شرع الله تعالى للحاج إلى بيته الكريم أن يطوف عدة طوَافات عند أدائه لمناسك حجه، ويعدُّ طواف القدوم سنة من السنن، بينما يُعدُّ طواف الإفاضة ركناً من أركان الحج، أما طواف الوداع فيعتبر واجباً من واجباته.
ويراعي المسلم في طوَافاته تلك أن يطوف كما طاف النبي صلى الله عليه وسلم، وأرشد إليه، بحيث يأتي بواجبات الطواف، ويحرص على سننه، ويبتعد عن المخالفات والأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج، وفيما يلي جملة من هذه الأخطاء:
أولاً: التلفظ بالنية عند إرادة الطواف: فبعض الحجاج والمعتمرين إذا أراد أن يطوف وقف مستقبل الحجر ثم يقول: "اللهم إني أطوف سبعة أشواط للعمرة، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للحج، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط تقرباً إليك" وما أشبه ذلك من الألفاظ، وهذا خطأ؛ لأن التلفظ بالنية بدعة؛ لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر أمته بها، وكل من تعبد لله بأمر لم يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أمر أمته به؛ فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه.
ثانياً: ابتداء الطواف قبل الحجر الأسود: والواجب الابتداء به.
ثالثاً: الطواف من داخل حِجْر إسماعيل: لأنه الطائف حينئذ لا يكون قد طاف بالكعبة، وإنما طاف ببعضها؛ حيث أن الحِجْر من الكعبة، وقد سُئِل العلامة ابن باز رحمه الله عن: "رجل طاف من داخل حجر إسماعيل، وسعى وحل الإحرام، ثم ذهب إلى داره وجامع زوجته، هل عليه إثم في ذلك"، فأجاب: "هذه العمرة فاسدة؛ لأن طوافه غير صحيح، فعليه أن يعيد الطواف، والسعي، ويقصر شعره، وعليه دم شاة تذبح في مكة عن جماعه زوجته قبل إتمام عمرته، لأن طوافه من داخل الحجر غير صحيح، لابد أن يطوف من وراء الحجر، وبذلك تتم عمرته الفاسدة، ثم يأتي بعمرة أخرى صحيحة بدلاً عنها من الميقات الذي أحرم بالأولى منه، هذا هو الواجب عليه؛ لفساد عمرته الأولى بالوطء"
.
رابعاً: الرمَّل في جميع الأشواط السبعة: والرمل هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخُطى، ولا يكون إلا في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف القدوم خاصة.
خامساً: ترك الاضطباع في طواف القدوم: وبعض الناس على العكس ربما يضطبع من حين يحرم إلى أن يحل، وهذا ليس بوارد، بل الوارد الاضطباع في طواف القدوم خاصة؛ يقول ابن باز رحمه الله: "السنَّة للمحرم في طواف القدوم أن يضطبع بردائه، وهو أن يجعل وسطه تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، فإذا فرغ من الطواف أزال ذلك، وجعل الرداء على كتفيه قبل أن يصلي ركعتي الطواف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) رواه البخاري (359) ومسلم (516)؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم كانوا يضعون الرداء على العاتقين في الصلاة وخارجها"
.
سادساً: الوقوف عند الحجر الأسود أو ما يحاذيه مدة طويلة، وفي ذلك تضييق على غيره من الطائفين. والسنة أن يستلم الحجر أو يشير إليه ويمضي دون توقف.
سادبعاً: اعتقاد أن الطواف لا يصح دون استلام الحجر الأسود، والمزاحمة الشديدة لتقبيل الحجر الأسود: بل أحياناً يصل الحال إلى المضاربة والمشاتمة وذلك لا يجوز لما فيه من الأذى للمسلمين، ولأن الشتم والضرب لا يجوز من المسلم لأخيه بغير حق في الحال العادي فكيف وهو في الحج أو في بيت الله الحرام.
