بتـــــاريخ : 11/3/2010 4:34:12 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1545 0


    الحج المبرور

    الناقل : SunSet | العمر :36 | الكاتب الأصلى : الشيخ عبدالباري الثبيتي | المصدر : www.mnask.com

    كلمات مفتاحية  :

     

    الحمد لله، الحمد لله الذي أمرنا بطاعته، ونهانا عن معصيته، وعد الصالحين جنته ومستقر رحمته، وتوعد العصاة بدار نقمته وزوال نعمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له السيد المطاع، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله إلى خير أمة وأسمى، اللهم صلّ وسلم على سيدنا ونبينا محمد النبي المختار، وعلى آله وصحابته وأتباعه الأبرار. 

     

    أما بعد:

     

    فاتقوا الله حقَّ التقوى، وراقبوه في السرّ والنجوى، قال تعالى: }يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{[آل عمران:102].

     

    خرجتْ هذه الجموعُ في موسم الحج تلبيةً لدعوة إبراهيمَ عليه السلام منذ آلاف الأعوام إلى أن يرث الله الأرضَ ومن عليها ملبِّين ضارعين مكبِّرين مهللين.

     

    بنظرةٍ واحدة إلى الجموع المؤمنة والحجيج الخشَّعِ المتجِّمعين من كل حدبٍ وصوب تتجلى حقيقة، حقيقةُ أنَّ هذه الأمةَ مهما بلغَ الكيد لها والمكر بها فإنها أمةٌ خالدة بخلودِ رسالتها وكتابِها، باقيةٌ ما بقي الليل والنهار.

     

    إن الوافدَ إلى بيتِ الله قد تكفَّل الله بحفظِه وسلامته، قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث في ضمانِ الله: رجلٌ خرج إلى مسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازياً في سبيل الله، ورجل خرج حاجًّا)) أخرجه الحميدي في مسنده.

     

    أخي الحاج، إنَّ لك في كلِّ خطوةٍ تخطوها أجراً لا يجلِّيه إلا قولُ المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((ما ترفعُ إبلُ الحاجّ رجلا ولا تضع يداً إلا كتب الله تعالى بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفعه بها درجة)) أخرجه البيهقي.

     

    وحين تنطقُ بنداءِ التوحد: "لبيك اللهم لبيك" فإنَّ الكونَ كلَّه معك يردِّد توحيدَ الخالق ويسبِّح بحمده، تلبِّي الأحجار ويهتف المدر والأشجار، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلمٍ يلبِّي إلاّ لبَّى من عن يمنيه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرضُ من ها هنا وها هنا)) أخرجه الترمذي.

     

    إذا سمع الحاجُّ حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري ومسلم: ((الحجُّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) تشتاق نفسُه لهذا الأجر العظيم والفضل الجزيل، فيتساءل: كيفَ يحقِّق الحجَّ المبرور؟ قال ابن عمر رضي الله عنهما لمجاهد حين قال: ما أكثر الحاج!! قال: (ما أقلَّهم ولكن قل: ما أكثر الركب).

     

    أخي الحاج، الحجُّ المبرورُ يتطلَّب إخلاصاً لله، فمن خرج من بيته متطلِّعاً إلى المدح والثناء والسمعةِ والمباهاة هبط عمله وضلَّ سعيُه، قال تعالى في الحديث القدسي: ((من عمل عملا أشرك فيه معيَ غيري تركتُه وشركَه)) أخرجه مسلم. وكان صلى الله عليه وسلم يحذِّر من ضدِّ ذلك فيدعو مستعيناً بربِّه قائلاً: ((اللهم حجةً لا رياء فيها ولا سمعة)) أخرجه ابن ماجه من حديث أنس بن مالك.

     

    المتلبِّسُ بالحجّ يكون في غايةِ الذلّ بين يدي الله، مطهّراً قلبَه من آفة العجب بالعمل، بل إنَّه يرى عملَه مهما عظُم صغيراً جداً أمام أنعم الله عليه من النعم.

