النيابة في الحج
موقع القرضاوي/27-10-2009
من فتاوى العلامة الشيخ يوسف القرضاوي
- السؤال: والدي ووالدتي قد فارقا الحياة، ولم يؤديا فريضة الحج، فهل يجوز أن أنيب عنهما أحدا في تأدية هذه الفريضة، أم لا يجوز؟
- الإجابة:
الأصل في العبادة وبخاصة العبادات البدنية أن يؤديها الإنسان نفسه لقوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) النجم: ولكن الله تعلى بفضله ورحمته، شرع في فريضة الحج خاصة: أن ينوب المسلم عن أبيه أو أمه، استثناء من هذا الأصل الثابت، فإذا لم يؤدها (أي عبادة الحج) بنفسه أمكن أن يؤديها أولاده من بعده، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن أولادكم من كسبكم" ولد الإنسان جزء منه، وهو جزء من عمله، يعتبر امتداد له بعد وفاته، كما جاء في الحديث الصحيح: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو لد صالح يدعو له"[1].
فالولد الصالح هو امتداد لحياة أبيه وامتداد لوجوده، ومن هنا يجوز للأولاد أن يؤدوا الحج عن آبائهم وأمهاتهم، فإذا لم يؤدوا ذلك لعذر، أمكنهم أن يوكلوا من يؤدي عنهم، وقد سألت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم أن أباها أدركته فريضة الله في الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستقل على الراحلة ومات، أفتحج عنه؟ قال: "نعم، حجي عنه".
وامرأة أخرى ـ كما ورد في حديث ابن عباس ـ سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أتحج عن أمها وقد نذرت أن تحج لله وماتت؟ فقال: " حجي عنها، أرأيت لو كان عليها دين، أكنت قاضيه؟" قالت: نعم، قال: "فاقضوا فالله أحق بالوفاء".
وفي رواية: "فدين الله أحق أن يقضى".
فكما أن للولد أن يقضى دين أبيه في الشؤون المالية، كذلك في هذه الشؤون الروحية، وشؤون العبادة، فتستطيع البنت ويستطيع الابن أن يحج عن أبيه، وهذا هو الأولى والأوثق، برأ به ووفاء له، أو على الأقل يوكل من يحج عنه، كما يرى بعض الفقهاء على أن يحج عنه من بلده، من البلد الذي كان عليه أن يحج منه، إذا كان من قطر مثلا فإذا وكل أحدا فليحج من قطر لا من سواها، وإذا كان من الشام يحج من الشام، وهكذا.. إلا إذا عجزت مالية المتوفى ـ إذا كان سيحج من ماله ـ فمن حيث أمكن تحقيق هذا..
فإذا كان الولد هو الذي سيوكل من يحج من ماله الخاص، فعلى حسب ما يمكن من ماله.
ومن حج عن الغير، فيشترط أن يكون قد حج عن نفسه أولا، وإن كنت أرجح أن يكون الذي يحج عنه إما ولده أو قريب له، كما دلت على ذلك الأحاديث النبوية.
[1] رواه مسلم عن أبي هريرة.