الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالطواف أحد أعمال الحج التي ينبغي القيام بها، وهو من العبادات العظيمة الجليلة التي حثَّ عليها القرآن، فقال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (سورة الحج:29)، ولهذا السبب كان لابد من معرفة أنواع الطواف، وما يتعلق بكل واحد منها من الأحكام:
أنواع الطواف:
للطواف ثلاثة أنواع هي:
1- طواف القدوم .
2- طواف الإفاضة.
3- طواف الوداع.
ولكل واحد منها أحكام، وسوف نتحدث هنا عن طواف الإفاضة الذي يعتبر ركناً من أركان الحج:
طواف الإفاضة:
وله عدة أسماء: طواف الحج، وطواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وطواف الفرض، وطواف الركن، وطواف الصَدَر.
حكمه:
أجمع العلماء رحمهم الله على أنه ركن من أركان الحج، لا يصح الحج إلا به استناداً إلى قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (سورة الحج:29)، وقد أجمعوا على أن المراد بهذا الطواف: طواف الإفاضة، وحديث عائشة رضي الله عنها ( أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه و سلم حاضت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أحابستنا هي ؟ قالوا : إنها قد أفاضت . قال : فلا إذا ) ( رواه البخاري 1670 ). ونقل الإجماع على فرضية هذا الطواف غير واحد من أهل العلم رحمهم الله منهم الكاساني، وابن قدامة المقدسي، والنووي، وابن المنذر
.
ومن نسيه أو تركه لزمه أن يرجع لأدائه ولو وصل إلى أقاصي الأرض شرقاً أو غرباً، فلا يتم الحج ولا التحلل الأكبر إلا به.
بداية وقت طواف الإفاضة:
طواف الإفاضة له وقت فضيلة، ووقت جواز:
فأما وقت الفضيلة: فهو يوم النحر أول النهار بعد رمي جمرة العقبة والنحر والحلق، موافقة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم. لما رواه مسلم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى، قال نافع: فكان ابن عمر يفيض يوم النحر، ثم يرجع فيصلي الظهر بمنى، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعَله. رواه مسلم (3225)، قال النووي رحمه الله: "في هذا الحديث إثبات طواف الإفاضة، وأنه يستحب فعله يوم النحر أول النهار... واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق"
.
أما وقت الجواز: فقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في أول وقته ( ابتدائه ) على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن ابتداء وقته من طلوع الفجر الثاني من يوم النحر وهو قول الحنفية، والمشهور من مذهب المالكية، ورواية عند الحنابلة
، واستدلوا: بفعله صلى الله عليه وسلم مع قوله: ((لتأخذوا مناسككم)) رواه مسلم (1297)، وقد طاف صلى الله عليه وسلم طواف الإفاضة يوم النحر في النهار ولم يطف ليلة النحر، والنهار يبتدئ من طلوع الفجر، والليالي تابعة للأيام السابقة لا اللاحقة، فتكون ليلة النحر وقت ركن آخر وهو الوقوف بعرفة، ولا تكون وقتاً للطواف، لأن الوقت الواحد لا يكون وقتاً لركنين.
وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عندها
، ووجه الدلالة: أن طوافها كان بعد طلوع الفجر، لأنها رمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت إلى مكة.
القول الثاني: أن ابتداء وقته من بعد منتصف ليلة النحر، وبه قال الشافعية، والمشهور عن الحنابلة، وهو اختيار العلامة ابن باز
رحمه الله، واستدلوا: بحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم، والذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت... إلخ، ووجه الدلالة لهم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل بها في ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، قالوا: وهذا كله في الليل قبل الفجر.
واستدلوا بأدلة جواز الدفع من مزدلفة قبل فجر يوم النحر، والتي منها عن عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي، فصلت، ثم قالت: يا بنيّ هل غاب القمر؟ قلت: لا، ثم صلت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر، فقلت: نعم، قالت: فارتحلوا، فارتحلنا فمضينا، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت: يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا، قالت: يا بني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن للظعن. رواه البخاري (1595)، ووجه الدلالة: جواز الدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل، وإذا جاز الدفع منها جاز الرمي والطواف.
القول الثالث: أن ابتداء وقته من بعد طلوع شمس يوم النحر، وهو قول عند مالك .