     

    تقام شعائرُ الحجِّ في مشاعر عظيمة وأماكن لها قدسيتُها، ومن برِّ الحج احترامُها فضلاً عن الفساد أو مقارفة شيء منها. وإنَّ من الفظاعة وسوء الحال أن يستغلَّ أصحابُ النوايا السيئةِ هذه المناسبةَ العظيمة، ويتدثَّر بقدسيتِها، فيقدَم إلى بلاد الحرمين لممارسةِ نوازِعهم المدمِّرة، في تهريب السّموم الفتاكة، ونشْر المعتقدات الفاسدة، وترويج الأفكار المضلِّلة، ونهب الأموال، قال تعالى: }وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{[الحج:25].

     

    من برِّ الحج الاجتهادُ في موافقته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيما قلَّ أو كثر، وعدم مخالفته لشيء من سنته عليه الصلاة والسلام، وقد نُقلت سنته لأمتِه في كلِّ موقف وقول، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذُوا عنِّي مناسككم)). والتساهل في السنن قد يؤدِّي إلى التسَاهل في الواجبات والأركان، وقد تتوالى الأخطاءُ التي قد تفسِد الحجَّ أحياناً، والخيرُ كلُّ الخير في تعلُّم هدي الرسول صلى الله عليه وسلم.

     

    ومن برِّ الحجّ التسليمُ للشارع، والانقياد لأوامر الله ورسوله، وحسن الاتباع فيما لم يُكشف عن معانيه ولو لم تُعلم الحكمة فيه، ها هو الفاروق عمر رضي الله عنه يقبِّل الحجرَ الأسود ويقول: (أما والله، إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك) فاستلمه. أخرجه البخاري.

     

    مال الحجّ المبرور يجبُ أن يكون حلالاً طيباً، لأنَّ النفقةَ الحرام من موانع الإجابة، وفي الطبراني مرفوعاً: ((إذا خرج الرجلُ حاجاً بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادُك حلال، وراحلتك حلال، وحجُّك مبرور. وإذا خرجَ بالنفقة الخبيثة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا وسعديك، زادُك حرام، ونفقتُك حرام، وحجّك غير مبرور)).

     

    أيامُ الحجِّ المبرور تُحيَى بذكر الله، وتُضاء بتلاوةِ آياتِ الله، وتطهَّر بالاستغفار وبذل المعروف والدعوة إلى الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: ((الغازي في سبيل الله والحاجُّ والمعتمر وفدُ الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)) أخرجه ابن ماجه، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجّ المبرور فقال: ((إطعام الطعام وإفشاء السلام)) أخرجه أحمد.

     

    ملء الأوقاتِ بالطاعات تحصّنُ الحجَّ من الآفات المهلِكة ولصوصِ الحسنات، وتزيد الحجَّ برًّا، فالأيامُ فاضلة، وتلك البقاع مفضَّلة، وفيها تتضاعف الأجور، وقد كان سلفُنا الصالح إذا تلبَّسوا بهذه العبادة عطَّروا أوقاتَها بذكر وتسبيحٍ وتهليل وتحميد.

     

    سمة الحاجِّ في هذه البقاع العظيمة السكينةُ والطمأنينة وسلوكُ أدبِ هذه الشعيرة بخفض الصوت وعدم الإزعاج وأذية المسلمين، والهدوء في العبادة والدعاء.

     

    التلبية في الحجِّ المبرور ذكرٌ لا ينقطع، فلها معانٍ لو استقرت في سويداء القلب فإنها تصبغ حياتَك ـ أيها المسلم ـ وتقوِّم مسيرتَك وتهذِّب سيرتَك، إنها أعلان العبوديةِ والطاعةِ والتذلّل. لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.

     

    الصحبةُ الطيبة في الحجّ تقوِّيك إذا ضعفت، تذكّرك إذا نسيتَ، تدلّك على طريق الخير وتحذّرك طريقَ الشر.

     

    من رام حجاً مبروراً امتثلَ قولَه صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري: ((من حجَّ لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدتْه أمّه)). نعم، من تطلَّع إلى حجّ مبرور أدَّب جوارحَه فلا تنظر العين نظرة فاحشة، ولا ينطِق اللسان بألفاظ طائشة، ولا تمتدّ اليد بأذًى إلى أحد، ولا ينطوي القلبُ على بغضاء أو حسد.

     

    حجّ مبرور يوقَّر فيه الكبير، ويُرحم الصغير، ويُواسي الضعيف، ويحافَظ فيه على نظافة البدن والثوب والمكان، قال تعالى: }إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهّرِينَ{[البقرة:222].