كما أن ترك التقبيل لا يضر الطواف، بل يعتبر الطواف صحيحاً، وتكفي الحاج الإشارة والتكبير إذا حاذاه ولو بعيداً عنه، وقد سئل العلامة ابن جبرين رحمه الله بسؤال نصه: "نرى كثيراً من الناس يتدافعون من أجل تقبيل الحجر الأسود في غير الطواف، فهل تقبيله في غير ذلك واجب أم سُنَّة؟" فأجاب: "... الصحيح أن تقبيل الحجر تابع للطواف، يُقبله أو يستلمه عند ابتداء الطواف، وعند مُحاذاته في كل شوط، وكذا عند الانتهاء من الطواف، وركعتيه إذا أراد الخروج إلى الصفا، فيُقبله إن قدر أو يمسه بيده ثم يُقبله، أو يستلمه بعصا أو محجن ويُقبل المحجن، فإن عجز أشار إليه بيده عند مُحاذاته، ولا يُقبل شيئاً، ولا يجوز له التدافع، ولا شدة الزحام؛ بل إن وجد سعة استلمه، وإلا مضى، فأما تقبيله كقربة وعبادة فإن ذلك غير مشروع، فالذين يزدحمون عليه كل وقت وهم ليسوا محرمين، وليسوا طائفين؛ نرى أنهم مُبتدعة؛ فإنه حجر عادي كما قال عُمر رضي الله عنه: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبلك ما قبَّلتك"، لكن جاء في الحديث: أن مسحهما (يعني الركنين) يحطُّ الخطايا، فيعتبر ذلك اتباعاً وتعبداً، ويُقتصر على ما ورد به الشرع"
.
ثامناً: تمسح بعض الحجاج أو المعتمرين بالحجر الأسود التماساً للبركة منه، وبعض الناس يمسحه بيده ثم يمسح بها جسده، وأجساد أبنائه تبركاً، وهذا لا يجوز، بل هو بدعة لا أصل له في الشرع، وربما اعتقد بعض العامة أنها تضر وتنفع ولذا تراهم يتبركون ويتمسحون بها، وهذا خطأ فادح، وفعل شنيع، ووسيلة إلى الشرك بالله تعالى، ويجب تنبيه من فعل ذلك، وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبلتك" رواه البخاري (1494) ومسلم (2228).
والسنَّة هي استلام الحجر وتقبيله فقط إن تيسر ذلك، وإلا فإنه يشير إليها إشارة بعصا أو بيده .يقول العلامة ابن باز رحمه الله: "يُشرع للطائف استلام الحجر الأسود، والركن اليماني في كل شوط، كما يستحب له تقبيل الحجر الأسود واستلامه بيده اليمنى إذا تيسر ذلك بدون مشقة، أما مع المشقة والزحام فيُكره، ويشرع أن يشير إلى الحجر الأسود بيده أو بعصا ويكبر، أما الركن اليماني فلم يرد فيه فيما نعلم دليل يدل على الإشارة إليه، وإن استلم الحجر الأسود بيده أو بعصا قبّله تأسياً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذا لم يتيسر تقبيله مباشرة"
.
تاسعاً: استلام جميع أركان الكعبة وربما جميع جدرانها، والتمسح بها: وليس ذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لم يستلم من الكعبة سوى الحَجَر الأسود، والركن اليماني.
عاشراً: تخصيص كل شوط من أشواط الطواف بدعاء خاص: إذ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أنه كان يكبِّر كلما أتى على الحجر الأسود، ويقول بينه وبين الركن اليماني في آخر كل شوط: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)). فالدعاء والذكر مندوب أثناء الطواف ، ويدعو كل إنسان بحاجته وما يفتح الله عليه. قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : " ليس فيه ـ يعني الطواف ـ ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا أصل له ".
حادي عشر: رفع الصوت في الطواف من بعض الطائفين أو المطوِّفين رفعاً يحصل به التشويش على الطائفين، ويذهب بسببه السكينة والوقار والخشوع. واجتماع بعض الناس على قائد يلقنهم الدعاء، فهذا خلاف السنة، وتشويش على الطائفين.
ثاني عشر: أن بعض الناس لا يلتزم بجعل الكعبة عن يساره: فتجده يطوف معه نساؤه وقد وضع يده مع زميله لحماية النساء، فتجده يطوف والكعبة خلف ظهره، وزميله الآخر يطوف والكعبة بين يديه، وهذا خطأ أيضاً، لأن أهل العلم يقولون: شرط صحة الطواف أن يجعل الكعبة عن يساره، فإذا جعلها خلف ظهره، أو جعلها أمامه، أو جعلها يمينه وعكس الطواف؛ فكل هذا طواف لا يصح.