وفي رواية ضعيفة عند بعض المالكية أن طواف الدخول ( القدوم ) إذا وُصِل بالسعي يجزئ عن طواف الإفاضة لمن تركه جاهلا أو ناسياً ولم يؤده حتى رجع إلى بلده، وعليه الهدي. وهذا قول ضعيف مرجوح. قال ابن عبد البر: ولا أعلم أحداً قال بهذا القول غير مالك ومن تبعه من أصحابه. على أن تحصيل مذهبه عند أكثر أصحابه انه لا يجزئ عن طواف الإفاضة إلا ما كان بعد الوقوف بعرفة قبل الجمرة أو بعدها ... وجمهور العلماء على أن طواف القدوم لا يجزئ عن طواف الإفاضة."
وقال رحمه الله: " وقال أهل المدينة من أصحاب مالك وهو قول سائر الفقهاء لا يجزئ طواف الدخول ولا ينوب عن طواف الإفاضة بحال من الأحوال، وإنما يجزئ عندهم طواف الإفاضة، كل طواف يعمله الحاج يوم النحر أو بعده في حجته، وأما كل طواف يطوفه قبل يوم النحر فلا يجزئ عن طواف الإفاضة.
وهو قول إسماعيل بن إسحاق وأبي الفرج وجمهور أهل العلم.
قال أبو عمر: وذلك والله أعلم لقول الله عز وجل { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } [ الحج 29 ]
فأمر الله عز وجل بالطواف بالبيت بعد قضاء التفث وذلك طواف يوم النحر بعد الوقوف بعرفة"
نهاية وقت طواف الإفاضة:
لم يرد نص في نهاية وقت طواف الإفاضة، وجمهور العلماء على أنه لا آخر لوقته، بل يبقى وقته ما دام صاحب النسك حياً، لكن العلماء اختلفوا في لزوم الدم بالتأخير، أو عدم لزومه إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه لا يلزم بالتأخير دم مطلقاً، ففي أي وقت أتى به أجزأه، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، قال النووي رحمه الله: " ذكرنا أن مذهبنا أن طواف الإفاضة لا آخر لوقته بل يبقى ما دام حيا ولا يلزمه بتأخيره دم قال ابن المنذر ولا أعلم خلافا بينهم في أن من أخره وفعله في أيام التشريق أجزأه ولا دم فان أخره عن أيام التشريق فقد قال جمهور العلماء كمذهبنا لادم . ممن قاله عطاء وعمرو بن دينار وابن عيينة وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد وابن المنذر وهو رواية عن مالك. وقال أبو حنيفة إن رجع إلى وطنه قبل الطواف لزمه العود للطواف فيطوف وعليه دم للتأخير وهو الرواية المشهورة عن مالك. ودليلنا أن الاصل عدم الدم حتى يرد الشرع به والله أعلم. "
واختار هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله فقال: "لا دليل لمن قال بعدم جواز تأخير طواف الإفاضة عن ذي الحجة، والصواب جواز التأخير، ولكن الأولى المبادرة به"
.
القول الثاني: أن تأخيره عن أيام التشريق يجب فيه دم، وهو مذهب الحنفية
. لأنه نسك يفعل في الحج، فكان آخره محدوداً بنهاية أيام النحر.
القول الثالث: أنه لا يجب الدم إلا إذا أخره عن شهر ذي الحجة وهذا هو المشهور عن المالكية
،
واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عدم جواز تأخير الطواف عن شهر ذي الحجة،حيث قال: "الصواب أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة إلا إذا كان هناك عذر كمرض لا يستطيع معه الطواف لا ماشياً، ولا محمولاً، أو امرأة نفست قبل أن تطوف طواف الإفاضة؛ فهنا ستبقى لمدة شهر أو أكثر، أما إذا كان لغير عذر فإنه لا يحل له أن يؤخره، بل يجب أن يبادر به قبل أن ينتهي شهر ذي الحجة"
.
جمع طواف الإفاضة مع طواف الوداع:
إذا أخَّر الحاج طواف الإفاضة إلى الوداع فهل يطوف طوافاً واحداً أم يلزمه طوافان؟
اختلف الفقهاء في جمع طواف الإفاضة مع الوداع، وخلافهم مبنيٌ على: هل طواف الوداع مقصود لذاته؛ فيجب الإتيان به، أو ليس مقصوداً لذاته فيكفيه أن يؤخر الإفاضة إلى وداعه، فالمسألة على أقوال:
القول الأول: تأخير طواف الإفاضة لا يجزئ عن طواف الوداع، بل يلزمه طوافان؛ وهو مذهب الحنفية، والشافعية، وقول في مذهب الحنابلة
.