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

     

    الخطبة الثانية:

    الحمد لله وفَّق من شاء إلى حجِّ بيته الحرام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام.

    أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.

     

    لله تعالى في بعض الأيّام المباركة نفحاتٌ ينالها الموفَّقون من عباد الله، ومن تلك الأيام أيامُ عشر ذي الحجة، روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما العملُ في أيامٍ أفضَل منها في هذه))، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ((ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطرُ بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)) أخرجه البخاري.

     

    كان السلفُ إذا دخلت أيامُ العشر من ذي الحجّة يجدّون في البرّ والطاعة، ويكثرون من الذكر والدعاء وتعظيم الله.

     

    ومما هو مشروع في هذه الأيام الإكثار من صلاة النافلة والتهليلِ والتكبير والتحميد وقراءة القرآن والصدقة على الفقراء والمساكين وإغاثة الملهوفين وبرّ الوالدين وقيام الليل وغير ذلك من الأعمال الصالحة.

    ومن ذلك صومُ غير الحاجّ ما تيسر له من أيام العشر، خاصة يوم عرفة لما في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلمأنه قال: ((أحتسب على الله أن يكفِّر السنةَ التي قبله والسنة التي بعده)).

     

    ومما يُشرع تكبيرُ الله تعالى وتعظيمه، ويكون التكبير المطلَق في جميع الأوقات من ليل أو نهارٍ إلى صلاة العيد، أما التكبيرُ المقيَّد فهو الذي يكون بعد الصلوات المكتوبةِ التي تصلَّى في جماعة، ويبدأ لغير الحاجّ من فجر يومِ عرفة، وللحاجّ من طهر يوم النحر، ويستمرّ إلى صلاة عصرِ آخر أيام التشريق.

    ومما يشرع إعدادُ الأضحية، ومن أراد أن يضحِّي ودخل شهر ذو الحجة فلا يحلّ له أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره حتى يذبحَ أضحيتَه، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحّي فليمسِك عن شعره وأظفاره)).

     

    ألا وصلّوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: }إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً{[الأحزاب:56].

     

    اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين ...

     

    الحمد لله، الحمد لله الذي أمرنا بطاعته، ونهانا عن معصيته، وعد الصالحين جنته ومستقر رحمته، وتوعد العصاة بدار نقمته وزوال نعمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له السيد المطاع، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله إلى خير أمة وأسمى، اللهم صلّ وسلم على سيدنا ونبينا محمد النبي المختار، وعلى آله وصحابته وأتباعه الأبرار. 

     

    أما بعد:

     

    فاتقوا الله حقَّ التقوى، وراقبوه في السرّ والنجوى، قال تعالى: }يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{[آل عمران:102].

     

    خرجتْ هذه الجموعُ في موسم الحج تلبيةً لدعوة إبراهيمَ عليه السلام منذ آلاف الأعوام إلى أن يرث الله الأرضَ ومن عليها ملبِّين ضارعين مكبِّرين مهللين.

     

    بنظرةٍ واحدة إلى الجموع المؤمنة والحجيج الخشَّعِ المتجِّمعين من كل حدبٍ وصوب تتجلى حقيقة، حقيقةُ أنَّ هذه الأمةَ مهما بلغَ الكيد لها والمكر بها فإنها أمةٌ خالدة بخلودِ رسالتها وكتابِها، باقيةٌ ما بقي الليل والنهار.

     

    إن الوافدَ إلى بيتِ الله قد تكفَّل الله بحفظِه وسلامته، قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث في ضمانِ الله: رجلٌ خرج إلى مسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازياً في سبيل الله، ورجل خرج حاجًّا)) أخرجه الحميدي في مسنده.

     

    أخي الحاج، إنَّ لك في كلِّ خطوةٍ تخطوها أجراً لا يجلِّيه إلا قولُ المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((ما ترفعُ إبلُ الحاجّ رجلا ولا تضع يداً إلا كتب الله تعالى بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفعه بها درجة)) أخرجه البيهقي.

