انعدام الاستيعاب جزئياً . فيبدو الناس وكأنهم فقدوا قدرتهم على التوجه في الزمان والمكان وكأنهم عاجزون عن هذا التوجه ما لم يعرفوا تحديداً مكان الانفجار وما لم يستبعدوا وقوع ضحايا من بين أعزائهم المقربين.
     
    ج: مظاهر هستيرية: وغالباً ما تبدأ هذه المظاهر بنوع من الصراخ والنواح، وتأتي هذه المظاهر بمثابة حيلة دفاعية تخرج الشخص من حالة عدم الاستيعاب ،وفي هذه الحالة تأتي الهستيريا كواحدة من علائم الحياة لتدعم رأي المدرسة البسيكوسوماتية الباريسية
    ، كما تكون محاولة للهروب من الواقع غير المحتمل كما تقول المدرسة الفرويدية.
     
    د_ مظاهر نفسية جسدية: بعد المراحل السابقة (التي قد تتداخل ببعضها البعض) يصل الشخص إلى تعقيل الكارثة فيدرك ماهيتها ويتفاعل معها بالخوف أولاً. وبهذا تتبدى لديه المظاهر النفسية الجسدية المشار لها أعلاه وهي : خفقان القلب- ضيق التنفس- الغثيان الدوار- الضغط على الرأس لغاية الشعور بالصداع الإكثار من المسممات . وهنا يجب ألا نستبعد إمكانية تسبب الانفجار ( بوصفه انفعال فائق الحد) بأمراض فجائية كمثل الذبحة القلبية والسكتة الدماغية..ألخ.
     
     
    ب- ردود الفعل قريبة الأمد:
     
          في الأيام التالية للانفجار تتاح لنا معرفة تأثيره الجماعي. فبعد أن تقتصر مشاهدتنا على الأشخاص الذين تواجدوا معنا صدفة أثناء لحظة الانفجار والساعات التي تليه نجد أنفسنا أمام الآثار التي يخلفها الانفجار على صعيد مجموعة سكان المدينة ككل فنلاحظ ما يلي:
     
     
    أ‌-                صعوبات التفكير الممنطق ( مناسبة لظهور أو لإعادة إحياء أمراض جسدية مثل نوبات الربو والقرحة ... إلخ).
     
    ب‌-            حالة من التردد تترافق مع معاودة الشكوى من الدوار.
     
    ت‌-            مظاهرات القلق الانهياري.
     
    ث‌-            نقص القدرة على المبادرة.
     
    ج‌-             إهمال على الصعيد المهني.
     
    ح‌-             اضطراب النوم.
     
    خ‌-             استمرار بعض المظاهر الهيستيرية ومن ضمنها الخوف الهستيري.
     
     
    د‌-             ظهور الكوابيس والأحلام المزعجة.
     
    ذ‌-             ظهور موجة عارمة من الفوبيا من نوع الخوف من الانفجارات.
     
            وخلال هذه الفترة يمكننا تبين العلائم المذكورة أعلاه من خلال ملاحظتنا للسلوك العام إذ نلاحظ عدداً من التصرفات التي تعكس وقع كارثة السيارة المفخخة أو الانفجار والعلائم المرضية الجماعية الناجم عنها، ومن هذه التصرفات العامة نذكر:
     
     
    أ‌-      تخلو منطقة الانفجار من المتجولين لمدة أسبوعين كمعدل وسطي. ولا يرتاد هذه المنطقة سوى الحشريين الذين تعج المنطقة بهم وبالمنقذين عقب وقوع الانفجار، ولكن هذه المنطقة تصبح قفراً أو شبهه في الأيام التالية: وبما أن السيارات توضع في أماكن التجمع فإن بالإمكان ملاحظة الفوارق الكبيرة في عدد رواد المناطق التي تحدث فيها الانفجارات.
     
    ب‌-    في الأيام التالية لانفجار السيارة المفخخة يصبح من العسير على الشخص أن يركن سيارته إذ يمنع وقوف السيارات في غالبية الشوارع وتوضع الحجارة والدواليب لمنعه.
     
    ت‌-            وتزداد الشكاوى المرضية- الوظيفية والهستيرية في عيادات الطب العام.
     