القول الثاني: أن تأخير طواف الإفاضة إلى الوداع يجزئ عن الوداع؛ فيكتفي بطواف واحد وهو مذهب المالكية، والمشهور من مذهب الحنابلة، وهو ترجيح الشيخ ابن باز رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله
بشرط أن تكون نيته طواف الإفاضة لا الوداع، وذلك لأن طواف الوداع ليس مقصوداً لذاته.
طواف الإفاضة للمرأة الحائض والنفساء:
اتفق الفقهاء على أن الحائض لا تطوف بالبيت، والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي)) رواه البخاري (5559) ومسلم (1211)، فإذا حاضت المرأة أو نفست بعد أن تطوف طواف الإفاضة، فلا شيء عليها ، ويسقط عنها طواف الوداع ، لما جاء من حديث عائشة المتقدم ( لما حاضت صفية رضي الله عنها قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: " أحابستنا هي؟ " فقالوا : إنها قد أفاضت. قال: " فلا إذاً " رواه البخاري ومسلم.
أما إذا حاضت أو نفست قبل أن تطوف للإفاضة: فعليها عند جمهور العلماء، أن تبقى في مكة حتى تطهر وتطوف، فإن شق عليها البقاء لعدم وجود نفقة أو محرم أو رفقة، فتعود إلى بلدها من غير أن تطوف ، وتبقى على إحرامها ، ولا يقربها زوجها، حتى تطهر وتعود إلى مكة وتطوف طواف الإفاضة وتتحلل بذلك التحلل الأكبر.
ولكن إذا اضطرت للطواف: ولا يمكنها البقاء في مكة حتى تطهر وتطوف، ولا يمكنها العودة أو يشق عليها ذلك مشقة زائدة. فقد اختلفوا في ذلك. هل يصح منها الطواف أم لا؟ على أقوال كما يلي:
القول الأول: إذا اشترطت في ابتداء إحرامها أن محلها حيث حبسها حابس، فلها ما اشترطت ولها التحلل ولا قضاء عليها ولا هدي.
القول الثاني: أنها تتحلل كما يتحلل المحصر، لأن خوفها منعها من المقام بمكة حتى تطوف، كما لو كان بمكة عدو منعها من الطواف. والجمهور على عدم جواز التحلل بغير حصر العدو.
القول الثالث: وهو الراجح والله أعلم، أنها تغتسل وتتحفظ حفاظاً محكماً ، وتتحرز مما يلوث المسجد، وتطوف على حالها. وتسعى بين الصفا والمروة إن لم تكن قد سعت. وهذا قول الأحناف والحنابلة. واختيار شيخ الإسلام وابن باز وابن عثيمين وغيرهم. ولكن هل يلزمها شيء بذلك؟
- عند الأحناف يلزمها بدنة، إذ إن الطهارة للطواف ليست شرطاً بل هي واجبة، فمن طاف محدثاً أجزأه، وعليه بدنة للجنابة ، وشاة للحدث الأصغر.
- وفي رواية عند الإمام أحمد أنه يجوز منها وتجبره بدم.
- واختار شيخ الإسلام صحة الطواف منها ومن كل معذور، وأنه لا دم على واحد منهما. وهو اختيار الشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله. قال ابن تيمية رحمه الله: " وإذا دار الأمر بين أن تطوف طواف الإفاضة مع الحدث، وبين أن لا تطوفه، كان أن تطوفه مع الحدث أولى، فإن في اشتراط الطهارة نزاعا معروفا، .......وحينئذ فهذه المحتاجة إلى الطواف أكثر ما يقال: إنه يلزمها دم، كما هو قول أبي حنيفة، وأحد القولين في مذهب أحمد، فإن الدم يلزمها بدون العذر على قول من يجعل الطهارة واجبة، وأما مع العجز فإذا قيل بوجوب ذلك، فهذا غاية ما يقال فيها، وإلا قيس أنه لا دم عليها عند الضرورة......... وقد تبين بهذا أن المضطرة إلى الطواف مع الحيض لما كان في علماء المسلمين من يفتيها بالإجزاء مع الدم، وإن لم تكن مضطرة، لم تكن الأمة مجمعة على أنه لا يجزئها إلا الطواف مع الطهر مطلقا، وحينئذ فليس مع المنازع القائل بذلك لا نص، ولا إجماع، ولا قياس." وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " الواجب على من حاضت قبل طواف الإفاضة أن تنتظر هي ومحرمها حتى تطهر، ثم تطوف الإفاضة، فإن لم تقدر جاز لها السفر، ثم تعود لأداء الطواف، فإن كانت لا تستطيع العودة وهي من سكان المناطق البعيدة كأندونيسيا، أو المغرب، وأشباه ذلك؛ جاز لها على الصحيح أن تتحفظ، وتطوف بنية الحج، و أجزأها ذلك عند جمع من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم رحمهما الله وآخرون من أهل العلم". وقال ابن عثيمين رحمه الله: " ولهذا كان القول الراجح أن المرأة إذا اضطرت إلى طواف الإفاضة في حال حيضها كان ذلك جائزاً، لكن تتوقى ما يخشى منه تنجيس المسجد بأن تستثفر، أي: تجعل ما يحفظ فرجها؛ لئلا يسيل الدم فيلوث المسجد. وهذا الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل وأتبع للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، لكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام، مثل لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط ففيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيها النص ظهوراً بيناً، فإنه لا ينبغي أن نلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ."
