خلص قادة مجموعة العشرين في بيانهم الختامي الذي صدر في صورة أجزاء, بعد أن اختتموا اجتماعاتهم التي عقدت في مدينة تورنتو الكندية أمس، إلى ضرورة مواصلة تعزيز الانتعاش الاقتصادي الهش وفي الوقت نفسه خفض مستويات الدين الحكومي، بعد أن نجحوا في تجاوز أثر حالة الكساد العالمية.
واتحدت مجموعة العشرين التي تضم قوى اقتصادية ناشئة واقتصاديات متقدمة عندما بدأت الأزمة في 2008 بضخ تريليونات الدولارات في المعركة على الكساد، ومنذ ذلك الحين أصبحت المنتدى الأساسي لتنسيق جهود مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية.
وأعلنت مجموعة العشرين جهودا منسقة لخفض العجز في القطاع العام في غضون ثلاثة اعوام وتثبيت الدين الحكومي أيضا, لكن بوتيرة مختلفة بحسب ظروف كل بلد - حسب مسودة البيان التي حصلت عليها رويترز.
وتعترف الوثيقة بأن وتيرة الانتعاش الاقتصادي ستختلف على مستوى العالم عقب الأزمة, وأن ثمة حاجة إلى توازن دقيق للعودة لضبط الميزانية والحفاظ على النمو.
واضاف البيان ''ثمة خطر أن يؤثر التعديل المالي المنسق بين اقتصادات رئيسية عدة سلبا على الانتعاش.
وهناك أيضا خطر أن يقود الفشل في تحقيق الضبط عند الضرورة إلى تقويض الثقة وعرقلة النمو''.
وبالطبع فإن المصدر الرئيس للنمو في الوقت الحالي ليس هو أكثر الاقتصادات تقدما وانما دول مثل الصين والاقتصادات الناشئة الكبرى الأخرى التي ينتابها القلق ازاء مشاكل الدين في الدول الصناعية.
ومن المتوقع ان يصل الدين المجمع للدول المتقدمة داخل مجموعة العشرين الى 107.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العام الحالي وهو تقريبا ثلاثة أمثال نسبة 37 في المائة المتوقعة في اقتصادات الأسواق الناشئة داخل المجموعة ارتفاعا من نسبة 80.2 في المائة عند بداية الأزمة في 2007.
وذكر البيان أن من المقرر أن يلتزم قادة مجموعة العشرين بوضع قواعد أشد صرامة لمتطلبات رأس مال البنوك والترحيب بتحرك بكين لإعلان التحول إلى سعر صرف أكثر مرونة بمرور الوقت, وهو تحرك يأمل البعض ان يقود لارتفاع اليوان ومنافسة أكثر عدالة في التجارة العالمية.
وقال مسؤول وهو ينقل مباشرة من مسودة البيان ''نرحب بالاجراءات التي اتخذت وجهود الصين لتعزيز الطلب المحلي وادخال مزيد من الإصلاح على نظام سعر صرف اليوان وتعزيز المرونة في اسعار الصرف''.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن قادة مجموعة العشرين الاقتصادية وافقوا على أنه يتعين على الدول الغنية خفض عجز موازناتها بحلول عام 2013 إلى النصف.
باراك أوباما في مشاورات جانبية مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أثناء الجلسة الختامية لقمة أمس.
رؤية واشنطن
وفي ظل نمو بطيء في العديد من الاقتصادات المتقدمة في الوقت الحالي تخشى واشنطن أن تؤدي مساعي أوروبا إلى خفض ديون ما بعد الكساد إلى عرقلة النمو مما يثير قلق قادة آخرين في مجموعة العشرين, وهو ما أعرب عنه رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج.
ولكن أوباما مثل كثير من نظرائه حريص على الحفاظ على وحدة مجموعة العشرين، وقال ''نحن نسعى إلى الاتجاه نفسه وهو تحقيق نمو مستدام على المدى طويل يسمح للناس بالعمل''.
بإجراء الصين جعل عملتها أكثر مرونة وجهودها لتعزيز الطلب المحلي, وبعد أسابيع من الضغوط المتنامية من واشنطن ودول أخرى على الصين كي تسمح لعملتها بالارتفاع أعلنت بكين منذ أسبوع أنها ستنهي الربط الفعلي لليوان بالدولار الأمريكي الساري منذ نحو عامين.
وتريد الولايات المتحدة من الصين السماح لليوان بأن يرتفع بسرعة أكبر للمساعدة على انكماش عجز الميزان التجاري لواشنطن.
ويتهم أعضاء في الكونجرس الأمريكي الصين بجعل صادراتها أرخص بطريقة مصطنعة وسرقة وظائف امريكية.
وارتفع سعر اليوان مقابل الدولار الأمريكي في نهاية الأسبوع بنسبة 0.5 في المائة بعد التحرك الذي اتخذه البنك المركزي الصيني
الرؤية الصينية
من ناحيته, قال الرئيس الصيني هو جين تاو أمس الأول, إن بلاده تسعى إلى تعزيز العلاقة مع الولايات المتحدة وإن الدولتين تقاربتا بالفعل.
وأبلغ هو الذي كان يتحدث من خلال مترجم, الصحافيين خلال اجتماع مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما على هامش قمة مجموعة العشرين في تورنتو ''أنني سعيد أن أشير إلى أنه بفضل الجهود المشتركة للجانبين في الآونة الأخيرة تم إحراز تقدم حقيقي في هذه العلاقة''.