والواجب على الإنسان أن يعتني بهذا الأمر، وأن يحرص على أن تكون الكعبة عن يساره في جميع طوافه.
ومن الناس من يتكيف في طوافه حال الزحام، فيجعل الكعبة خلف ظهره أو أمامه لبضع خطوات من أجل الزحام، وهذا خطأ، والواجب على المرء أن يحتاط لدينه، وأن يعرف حدود الله تعالى في العبادة قبل أن يتلبس بها، حتى يعبد الله تعالى على بصيرة.
ثالث عشر: التمسح بالمقام وتقبيله رجاء بركته. وهذا خطأ، والصواب أن المقام لا يُتمسح به ولا يقبّل ؛ لأن هذا لم يرد على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد تقبيل شيء غير الحجر الأسود أثناء الطواف وبعده.
رابع عشر: انصراف البعض من الطواف قبل خطوات يسيرة من الوصول إلى الحجر الأسود، والواجب عليه التيقن من إتمام الطواف، لأن ترك جزء من الشوط يبطله.
مخالفات نسائية في الطواف:
ما ذكرناه سابقاً من الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج أو المعتمرين يشترك فيها الرجال والنساء، لكن ثمة أخطاء تقع فيها بعض النساء بخاصة، ومن ذلك:
أولاً: كشف المرأة وجهها في الطواف أو عند تقبيل الحجَر: معللة ذلك بأن المرأة المحرمة لا يجوز لها أن تغطي وجهها، والصواب أن المرأة المحرمة لا تستر وجهها إذا لم تكن بحضرة الرجال الأجانب، أما إذا وجد الرجال الأجانب - ولا يخلو غالباً الحرم من ذلك -؛ فيجب عليها ستر وجهها بالخمار ونحوه كما لو كانت غير محرمة.
ثالثاً: لبس النقاب والقفازين: والنقاب هو الذي يوضع على الوجه، ويكون فيه نقب للعينين، والقفازان هما اللذان يلبسان في اليد، والصواب أن المرأة المحرمة يحرم عليها أن تلبسهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة عن لبسهما حال الإحرام، بقوله: ((ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين)) رواه البخاري (1838).
رابعاً: بعض النساء يطفن حول الكعبة وهن حيِّض، ولا يخبرن أهلهن حياء: وهذا يترتب عليه دخول المرأة المسجد، وطوافها بالبيت وهي حائض، وهذا لا يحل للمرأة، وعليها التوبة والاستغفار، والصواب أن المرأة إذا حاضت لا تدخل المسجد، ولا تطوف بالبيت حتى تطهر. فإن فعلت فعليها التوبة والاستغفار وإعادة الطواف إذا كان ركناً أو واجباً.
خامساً: طواف المرأة بالزينة والروائح النفاثة وعدم التستر: وهذا من المنكرات العظيمة، والواجب على المرأة أن تستتر، وألا تظهر زينتها، وعليها أن تحرم في ملابس غير لافتة للنظر، وغير جميلة، بل عادية ليس فيها فتنة؛ لأنها تختلط بالناس، وأما الطيب فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة إذا خرجت مستعطرة ليجد الرجال ريحها فهي زانية، وأخبر بأن طيب النساء ما ظهر لونه، وخفي ريحه.
سادساً: رفع النساء أصواتهن بالدعاء: والمرأة مأمورة بأن تسر بالدعاء، فلا تسمع إلا نفسها؛ لأن صوتها عورة، وفيه فتنة للرجال.
سابعاً: مزاحمة النساء للرجال: مع العلم بأنه لا يجوز للنساء مزاحمة الرجال، بل يطفن من ورائهم، وهذا خير لهن، وأعظم أجراً من الطواف قرب الكعبة مع مزاحمتهن الرجال.
فهذه بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج والمعتمرين في الطواف سوءاً كان الطواف طواف قدوم، أو إفاضة، أو وداع، أو طواف نفل وتطوع. فليحذرها المسلم وليبتعد عنها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
موقع مناسك
فتاوى ابن جبرين في الحج (ج3/ص18).