    ج‌-  ردود الفعل متوسطة الأمد:
     
                 خلال الأسابيع التالية للانفجار نلاحظ بداية عمل الجهاز النفسي لاستعادة توازنه بعد هذه الرضة، كما نلاحظ اختفاء العديد من العوارض المذكورة أعلاه، ولكننا وفي المقابل نلاحظ بعض الانعكاسات السلوكية على الصعيد الجماعي التي نستطيع تلخيصها كما يلي:
     
     
    1-     شعور بعدم الاطمئنان: يؤدي بدوره إلى سلوك يقظة زائدة تهدف إلى تجنب خطر احتمال انفجار سيارة أخرى، ويمارس هذا السلوك على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد العائلي .وهو استمرارية للخوف من الانفجارات الذي يظل ملازماً للبعض كما سنرى.
    2-     الشعور بالذنب أمام ضحايا الانفجار : إن الذين  شهدوا الانفجار عن قرب يصرحون بأن نجاتهم منه كانت محض صدفة، وغالبيتهم يظلون لمدة أسابيع يتابعون روايتهم عن كيفية مرورهم في مكان الانفجار قبل دقائق أو عن كيفية تأخرهم لبضعة دقائق في الوصول إلى مكان الانفجار، كما أنهم يتابعون رواية ما شهدوه في المكان بعد حدوث الانفجار. وفي مجمل هذه الروايات نلاحظ أنهم يشعرون بالذنب لاستمراريتهم في الحياة لأن الصدفة لم تشأ اختيارهم
     
    .
     
    3-     مشاعر الغضب والثورة: وهي مشاعر تعكس العجز أمام الحدث الكارثة وأمام من تتهمه الإشاعة بأنه المنفذ.
     
    4-     الانعكاسات النفسية الجسدية: يؤدي الإرهاق الناجم عن الكارثة إلى إعادة إحياء بعض الأمراض الجسدية لدى بعض الذين يتعرضون لهذا الإرهاق وعلى هذا الأساس فإن الأسابيع التالية للانفجار تشهد استمرار النوبات لدى هؤلاء المرضى وبخاصة المصابين منهم بالقرحة والربو والدوار وتصلب العضلات المخططة .
     
    5-     اضطرابات تذكرية: وتتبدى هذه الاضطرابات بأشكال مختلفة لدى المتعرضين لهذا الإرهاق وفي هذه الحالة فإن الإصابة الجسدية لأحدهم تلعب دوراً في اضطراب الذاكرة لديه.
     
    د‌-   ردود الفعل طويلة الأمد:
     
            إن تحرينا لردود الفعل طويلة الأمد يجب أن يراعي خصائص الأفراد ودرجة معاناتهم من الانفجار لذلك وجب تحري المعالم التالية:
     
     
    1-              هل عانى الشخص من اضطراب نفسي ما قبل تعرضه لصدمة الانفجار ؟
     
    2-              هل أصيب جسدياً ولو إصابة طفيفة ؟
     
    3-              هل أصيب أحد أعزائه ؟
     
    4-              هل رأى الانفجار لحظة حدوثه ؟
     
    5-              على أية مسافة من الانفجار كان الشخص ؟
     
    6-              هل شارك في عمليات الإنقاذ ؟
     
    7-     هل كانت له تجارب سابقة مماثلة ؟ وفي حال الإيجاب منذ متى؟ وماذا كان تأثير هذه التجارب قبل وقوع الانفجار الأخير؟
     
    8-              ما هو جنسه ؟
     
    9-              ما هو عمر الشخص ؟
     
    10-         ما هي الحدود الحقيقية لتعرضه للخطر ؟
     
    11-         ما هي درجة انفعاليته التالية للصدمة ؟
     
               فكل واحد من هذه العوامل من شأنه أن يؤثر تأثيرا مهماً في تحديد معاناة الشخص على المدى الطويل، ولقد وضعنا اختبارين بهدف تحديد هذه العوامل وتسهيل مهمة الفاحص في تبين الآثار البعيدة المدى لهذه الكارثة.
     
     
    بالنظر إلى تنوع هذه الآثار واختلافها فإننا نؤجل الحديث عنها إلى الفقرات التالية.. حيث نناقش  هذه الآثار لدى أولئك الذين يملكون ميولاً مرضية قبل تعرضهم للصدمة كما نناقش هذه الآثار الطويلة المدى لدى 24 شخصاً ممن شهدوا هذه الصدمة وعايشوها عن قرب.
     
     
    وستجري هذه المناقشة على الأصعدة النفسية والنفسية - الاجتماعية والنفسية - الجسدية ...
     
