بتـــــاريخ : 11/3/2010 4:23:33 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1070 0


    فضل الحج وعشر ذي الحجة

    الناقل : SunSet | العمر :36 | الكاتب الأصلى : الشيخ علي الحذيفي | المصدر : www.mnask.com

    كلمات مفتاحية  :

     

    الحمد الذي أسدى النعم، ودفع النقم، أحمد ربي وأشكره على آلائه التي لا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذي المجد والكرم، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله المبعوث بالنور الأتم، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ذوي النهج الأقوم.

     

    أما بعد:

     

    فاتقوا الله أيها المسلمون، فالتقوى خيرُ زاد ليوم المعاد، وبها يُصلح الله أمورَ العباد، }وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً{[الطلاق:4].

     

    واعلموا ـ عباد الله ـ أنَّ العبادةَ حقّ لربّ العالمين على المكلَّفين، وفرضٌ محتوم على الإنس والجن، قال الله تعالى: }وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ{[الذاريات:56].

     

    والعبادةُ أعظمُ كرامةٍ يُكرم الله بها العابِدين، ويرفع بها المتقين، بالعبادة تستنير القلوب، وتتهذَّب النفوس، وتتقوّم الأخلاق، وتصُلح العقول، وتزكو الأعمال، ويرضى الربّ جل وعلا، وتُعمَر الحياة بالصلاح والإصلاح، وتُرفَع الدرجاتُ في الجنات، وتُكفَّر السيئات، وتُضاعف الحسنات.

     

    ومن رحمة الله بنا وفضلِه علينَا أن أرسلَ إلينا أفضلَ خلقِه محمدًا صلى الله عليه وسلم، يبيِّن لنا ما يرضى به ربُّنا عنّا من الأقوال والأعمال والاعتقاد، ويحذِّرنا مما يغضب ربَّنا علينا من الأقوال والأفعال والاعتقاد، قال تبارك وتعالى: }كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَـٰتِنَا وَيُزَكِيكُمْ وَيُعَلّمُكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ * فَٱذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ{[البقرة:151، 152].

     

    ولولا أنَّ الله أرسل الرسلَ وأنزل الكتبَ لكان بنو آدم أضلَّ من الأنعام، ولكنَّ الله رحم العالمين، فشرع الدينَ، وفصَّل كلَّ شيء، وأقام معالمَ الصراط المستقيم، فاهتدى السعَداء، وضلَّ على بيِّنة الأشقياء.

     

    فمن رحمةِ الله وحكمته وكمالِ علمه أنَّ الله تعالى شرعَ العبادةَ لإصلاح النفس البشرية، فشرع العباداتِ المتنوِّعة؛ الصلاة والزكاة والصيام والحجّ وغير ذلك؛ لتتكامل تربية الإنسان وتطهيرُه من جميع الوجوه، قال تبارك وتعالى: }مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{[المائدة:6].

     

    والحجُّ ركنٌ من أركان الإسلام، جمع الله فيه العبادةَ القلبية بالإخلاص وغيره، وجمعَ الله فيه العبادةَ المالية والقوليةَ والفعليةَ. والحجُّ وزمنُه تجتمع فيه شهادةُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله أعظمُ ركن في الإسلام، وتجتمعُ فيه الصلاة وإنفاق المال والصيام لمن لم يجد الهدي والأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر والصبرُ والحِلم والشفقة والرحمة والتعليم للخير وجهادُ النفس ونحو ذلك مما فرضه الله عز وجل، ويجتمع فيه كذلك اجتنابُ المحرمات.

     

    والحجُّ آية من آيات الله العظمَى على أنَّ مَا جاءَ به محمَّد صلى الله عليه وسلم هو الدِّين الحقّ، فلا تقدِر أيّ قوةٍ في الأرض أن تجمَع الحجَّاج كلَّ عامٍ من أطراف الأرض ومن جميع أجناس البشر وطبقات المجتمعات وأصنافِ الناس بقلوبٍ مملوءة بالشوق والمحبة، يتلذَّذون بالمشقَّات في الأسفار، ويفرَحونَ بمفارقةِ الأهلِ والأصحابِ والأوطان، ويحسّون أن ساعات الحجّ أسعدُ ساعات العمر، ويعظِّمون مشاعرَ الحجّ، وينفقون الأموال للحج بسخاوة نفس وطيبة قلب، فلا يقدر على ذلك إلا الله عز اسمه وتباركت صفاته، وهو القائلُ لخليله إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام: }وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ * لّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَائِسَ ٱلْفَقِيرَ{[الحج: 27، 28].

     

    ذكر المفسرون ابنُ جرير وابن كثير وغيرهما عن ابن عباس أنَّ الله لما أمرَ خليلَه إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام أن يؤذِّن في الناس بالحج قال: يا ربّ، كيف أبلّغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟! فقال: نادِ وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل: على الحِجْر، وقيل: على الصفا، وقيل: على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس، إن ربَّكم قد اتخذ بيتًا فحجُّوه، فيقال: إن الجبالَ تواضعت حتى بلغ الصوتُ أرجاءَ الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابَه كلُّ شيء سمعه من حجر ومدرٍ وشجر، ومن كتب الله أنه يحجَّ إلى يوم القيامة. لبيك اللهم لبيك.

