بتـــــاريخ : 11/14/2010 8:58:36 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 2732 0


    من خصائص الأدب العباسي

    الناقل : SunSet | العمر :36 | الكاتب الأصلى : حائر في زمن السرعة | المصدر : www.leblover.com

    كلمات مفتاحية  :

    من خصائص الأدب العباسي



    النثر:

    قرأتَ فيما تقدم كلمتين نثريّتيْن إحداهما للجاحظ، والأخرى لبديع الزمان الهمداني ولم يكن الجاحظ والبديعُ وحدهما هما البارزين، من كتّاب هذا العصر المجيد، ولكن ظهر فيه من كبار الكتاب عددٌ غير قليل، مثل عبد الله بن المقفع، وسهل بن هرون، وابن العميد وأبي حيان التوحيدي وغيرهم.

    ويدلّ ذلك على أن الكتابة الأدبية قد ازدهرتْ ازدهاراً عظيماً في هذا العصر، وأنت إذا قرأت ما كتبهُ أدباء العصر العباسي ثم قرأتَ ما قبل هذا العصر من آثارٍ نثرية فستجد تجديداً هاماً، إذ أصبح للنثر موضوعٌ يتحدثُ فيه بعد أن كان فيما قبلُ يقتصرُ على الرسالة أو الخطبة، ولكن الجاحظ وأمثاله جعلوا النثر يتّسع لتصوير حوادث المجتمع، ويُحلّلُ كلَّ ظاهرة تخطر على النّفس، ويكونُ للمقال مقدمة واضحة تدل على ما سيتحدث عنه الكاتب، ثم يأتي بعدها العَرْضُ الشافي الممتد، وتجيء الخاتمة في النهاية تلخّص الموضوع، ومن وراء ذلك كلّه ربطُ المعاني، فالأفكار متماسكة متصلّة، وتُدرك ذلك بأيسر جُهد حين تقرنُ كلمةَ هانىء الشيباني في العصر الجاهلي بكلمة الجاحظ في هذا العصر، وكلتاهما مما درست هذا العام.

    أما الألفاظ فأكثرُ وضوحاً، وبها موسيقى، تدلّ على أن وراءَها هندسة تزن الكلام، وتختارُ منه ما يُحدثُ في السمع رنيناً هادئاً يُطرب النفس، وقد كانَ الأسلوب في أوّل العصر مُرْسلاً يَجْري خالصاً من القيود، ولكنه كما ترى عندَ بديع الزمان الهمذاني قد أصبحَ مسجوعاً يميلُ إلى نوع من التأليف المقيّد، وهذا النوع يَسرّ النفس إذا كان طبيعياً غير متكلف، ولكنه يضايقُ القارئ إذا كان مستكرهاً متكلّفاً، لأنّ الكاتب حينئذ لا يَجدُ من أفكاره الهامة ما يقدّمهُ للناس فيلجأ إلى هذه القيود المتكلفة يظنّها ممّا تفيد وتحسن، ولكنّ التكلّف في أكثر أحواله ثقيلٌ غير مقبول.

    ونحن نعرف أن الترجمات الأدبية والعلمية عن اليونان والفرس والهند قد ظهرت كثيرةً في هذا العصر وما نراه في الكتابة من تماسك وعمق قد كان بعض آثار هذه الترجمة لأن العقول تؤثر، والأفكار تتجاوب.



    الشعـر:

    وإذا كان النثرُ قد اختلف في العصر العباسي عنه فيما قبله من العصور فإن الشعر قد اختلف أيضاً وقد رأيتَ في قصائدَ أبى تمام والبحتري وابن الرومي والمتنبي وأبي العلاء ما يدل على ذلك، وقدْ بقيت الأغراضُ السابقة من مدح وهجاء ووصف وغزل ولكنّ طريقة التناول قد اختلفت فأصبحَ من الشعراء من يحْرص على العمق والدقّة ويُكثر من الصّور والأخيلة مثل أبي تمام، وأصبحَ منهم من يميلُ إلى السهولة ورنين اللفظ مثل البحتري، ولعلَّ طبيعة الموضوع تكون في أحيانٍ كثيرة من أسباب القوة والجزالة في موضع، كما تكونُ من أسباب الرّقة والسهولة في موضع آخر، فأنتَ تقرأ قصيدة أبي تمام، فتجدها تميل نحو القوّة لأن الموضوعَ موضوعٌ حماسيّ يحتاج للرنين وكذلكَ قصيدة المتنبي في معركة الحدث أمَّا إذا قرأتَ قصيدة ابن الرّومي، في وصف العابد فستجدُ سهولةً واضحة حتى لتحسب الشاعرَ أصبح ناثراً، وكذلك إذا قرأتَ قصيدة أبي فراس قي عتابِ سيف الدولة فستجد رقّة تدلّ على العاطِفة الحسّاسة والإخلاص الصّادق، هذا إلى شيءٍ من الجديد تلحظُهُ في الشعر العباسي، فالأفكارُ ذات ترتيب متماسك بحيْثُ تتوالى الفكرة خلف الفكرة، دون نشاز، وكانَ الشاعر الجاهلي كثيراً ما يُخالف الترتيب المتسلسل فتختلطُ الأفكار لديه في بعض ما يقول، أمّا الخيال فقد اتسعَ أكثر مما كان من قبل، فكثرت التّشبيهات الرائعة والأوصاف الحسنة، وأصبحت البيئة العباسية بحضارتها الزاهرة، ومدنيتها الحديثة، تُلهم من الصور الحضريّة ما لا نجده في ما نقرأ من شعر الصحراء والبادية، كما تنوّع الوصف في الشعر، واتّسع أفقه، واقرأ وصفَ المتنبي للحرب، والبحتري للذئب لتجدَ طرافةً مستحدثة تأخذ كثيراً من إعجابك.

    وقد تُلاحظ مع سهولةِ الألفاظ الشِعْرية بالنسبة إلى شعر الجاهلية والشعر الأموي شيئاً هاماً، وهو تسرُّب بعض الكلمات الأعجمية إلى الشعر تظرّفاً، مع اهتمامٍ بالموسيقى الصوتيّة التي تأتي من تناسب الكلمات، وميلٍ إلى البحور القصيرة، ذات الوزن المطرب، وهذا ما يُناسبُ التعبير عن مجالس الأنس وأوقات الصفاء.

    وإذا كثرَ الشّعر العباسي، في وصف الرياض والبساتين والقصور ورحلات الصيد، ومجالس الأنس فهناك شعراءُ قد انصرفوا للتفكير الجدّي، وتخلّصوا من المتع الرخيصة، وعلموا أن الحياة كفاح ونضال وأن الذي يحتل مكانته المرموقة في نفوس العُقلاء هو الشاعر المشغوفُ بالمجد، وأنت إذا قرأت ما تقدم من قصائد المتنبي وأبي العلاء وأبي فراس فستجدُ ما يدل على ذلك، وهي روحٌ يجب أن تشيعَ وتعم لأنّ الأمة الإسلامية في حاجة إلى لحنِ القوة ونشيد الطموح.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()