     

    وحين تنطقُ بنداءِ التوحد: "لبيك اللهم لبيك" فإنَّ الكونَ كلَّه معك يردِّد توحيدَ الخالق ويسبِّح بحمده، تلبِّي الأحجار ويهتف المدر والأشجار، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلمٍ يلبِّي إلاّ لبَّى من عن يمنيه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرضُ من ها هنا وها هنا)) أخرجه الترمذي.

     

    إذا سمع الحاجُّ حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري ومسلم: ((الحجُّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) تشتاق نفسُه لهذا الأجر العظيم والفضل الجزيل، فيتساءل: كيفَ يحقِّق الحجَّ المبرور؟ قال ابن عمر رضي الله عنهما لمجاهد حين قال: ما أكثر الحاج!! قال: (ما أقلَّهم ولكن قل: ما أكثر الركب).

     

    أخي الحاج، الحجُّ المبرورُ يتطلَّب إخلاصاً لله، فمن خرج من بيته متطلِّعاً إلى المدح والثناء والسمعةِ والمباهاة هبط عمله وضلَّ سعيُه، قال تعالى في الحديث القدسي: ((من عمل عملا أشرك فيه معيَ غيري تركتُه وشركَه)) أخرجه مسلم. وكان صلى الله عليه وسلم يحذِّر من ضدِّ ذلك فيدعو مستعيناً بربِّه قائلاً: ((اللهم حجةً لا رياء فيها ولا سمعة)) أخرجه ابن ماجه من حديث أنس بن مالك.

     

    المتلبِّسُ بالحجّ يكون في غايةِ الذلّ بين يدي الله، مطهّراً قلبَه من آفة العجب بالعمل، بل إنَّه يرى عملَه مهما عظُم صغيراً جداً أمام أنعم الله عليه من النعم.

     

    تقام شعائرُ الحجِّ في مشاعر عظيمة وأماكن لها قدسيتُها، ومن برِّ الحج احترامُها فضلاً عن الفساد أو مقارفة شيء منها. وإنَّ من الفظاعة وسوء الحال أن يستغلَّ أصحابُ النوايا السيئةِ هذه المناسبةَ العظيمة، ويتدثَّر بقدسيتِها، فيقدَم إلى بلاد الحرمين لممارسةِ نوازِعهم المدمِّرة، في تهريب السّموم الفتاكة، ونشْر المعتقدات الفاسدة، وترويج الأفكار المضلِّلة، ونهب الأموال، قال تعالى: }وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{[الحج:25].

     

    من برِّ الحج الاجتهادُ في موافقته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيما قلَّ أو كثر، وعدم مخالفته لشيء من سنته عليه الصلاة والسلام، وقد نُقلت سنته لأمتِه في كلِّ موقف وقول، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذُوا عنِّي مناسككم)). والتساهل في السنن قد يؤدِّي إلى التسَاهل في الواجبات والأركان، وقد تتوالى الأخطاءُ التي قد تفسِد الحجَّ أحياناً، والخيرُ كلُّ الخير في تعلُّم هدي الرسول صلى الله عليه وسلم.

     

    ومن برِّ الحجّ التسليمُ للشارع، والانقياد لأوامر الله ورسوله، وحسن الاتباع فيما لم يُكشف عن معانيه ولو لم تُعلم الحكمة فيه، ها هو الفاروق عمر رضي الله عنه يقبِّل الحجرَ الأسود ويقول: (أما والله، إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك) فاستلمه. أخرجه البخاري.

    مال الحجّ المبرور يجبُ أن يكون حلالاً طيباً، لأنَّ النفقةَ الحرام من موانع الإجابة، وفي الطبراني مرفوعاً: ((إذا خرج الرجلُ حاجاً بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادُك حلال، وراحلتك حلال، وحجُّك مبرور. وإذا خرجَ بالنفقة الخبيثة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا وسعديك، زادُك حرام، ونفقتُك حرام، وحجّك غير مبرور)).

     

    أيامُ الحجِّ المبرور تُحيَى بذكر الله، وتُضاء بتلاوةِ آياتِ الله، وتطهَّر بالاستغفار وبذل المعروف والدعوة إلى الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: ((الغازي في سبيل الله والحاجُّ والمعتمر وفدُ الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)) أخرجه ابن ماجه، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجّ المبرور فقال: ((إطعام الطعام وإفشاء السلام)) أخرجه أحمد.