     
    -  ردود الفعل المرضية:
     
         من خلال تجربتنا التي طالت ضحايا متعرضين لهذا النوع من الانفجارات خلال الفترة الممتدة بين 1985- و1990 نستطيع أن نقدم عرضاً وافياً لردود الفعل المرضية الناجمة عن هذه الصدمات ونختصر هذا العرض بتقسيم هذه الردود إلى:
     
     
    أولاً :  ردود فعل مرضية على الصعيد الجسدي
     
               مثلها مثل أية كارثة فجائية عارمة ومهددة بالموت المفاجئ فإن هذه الانفجارات كفيلة بتفجير كافة الاضطرابات البسيكوسوماتية، وبعد أن عرضنا لتسببها بالاضطرابات الوظيفية الهستيرية المجسدة ونوبات الربو والقرحة وغيرها فإننا نعرض في هذه الفقرة تسببها بأمراض عضوية مستديمة لم يكن لها وجود قبل الصدمة، ونكتفي بتعداد هذه الأمراض، التي أتيح لنا معاينتها، وهي :
     
     
    1-              أمراض انسداد الشرايين الذبحة القلبية والدماغية وجلطة الأطراف إلخ ..
     
    2-              أمراض قلبية انعكست بظهور موجات مرضية على صعيد تخطيط القلب.
     
    3-              ارتفاع ضغط مفاجئ ودائم .
     
    4-              نوبات صرعية الشكل دون ظهور أية موجات مرضية في تخطيط الدماغ .
     
    5-              ظهور نوبات الربو .
     
    6-              الموت الفجائي .
     
     
     
     
    ثانياً :  ردود فعل مرضية على الصعيد النفسي
     
              بادئ ذي بدء أود التأكيد على التزامي بالمبدأ القائل : " أن أوضاع الشدة النفسية لا يمكنها أن تؤدي لإحداث الذهانات وإن كان بإمكانها أن تؤدي إلى ردات فعل ذهانية عابرة ".
     
     
    ونتيجة التعرض للانفجارات استطعنا ملاحظة الحالات التالية:
     
     
    أ‌-      كانت صدمة الانفجار والتهديد الذي يصاحبها مناسبة لظهور ذهانات كامنة من نوع الفصام والهوس والهوس الانهياري والذهانات نظيرة المنطقة.
     
    ب‌-   كانت صدمة الانفجار مناسبة لظهور ردود فعل ذهانية مثل تناذر غانسر وردود الفعل الانتكاسية الذهانية ألخ.
     ثالثاً :   تناذر السيارة المفخخة
     
             من خلال متابعتنا ل 24 شخصاً ممن شهدوا عن قرب انفجار سيارة مفخخة وممن عايشوا نتائجها وساهموا في عمليات الإغاثة استطعنا أن نحدد علائم تناذر خاص وغير مصنف في أي من التصنيفات العالمية، وقد اسمينا هذا التناذر باسم تناذر السيارة المفخخة، ولقد توافرت في الأشخاص المراقبين الشروط التالية :
     
     
    1-              كلهم من الذكور .
     
    2-              لم يسبق لأي منهم الخضوع لعلاج نفسي .
     
    3-              لم يسبق لهم التعرض لصدمة للسيارة المفخخة .
     
    4-              تتراوح أعمارهم بين 20- 55 سنة .
    5-     لا يشكون من أي مرض جسدي أو إصابة جسدية نتيجة الانفجار. وقمنا بتطبيق بعض الاختبارات
     
    . إلى جانب الفحص النفسي فكانت النتائج التالية:
     
    أ‌-  انعكاسات الانفجار على الصعيد النفسي:
     
    من خلال الفحص الطبي النفسي ومن خلال اختبارين ( من إعدادنا الشخصي ) توصلنا إلى تحديد الانعكاسات النفسية التالية لدى الأشخاص موضوع الدراسة :
     
     
    1-     تحرك هوام الموت عقب الشعور بتهديد استمرارية الحياة ، ففي حالة الانفجار يكون كل شيء وارد ومحتمل بما في ذلك موت الشخص، وهذا ما يزعزع تفكير الشخص بأن موته مؤجل ويدفعه للاعتقاد بأن موته وارد في كل لحظة.
    وهذه العودة المحتملة إلى الصفر ( أي الموت) تفتح الأبواب عريضة أمام ظهور أحلام الموت والموتى كما تفتحها أمام مظاهر النكوص والتثبيت النكوصي التي تؤدي إلى  اختلاف التوازن النفسي الجسدي، كما تفتح الأبواب أمام ظهور الأعراض الجسدية
     
    2-     الشعور بانخفاض مستوى الأمن الاجتماعي مما يؤدي بشعور التهديد إلى الامتداد ليطاول أفراد العائلة والمقربين الذين يعتبرهم الشخص موضع تهديد.
     