شروط الطواف :
هناك بعض الشروط يذكرها الفقهاء باتفاق، وهي شروط عامة لكل عبادة فليست خاصة بالطواف وهي:
1- الإسلام: فهو شرط أساس لكل عمل، فلا يصح العمل بلا إسلام.
2- النية: فهي شرطٌ أساسي في كل عبادة؛ فلا يصح الطواف بلا نية.
وهناك شروط أخرى في بعضها خلاف، وهي:
1- الطهارة من الحدث الأصغر: حيث اتفق العلماء على مشروعية الطهارة في الطواف، واختلفوا هل هو شرط أم لا؟ فذهب مالك والشافعي وجمهور أهل العلم إلى أنه شرط لصحة الطواف، وهو المشهور من مذهب أحمد. وذهب أبو حنيفة إلى أنه واجب وليس بشرط، وهي رواية عن أحمد. ورجح ابن تيمية عدم اشتراط الطهارة للطواف، ورجح الشيخ ابن باز رحمه الله لزوم الطهارة في الطواف، وأما الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقد رجح أن الطهارة ليست بشرط، وقال"هذا الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل وأتبع للنبي صلّى الله عليه وسلّم"
.
2- ستر العورة: وهو شرط لحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه في الحجة التي أمَّره عليها قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. رواه البخاري (1622).
3- العقل: وقد اتفق الجمهور على صحة أفعال الحج من المجنون وغير المميز، وقالوا: ينوي عنه وليه.
4- أن يكون الطواف داخل المسجد: فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يصح الطواف خارج المسجد، وقال النووي رحمه الله: "واتفقوا على أنه لو طاف خارج المسجد لم يصح طوافه بحال"، ويستثنى من ذلك الضرورة؛ فلو اشتد الزحام حتى لم يستطع الطواف إلا خارج المسجد جاز ذلك.
5- أن يكون الطواف حول البيت كله: قال ابن عبد البر: "أجمع العلماء أن كل من طاف بالبيت لزمه أن يدخل الحجر في طوافه، واختلفوا فيمن لم يدخل الحجر في طوافه، فالذي عليه جمهور أهل العلم أن ذلك لا يجزئ، وأن فاعل ذلك في حكم من لم يطف الطواف كاملاً، وأن من لم يطف الطواف الواجب كاملاً يرجع من طوافه حتى يطوفه وهو طواف الإفاضة، وممن قال ذلك الشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وداود، وهو قول بن عباس وعطاء، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: الحجر من البيت {وليطوفوا بالبيت العتيق} (الحج:29)، ويقول: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر، وقال أبو حنيفة: من سلك في الحجر ولم يطف من ورائه، وذكر ذلك وهو بمكة؛ أعاد الطواف، فإن كان شوطاً قضاه، وإن كان أكثر قضى ما بقي عليه من ذلك، فإن خرج من مكة وانصرف إلى الكوفة؛ فعليه دم، وحجة تام"
.
6- إكمال سبعة أشواط: حيث قد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم على أن الطواف سبعة أشواط، ولكن حدث خلاف بين الفقهاء: هل إكمال الأشواط السبعة شرط أم واجب، على قولين:
القول الأول: أن إكمال سبعة أشواطٍ واجب وليس بشرط؛ وهو مذهب الحنفية؛ وعلى هذا القول فإن من لم يكمل سبعة أشواط على حالتين:
الأولى: أن يكون بمكة ولم يخرج منها؛ فيلزمه الإتمام.
الثانية: أن يكون قد خرج من مكة فهذه على حالين:
- أنه لم يطف إلا ثلاثة أشواط فيلزمه العودة.
- طاف أربعة أشواط فأكثر أجزأه طوافه، ولا يلزمه العودة، وعليه دم.