     

    ملء الأوقاتِ بالطاعات تحصّنُ الحجَّ من الآفات المهلِكة ولصوصِ الحسنات، وتزيد الحجَّ برًّا، فالأيامُ فاضلة، وتلك البقاع مفضَّلة، وفيها تتضاعف الأجور، وقد كان سلفُنا الصالح إذا تلبَّسوا بهذه العبادة عطَّروا أوقاتَها بذكر وتسبيحٍ وتهليل وتحميد.

     

    سمة الحاجِّ في هذه البقاع العظيمة السكينةُ والطمأنينة وسلوكُ أدبِ هذه الشعيرة بخفض الصوت وعدم الإزعاج وأذية المسلمين، والهدوء في العبادة والدعاء.

     

    التلبية في الحجِّ المبرور ذكرٌ لا ينقطع، فلها معانٍ لو استقرت في سويداء القلب فإنها تصبغ حياتَك ـ أيها المسلم ـ وتقوِّم مسيرتَك وتهذِّب سيرتَك، إنها أعلان العبوديةِ والطاعةِ والتذلّل. لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.

     

    الصحبةُ الطيبة في الحجّ تقوِّيك إذا ضعفت، تذكّرك إذا نسيتَ، تدلّك على طريق الخير وتحذّرك طريقَ الشر.

     

    من رام حجاً مبروراً امتثلَ قولَه صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري: ((من حجَّ لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدتْه أمّه)). نعم، من تطلَّع إلى حجّ مبرور أدَّب جوارحَه فلا تنظر العين نظرة فاحشة، ولا ينطِق اللسان بألفاظ طائشة، ولا تمتدّ اليد بأذًى إلى أحد، ولا ينطوي القلبُ على بغضاء أو حسد.

     

    حجّ مبرور يوقَّر فيه الكبير، ويُرحم الصغير، ويُواسي الضعيف، ويحافَظ فيه على نظافة البدن والثوب والمكان، قال تعالى: }إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهّرِينَ{[البقرة:222].

     

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

     

    الخطبة الثانية:

     

    الحمد لله وفَّق من شاء إلى حجِّ بيته الحرام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام.

     

    أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.

     

    لله تعالى في بعض الأيّام المباركة نفحاتٌ ينالها الموفَّقون من عباد الله، ومن تلك الأيام أيامُ عشر ذي الحجة، روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما العملُ في أيامٍ أفضَل منها في هذه))، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ((ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطرُ بنفسه وماله فلم يرجع بشيء))/span> أخرجه البخاري.

     

    كان السلفُ إذا دخلت أيامُ العشر من ذي الحجّة يجدّون في البرّ والطاعة، ويكثرون من الذكر والدعاء وتعظيم الله.

     

    ومما هو مشروع في هذه الأيام الإكثار من صلاة النافلة والتهليلِ والتكبير والتحميد وقراءة القرآن والصدقة على الفقراء والمساكين وإغاثة الملهوفين وبرّ الوالدين وقيام الليل وغير ذلك من الأعمال الصالحة.

     

    ومن ذلك صومُ غير الحاجّ ما تيسر له من أيام العشر، خاصة يوم عرفة لما في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلمأنه قال: ((أحتسب على الله أن يكفِّر السنةَ التي قبله والسنة التي بعده))/span>..

     

    ومما يُشرع تكبيرُ الله تعالى وتعظيمه، ويكون التكبير المطلَق في جميع الأوقات من ليل أو نهارٍ إلى صلاة العيد، أما التكبيرُ المقيَّد فهو الذي يكون بعد الصلوات المكتوبةِ التي تصلَّى في جماعة، ويبدأ لغير الحاجّ من فجر يومِ عرفة، وللحاجّ من طهر يوم النحر، ويستمرّ إلى صلاة عصرِ آخر أيام التشريق.

     

    ومما يشرع إعدادُ الأضحية، ومن أراد أن يضحِّي ودخل شهر ذو الحجة فلا يحلّ له أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره حتى يذبحَ أضحيتَه، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحّي فليمسِك عن شعره وأظفاره))/span>..

     

    ألا وصلّوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: }/span>إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً{{[الأحزاب:56].

    اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين ...

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()