    3-     الشعور بالذنب من قبل الناجين من الكارثة وذلك على الرغم من مساهمتهم الفاعلة في أعمال الإغاثة وإنقاذ الجرحى. وهذا الموقف يعكس وضعية مازوشية ناجمة عن التوحد أو التماهي بضحايا الانفجار وهو يغذي ويطور علائم القلق الانهياري المتبدية لدى هؤلاء .
     
    4-     موقف عدائي متطرف إزاء الجهة التي يعتبرها الشخص مسؤولة عن الكارثة.
     
    5-     اضطرابات تذكرية تختلف من شخص لآخر ومن حالة لأخرى.
     
    6-     بعد بعضة أيام من الحادثة تبدأ في ظهور بعض علائم اضطرابات الوعي لدى هؤلاء الأشخاص . كما ظهرت لدى بعضهم علائم الاضطراب النفسي.
    7-     خلال الأشهر التالية للكارثة أتيح لنا مشاهدة عملية إعادة تنظيم للأنا فلاحظنا ظهور الأحلام المرعبة لدى الأشخاص المدروسين الذي كانوا ينسون هذه الأحلام أو يتذكرونها بشكل غامض في البداية. إلا أنها كانت تصبح أكثر وضوحاً مع الوقت وكذلك أكثر دقة وغنى بالتفاصيل . وهذا دليل على تحسين جهاز ما قبل الوعي
     
    8-       تمت ملاحظة الاضطرابات السلوكية لدى معظم المفحوصين وكانت على درجات متفاوتة.
     
     
    9-      الخوف من الانفجارات الذي ابتدأ منذ لحظة الانفجار واستمر لسنوات لدى بعض المفحوصين.
     
    10-    حالات انهيارية متفاوتة الحدة وممزوجة مع مظاهر القلق وأحيانا الهلع.
     
    ب‌-   انعكاسات الانفجار على الصعيد النفسي- الاجتماعي :
     
    من خلال مناقشتنا للانعكاسات النفسية لاحظنا مطاولة هذه  الانعكاسات لتوازن الشخصية . كما لاحظنا عمومية هذه الانعكاسات أي مطاولتها لمعظم المفحوصين وتالياً لأعداد كبيرة من الأفراد حتى أنه يمكننا الحديث عن نوع من الهذيان الجماعي أو الامراضية الجماعية الناجمة عن الانفجار.
     
     
    وتحديداً على الصعيد النفسي- الاجتماعي يمكننا الكلام عن صدمة نفسية جماعية مصدرها الانفجار . الواقع أن آثار هذه الصدمة ليست بالمفاجئة ولا بالمشهدية وهي تتلخص بالانحسار والتراجع الهائل للحس الجماعي لدى المتعرضين لهذه الصدمة.
     
     
    هذا وتشير ملاحظتنا العيادية، التي استمرت مدة سنتين بعد وقوع الانفجار، إلى العلائم التالية:
     
     
    1-     غسيل دماغ جماعي: إن الأعداد الكبيرة من الناس الذين عايشوا الكارثة وجدوا أنفسهم في وضع يشبه المتعرض لغسيل الدماغ، فهم وجدوا أنفسهم فجأة فاقدين لقناعاتهم ومواقفهم ونظرتهم للأمور، وهذا الوضع بسبب عموميته  ومطاولته لأعداد كبيرة من الأفراد، يؤدي إلى نوع من الشلل الاجتماعي يعود في أسبابه إلى تغييب أو تحوير النظم والمبادئ المتعارف عليها في هذا المجتمع. وينعكس هذا الاضطراب الاجتماعي على أصعدة عدة هي:
     
    أ‌-               على الصعيد الجنسي .
     
    ب‌-            اللجوء إلى المخدرات والإكثار من المسممات .
     
    ت‌-            تنامي الميول العدوانية .
     
    ث‌-            ميل الشباب إلى الوجودية والنجاح .
     
    ح-              وتزداد هذه الآثار خطورة لدى الأشخاص ذوي المستوى الثقافي الاجتماعي الأدنى .
     