القول الثاني: أن إكمال سبعة أشواط شرط لصحة الطواف؛ وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة؛ وجمهور أهل العلم. فيفسد الطواف ولو بترك شوطٍ واحدٍ، ويعود له من بلده.
وهو الراجح .
7- الابتداء من الحجر الأسود: واختلف الفقهاء في الابتداء من الحجر الأسود هل هو شرط لصحة الطواف؛ وعلى هذا لا يعتد بالشوط الذي طافه من ابتدأ بعد الحجر، أو أن ما طافه صحيح، وأن الابتداء من الحجر ليس شرطاً؛ فالمسألة على أقوال:
القول الأول: أن الابتداء من الحَجَر سنة، وهو المشهور من مذهب الحنفية.
القول الثاني: أن الابتداء من الحجر واجب؛ وعلى من ابتدأ من غير الحجر الإعادة أو دم؛ وهو قول في مذهب الحنفية، وهو مذهب المالكية.
القول الثالث: أن الابتداء من الحجر شرطٌ لصحة الطواف؛ وعلى هذا يجب عليه الإعادة، ولا يعتد بما طاف؛ وهو مذهب الشافعية، والحنابلة.
8- الترتيب: والمراد بالترتيب هنا أن يجعل البيت عن يساره ثم يطوف، فإن نكّسه ، فلا يعتد بطوافه عند جمهور أهل العلم.
9- الموالاة: واتفق الفقهاء على أن الفاصل اليسير كأداء الصلاة لا يؤثر في الطواف، فإن أقيمت الصلاة فإنه يصلي ثم يبني. وإنما اختلفوا إذا طال الفاصل؛ فهل يعتد بما طاف أو يستأنف؛ على قولين:
القول الأول: أن الموالاة سنة؛ وهو مذهب الحنفية، وهو المشهور من مذهب الشافعية، والحنابلة.
القول الثاني: أن الموالاة شرط لصحة الطواف؛ وهو مذهب المالكية، وقول في مذهب الشافعية، وهو المشهور من مذهب الحنابلة.
10- المشي على القادر: قال الماوردي: "طواف الماشي أولى وأفضل من طواف الراكب، وهذا مما لا يعرف خلاف فيه"
. قال في المغني: ولا خلاف في أن الطواف راجلا أفضل ؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم طافوا مشيا ، والنبي صلى الله عليه وسلم في غير حجة الوداع طاف مشيا ، وفي قول أم سلمة : { شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني أشتكي ، فقال : طوفي من وراء الناس ، وأنت راكبة } .دليل على أن الطواف إنما يكون مشيا ، وإنما طاف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا لعذر ، فإن ابن عباس روى { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون : هذا محمد هذا محمد .حتى خرج العواتق من البيوت ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه ، فلما كثروا عليه ركب } .رواه مسلم .وكذلك في حديث جابر ، فإن الناس غشوه .
وروي عن ابن عباس ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ؛ لشكاة به } .وبهذا يعتذر من منع الطواف راكبا عن طواف النبي صلى الله عليه وسلم والحديث الأول أثبت .فعلى هذا يكون كثرة الناس ، وشدة الزحام عذرا .ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصد تعليم الناس مناسكهم ، فلم يتمكن منه إلا بالركوب ، والله أعلم .
فإن طاف راكباً لغير عذر،
- فأشهر الروايات عن أحمد أنه لا يجزئه، قال في المغني: فأما الطواف راكبا أو محمولا لغير عذر ، فمفهوم كلام الخرقي أنه لا يجزئ . وهو إحدى الروايات عن أحمد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم { قال : الطواف بالبيت صلاة } .ولأنها عبادة تتعلق بالبيت ، فلم يجز فعلها راكبا لغير عذر ، كالصلاة .
- وعند مالك أبي حنيفة يجزئه ويجبره بدم.
وعند الشافعي يجزئه ولا شيء عليه.واختاره ابن المنذر لما روى جابر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس ويسألوه ) رواه مسلم. وحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم (طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن) رواه البخاري ومسلم .قال ابن المنذر : لا قول لأحد مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم . ولأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقا ، فكيفما أتى به أجزأه ، ولا يجوز تقييد المطلق بغير دليل . قال النووي: الافضل أن يطوف ماشيا ولا يركب إلا لعذر مرض أو نحوه أو كان ممن يحتاج الناس إلى ظهوره ليستفتى ويقتدى بفعله فان طاف راكبا بلا عذر جاز بلا كراهة لكنه خالف الأولى كذا قاله جمهور أصحابنا وكذا نقله الرافعي عن الأصحاب.
موقع مناسك