ح 254
عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ قد أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ , فَنَحَرَهَا . فَقَالَ : ابْعَثْهَا قِيَاماً مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم .
فيه مسائل :
1= أناخ بَدَنَته : جعلها تبرك على الأرض .
قال ابن منظور : أَنَخْتُ البعيرَ فاستناخ ونوَّخته فتنوَّخ ، وأَناخَ الإِبلَ : أَبْرَكها فَبَرَكت ، واستناخت : بَرَكَتْ
2= قوله : " فنحرها " : أي : أراد نحرها على تلك الحال ؛ لأنه لو كان نحرها وانتهى ، لَمَا كان لِقوله : " ابعثها " فائدة .
3= قوله : " قِيَاماً مُقَيَّدَةً " قال ابن بطال : يعنى : معَقولة اليد الواحدة قائمة على ما بَقي مِن قوائمها .
4= قوله : " سُنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم " هو بِنَصْب سُنة ، أي : الْزَم سُنة ، أو : افْعَلْها ، ويجوز رَفعه ، أي : هذه سُنة . قاله النووي .
5= السنة في الإبل أن تُنحر قائمة ، والبقر والغنم بِخلافها .
قال الإمام البخاري : بَاب نَحْرِ الْبُدْنِ قَائِمَةً . وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : (صَوَافَّ) قِيَامًا .
وقال ابن بطال : قول ابن عمر : " سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " يعنى أن تُنحر قيامًا ، ويشهد لهذا دليل القرآن ، قوله : ( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ) ، يعنى : سَقَطت إلى الأرض .
وقال النووي : يُسْتَحَبُّ نَحْرُ الإِبِلِ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَعْقُولَةُ الْيَدِ الْيُسْرَى ، صَحَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى ، قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا . إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ . أَمَّا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُذْبَحَ مُضْجَعَةً عَلَى جَنْبِهَا الأَيْسَرِ ، وَتُتْرَكَ رِجْلُهَا الْيُمْنَى وَتُشَدَّ قَوَائِمُهَا الثَّلاثُ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ اسْتِحْبَابِ نَحْرِهَا قِيَامًا مَعْقُولَةً هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ . اهـ .
6= السنة توجيه الذبيحة إلى القبلة .
قال ابن قدامة : ويستحب توجيه الذبيحة إلى القبلة ، ويقول : بسم الله والله أكبر .
7= حرص السلف على موافقة السنة ، وموافقة السنة أعظم في الأجر ، حتى لو لم يُذكر الفضل أو الأجر المترتّب على الفعل ؛ لأن من الناس من إذا قيل له : " هذه السنة في كذا " ، قال : وما أجر فاعله ؟! ولا يعلم أن موافقة السنة أفضل من أن يُقال له : لك أجْرَان . وموافقة السنة والحرص عليها علامة على محبة النبي صلى الله عليه وسلم .
8= مشروعية الإنكار على من خالف السنة ، والإنكار في مسائل الخلاف ، والأمر بالمعروف ، وتعليم الجاهل .
قال العيني : وفيه : تعليم الجاهل ، وعدم السكوت على مخالفة السنة ، وإن كان مباحا . اهـ .
ومما يُلاحَظ أن من الناس مَن إذا أُنْكِر عليه قال للْمُنْكِر عليه : "هل هو حرام ؟" ، وقصده : لِم تُنكر عليّ أمرا ليس مُحرّما !
وهذا بِخلاف الأدب ، وبخلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، إلاّ أن يكون أراد الاستفسار عن الْحُكم ، فهذا له أصل .
9= الإرشاد إلى الأفضل دليل على حرص المسلم على أخيه ، وأن يطلب له ما يطلبه لِنفسه من الفضل والأجر .
10= الحكمة في نحر الإبل قياما مُقيّدة :
قال ابن حجر : لئلا تضطرب . اهـ . وحتى لا تنطلق فتؤذي الناس إذا طُعنت في لُبتها .
ولذلك قال الإمام مالك وأحمد : يَنحر البدن معقولة على ثلاث قوائم ، وإن خَشي عليها أن تَنفر أناخها .
11= " فيه أن قول الصحابي من السنة كذا مرفوع عند الشيخين لاحتجاجهما بهذا الحديث " قاله العيني .
12= جواز ذِكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم مُجرّدًا ، إذا قُرِن بالصلاة والسلام عليه .
وابن عُمر رضي الله عنهما ممن عُرِف عنه تعظيم السنة ، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يجد في ذلك غضاضة .
بل عُرِف عنه بِرّه بأبيه ، ومع ذلك كان يذكر أباه باسمه ، فيقول : قال عمر .. ونحو ذلك .