    2-      فقدان التوجه في الزمان والمكان : رأينا أن هذا الفقدان كان قد بدأ منذ اللحظة الأولى للانفجار. وكانت هذه البداية عن طريق التخدير الحسي ومن ثم انعدام الاستيعاب والمظاهر الهستيرية . والواقع أن الكارثة تخلف أثاراً طويلة الأمد لهذا الاضطراب بالتوجه إلى الزمان والمكان، ويتظاهر هذا الاضطراب برفض الشخص أو إهماله لحاضرة وانحسار تفكيره في المستقبل الذي يمكنه أن يأتي بكارثة أخرى خارجية، كما قد يتظاهر هذا الاضطراب بالنكوص إلى الماضي والتعلق ببعض مواقفه (نكوص وتثبيت ).
     
    3-      من تجربتنا : رأينا أن تطبيق اختبار رسم الوقت استطاع أن يقدم لنا مساعدة هامة في تحديد مظاهر الاضطراب المشتركة لدى معظم المفحوصين وهذه المظاهر وبسبب مطاولتها للقسم الأكبر من المفحوصين ، لا بد لها وأن تنعكس على الصعيد الاجتماعي، ذلك أن العينة قد اختيرت من بين الناس العاديين المتعرضين لصدمة السيارة المفخخة وعليه فإن هذه العينة، وإن لم يتجاوز عدد أفرادها ال 24 شخصاً فهي تمثل السواد الأعظم من آلاف عايشوها، كما أن الاختبارين الذين وضعناهما لهذا الغرض قد قدما لنا فوائد عديدة في دراسة هذه الآثار.
     
    ج‌-  انعكاسات الانفجار على الصعيد البسكوسوماتي :
     
    سبقت الإشارة في أماكن متفرقة إلى وضعيات النكوص والتثبيت الناجمة عن هذه الكارثة والتي يمكنها أن تنشأ عن كوارث أخرى، وفي عودة إلى البسيكوسوماتيك فإن هذه الوضعيات تمثل المدخل إلى الإصابة بالاضطرابات والأمراض البسيكوسوماتية.
     
     
    نكتفي فيما يلي بتعداد الاضطرابات البسيكوسوماتية، التي استطعنا ملاحظتها لدى أفراد العينة التي درسناها 24 شخصاً لمدة سنتين وهذه الاضطرابات هي:
     
     
    1-              التجسيدات الهستيرية: مثل الشعور بالاختناق إلخ ولوحظت لدى 18 شخصاً .
     
    2-              اضطرابات قلبية وظيفية تمت ملاحظتها لدى 20 شخصاً .
     
    3-              اضطرابات هضمية، وظيفية تمت ملاحظتها لدى 9 أشخاص .
     
    4-              تقلصات عضلية، تمت ملاحظتها لدى 13 شخصاً .
     
    5-              اضطرابات جنسية: تمت ملاحظتها لدى  10 أشخاص .
     
    6-              نوبات ارتفاع ضغط انفعالي  تمت ملاحظتها لدى 6 أشخاص .
     
    7-              توفي أحدهم بمرض انسداد الشرايين الدماغية بعد أسبوع واحد من الانفجار .
     
    8-              تعرض أربعة منهم إلى نوبات الجلطة القلبية، وذلك في مدى سنتين من الانفجار .
     
    على أن تعدادنا لهذه المظاهر لا يعني مطلقاً انحسار الأمراض البسيكوماتية لدى هؤلاء الأشخاص في حدود الاضطرابات المذكورة أعلاه، وهنا نذكر بما أشرنا له في فقرة الانعكاسات النفسية، حيث أشرنا إلى أننا لاحظنا، بعد عدة شهور، قيام الأنا بمحاولات إعادة تنظيم التوازن النفسي الجسدي، كما أشرنا إلى أن هذه المحاولات كانت تنجح  جزئياً وليس كلياً وبالتالي فإن أبواب المرض البسيكوسوماتي :سرطان، قرحة، ذبحة، أمراض دماغية .. تبقى مشرعة لدى المتعرضين لكارثة السيارة المفخخة والانفجارات عموماً.
     
     
    رابعاً :    مسؤوليات الطبيب النفسي
     
    تقسم أدوار الطبيب النفسي في أوضاع الكارثة تقسيماً زمنياً بالنسبة للكارثة ، فهنالك مسؤوليات ما قبل الكارثة وأثناءها وهي مستبعدة في وضعنا تجنباً لتسييس الطب وزجه في الصراعات ، ثم تأتي مسؤوليات ما بعد الكارثة وهي مسؤوليات على درجة من التنوع والصعوبة لذلك نكتفي بتعداد بعض وجوهها وبتعبير أدق ميادينها التالية :
     
     
    أ‌-                 في حال تأدية الصدمة النفسية إلى عرقلة قدرة الشخص على الاتصال بالطبيب العضوي الذي يعالجه.
     