وقال ''نريد مواصلة اتباع روح البقاء على نفس المسار والتوحد معا.. إننا نريد أيضا تعزيز الاتصال والتنسيق مع الجانب الأمريكي بشأن القضايا الإقليمية والدولية الرئيسية''.
فيما أعلن مسؤول في الوفد الصيني في تورونتو أن الصين لن ترضخ لضغوط مجموعة العشرين في موضوع العملة الصينية (اليوان).
وقال ما تشين المسؤول في لجنة التنمية والإصلاح الدولي للصحفيين ''إذا كان ثمة تغيير في سعر صرف اليوان فإنه يعود إلى الدينامية الداخلية للاقتصاد الصيني وليس إلى ضغط أي بلد أو منظمة دولية ''.
وكان البنك المركزي الصيني قد حدد أمس الأول سعرا لصرف اليوان مقابل الدولار الأمريكي هو الأعلى منذ خمسة أعوام وذلك عشية قمة مجموعة العشرين في تورنتو أملا في احتواء انتقادات شركاء الصين الكبار الذين يتهمونها بإبقاء سعر صرف عملتها دون مستواه الفعلي.
البرازيل تنتقد
في المقابل, أكد جيدو مانتيجا وزير المال البرازيلي أمس، في مدينة تورنتو الكندية, أن عملية ضبط الموازنات التي تقوم بها الدول الأوروبية تتم على حساب الدول الناشئة. وقال مانتيجا الذي يرأس الوفد البرازيلي إلى قمة مجموعة العشرين في غياب الرئيس لويس دا سيلفا في مؤتمر صحافي إن عمليات ضبط تقليص العجز العام يجب أن تكون واقعية وإلا تخنق النمو.. مضيفا أن الأسوأ هو تطبيق هذه السياسات الاقتصادية في الدول المتطورة.
وعلل ذلك بأن دول أوروبا تركز على ضبط الموازنات بدل تشجيع النمو, وأن هذه الدول المصدرة تقوم بهذا الضبط على حساب الدول الناشئة.
ورأى أن الدول المتطورة التي تعاني أزمات تنوي بذلك احتلال الأسواق الناشئة التي تحقق نموا أكبر من نمو تلك الدول.
كندا ترى توافقا
من ناحيته, قال ستيفن هاربر رئيس الوزراء الكندي أمس, إن هناك توافقا قويا بين دول مجموعة العشرين التي تضم الاقتصادات الصاعدة والمتقدمة على ضرورة التعهد بأهداف لخفض عجز الميزانية في الأجل المتوسط .
وأضاف هاربر للصحافيين بعد اجتماعات مجموعتي العشرين والثماني ''أشعر بأن هناك توافقا قويا على ضرورة وضع خطط على الأجل المتوسط لخفض العجز في الدول المتقدمة''، وأكد هاربر أن القادة مجمعون على الإقرار بأن تعافي الاقتصاد العالمي هش وعلى ضرورة القيام بتحرك جماعي للحيلولة دون أن تتسبب مخاطر مثل أزمة الديون السيادية في مثل ما حدث بانهيار بنك الاستثمار الأمريكي ليمان براذرز.
الخزانة الأمريكية
إلى ذلك, قال تيموثي جيثنر وزير الخزانة الامريكي إن تعافي الاقتصاد العالمي يعتمد على خلق توازن بين مزيد من الإنفاق العام وتقليص الموازنة.
وأضاف ''بينما يتعين أن يبقى التعافي العالمي من حالة الركود أولوية كبرى بالنسبة إلى قادة العالم، إن الدول تخرج من دائرة الأزمة بسرعات متفاوتة.
والأمر بيد كل منها كي تضطلع بالإجراءات المناسبة للحيلولة دون حدوث انهيار اقتصادي آخر. وكان خلاف قد نشب بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قبيل انطلاق القمة، حول المسار الصحيح للإبقاء على عجلة التعافي الاقتصادي دائرة.
ودفعت الولايات المتحدة من أجل تفعيل مزيد من الحزم التحفيزية، بينما أعلن عدد من دول الاتحاد الأوروبي بالفعل خطط تقشف مالي.
وقال جيثنر إثر وصوله تورنتو أمس الأول: إننا ما زلنا نعاني الندبات التي خلفتها هذه الأزمة.. وهذا سيستدعي استراتيجيات مختلفة في دول مختلفة'' في إشارة إلى أن أوجه التقارب بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تفوق الخلافات بكثير ''إننا نخرج من الأزمة (لكن) بسرعات متباينة''.
واختتم قادة مجموعة العشرين أمس مشاورات واسعة حول حالة الاقتصاد العالمي واحتمالات إصلاح القواعد المالية التنظيمية، لمنع حدوث أزمة أخرى، مثل تلك التي شارفت على التسبب في انهيار وول ستريت عام 2008.
وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حديثه الإذاعي الأسبوعي أمس الأول:'' آمل أن نتمكن من إحراز التقدم الذي أحرزناه خلال قمم مجموعة العشرين (التي عقدت) العام الماضي من خلال تنسيق جهود الإصلاح المالي العالمي .. وذلك لضمان عدم تكرار أزمة مثل تلك التي لا نزال في طور التعافي منها .. مطلقا''.