    ب‌-    في حال تأدية الصدمة إلى مظاهر نفسية مرضية تدفع بالمحيط أو بالزملاء لطلب تدخل الطبيب النفسين وفي هذه الحالات علينا ألا نتعجل الأمور، ذلك أن غالبية هذه الاضطرابات تكون عابرة، ومن هنا وجب التحفظ في أسلوب المعالجة وفي تصنيف المريض في إحدى فئات المرض النفسي.
     
    ت‌-     على الطبيب أن يحاول استشفاف الآثار، بعيدة المدى الممكنة، المستقبلية التي يمكن للانفجار تخليفها على صعيد التوازن النفسي، الجسدي للشخص.
     
    ث‌-    إن تكرار وضعيات الكارثة، خاصة السيارات المفخخة، في مجتمع ما، يؤدي إلى ظهور أوبئة نفسية تصيب أعداداً كبيرة من الناس ومنها مثلاً الوساوس المرضية والخوف من أمراض القلب أو السرطان وضيق التنفس المتكرر إلخ وعلى الطب النفسي أن يخوض حملات وقائية ضد انتشار هذه الأوبئة.
     
    ج‌-     اعتماد مبدأ العلاج بالتفريج الجماعي للأشخاص المتعرضين للرضة أو ممن دفعتهم انفعاليتهم للتأثر بها بشكل رضي نفسي.
     
    ح‌-     وحتى بعد مضي سنوات على الرضة فإن من واجب الطبيب النفسي أن يتحرى ما إذا كانت المظاهر المرضية المعروضة عليه ناجمة عن آثار مثل هذه الرضوض، وهذا  التحري ليس إضاعة للوقت في المجتمع تعرض أعضاؤه لأكثر من انفجار ولأكثر من كارثة من هذا النوع.
     
    خ‌-              على الطبيب أن يتابع الحالات التي يملك أصحابها الأخطار التالية:
     
    1-                 مظاهر نفسية (وإن محدودة) قابلة للاستمرار لفترات طويلة.
     
    2-              مظاهر جسدية أدت الصدمة إلى ظهورها أو إلى تطورها.
     
    3-              تفجر أعصبة كامنة وبخاصة عصاب الوساوس المرضية.
     
    4-              خسائر مادية أو معنوية ضخمة وكفيلة بتوليد انهيار رد فعلي.
     
    5-     العمل على تقنين المخاوف والانفعالات والمظاهر العدائية. الناجمة كردود فعل على الانفجار وتوجيهها باتجاه استمرارية الحياة تخطي الصدمة.
     
    المراجع :
    وبخاصة المحلل فبرنزي الذي كان أول المتكلمين عن عصاب الحرب.
    Naboulsi M sequelles pschiques et psychosomatiques de la guerre libanaise Academie Hongroise 1990
    د. محمد أحمد النابلسي: الأمراض النفسية وعلاجها، دراسة في مجتمع الحرب اللبنانية، م. د. ن.1987
    في اللبنانية العامية يغبر عن هذه الحالة بالقول ( أتتني الجمدة) وهو تعبير بليغ جداً لوصف هذه الحالة.
     
    [5] من خلال دراستنا لهذا الوضع رأينا أن المعدل الوسطي لهذه الفترة هو 15 ثانية
     
    مارتي ستوار نابلسي، مبادئ البسكوسوماتيك وتصنيفاته الرسالة، الإيمان ، 1988
    وهذا يعكس وضعية مازوشية تدفع بالشخص إلى التماهي والتوحد بالضحايا وكلما كان شعور الذنب هذا أكثر حدة كلما تنامت احتمالات الانهيار.
    وهذه الاختبارات هي: 1- وودوورث ماتيوس، واختبارين من وضع المؤلف راجع الفصل الرابع من كتاب نحو علم نفس عربي
    ماتري ومشاركيه بسيكوسوماتيك الهيستيريا والوساوس المرضية سلسلة والثقافة النفسية الجزء الثالث دار النهضة العربية، 1990.
    مارتي بيار: الحلم والمرضى النفسي والنفسدي م، د. ن، 1987.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()