     

    أيها المسلم، أخلِص النيةَ لله تعالى في حجِّك، واقتدِ بسيِّد المرسلين صلى الله عليه وسلم في أعمالِ الحجّ، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((خُذوا عني مناسككم))، ليكونَ حجّك مبرورًا وسعيُك مشكورًا، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حجًَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)) رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العمرةُ إلى العمرةِ كفارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة)) رواه البخاري ومسلم، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ: يا رسول الله، نرى الجهادَ أفضلَ العمل، أفلا نجاهد؟! فقال: ((ولكن أفضلُ الجهاد حجٌّ مبرور)) رواه البخاري.

     

    والحجّ المبرور هو الذي أخلصَ صاحبُه النيةَ فيه لله تعالى، وأدَّى مناسكَه على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتنبَ المعاصي وأذيَّة المسلمين، ولم يجامِع أهلَه في وقتٍ لا يحلُّ له، وحفظ لسانه من اللغو والباطل، وكانت نفقتُه حلالاً، وأنفقَ في الخير بقدر ما يوفِّقه الله، فإذا جمَع الحجُّ هذه الصفاتِ كان مبرورًا مبرورًا.

     

    وعلى الحاجِّ أن يتعلَّم ما يصحّ به حجُّه، ويسألَ عن أحكام الحجّ العلماءَ، ولتحرص ـ أيها الحاج ـ أشدَّ الحرص على الإتيان بأركان الحج؛ لأنه لا يصحّ الحجّ إلا بها، وهي الإحرام والمرادُ به الدخول في النسك، والوقوفُ بعرفة وهو أعظم أركان الحج لقوله صلى الله عليه وسلم: ((الحج عرفة))، وطوافُ الإفاضة، والسعيُ على الأرجح. وعليه أن يقومَ بواجبات الحج، لا يترك منها شيئًا، وواجباتُ الحج: الإحرامُ من الميقات المعتبَر له، والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس، والمبيتُ بمزدلفة، والرمي، والحلق أو التقصير، والمبيت بمنى، والهدي لمن يلزمه الهدْي، وطوافُ الوداع.

     

    ويومُ النحر يجتَمع فيه الرميُ لجمرة العقبة والنحر والحلق وطوافُ الإفاضة والسعيُ لمن لم يقدِّم السعيَ في الإفراد والقران، فإذا رمى الحاجُّ جمرةَ العقبة و[قَصَّر] أو حلق حلَّ له كلّ ما حرم عليه بالإحرام إلا امرأته، فإذا طافَ بالبيت وسعَى بعدَ الرمي والحلق حلَّ له كلُّ شيء حتى امرأته.

     

    ويستحبُّ للحاجِّ الإكثار من أفعال الخير وكثرةُ التلبية حتى يشرعَ في رميِ جمرةِ العقبة. ويُكثر من تلاوة القرآن، ويتضرَّع بالدعاء ولا سيما يوم عرفة، فيدعو لنفسه وللمسلمين مما أصابهم من الكربات، يدعو للمسلمين خاصَّتِهم وعامَّتهم وولاتهم وعلمائهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير الدعاء دعاء عرفة، وخير ما قلتُ أنا والنبيون قبلي يومَ عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)). ويحفظُ لسانَه من الغيبة والباطل، فقد كان بعضُ السلف إذا أحرَم كأنه حيَّة صمَّاء، لا يتكلم إلا بخير، ولا يخوض فيما لا يعنيه. ويبتعدُ عن المشاجرات والخصومات والمجادلات. ويواظب المسلمُ على التكبير المقيَّد، ويبدأ وقتُه بعد فجرِ يوم عرفة إلى عصرِ آخر أيامِ التشريق، وللحاجِّ يبدأ بعدَ ظهر يوم العيد إلى عصر آخر أيَّام التشريق، وصفتُه: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

     

    ويستحبُّ للحاجّ وغيرِه المسارعةُ إلى كلّ خير وعمل صالح وبرّ في عشر ذي الحجة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام)) يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرجَ بنفسه ومَاله، فلم يَرجع من ذلك بشيء)) رواه البخاري.

     

    بسم الله الرحمن الرحيم: }وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاء وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ{[آل عمران:133، 134].

     

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيَات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيد المرسلين وبقَوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من ذلك ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

     

    الخطبة الثانية:

     

    الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمد ربِّي وأشكره على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي المتين، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

     

    أما بعد: فاتقوا الله وأطيعوه، وعظموا شعائر الله ولا تعصوه.

     

    أيها المسلمون، إن عشرَ ذي الحجة التي ستدخلُ بعد أيام أفضلُ الأيام عند الله، سماها الله تعالى في كتابه الأيامَ المعلومات، كما فسَّرها ابن عباس رضي الله عنها، فالذكرُ لله فيها مستحبّ في المساجد والطرق والمجامِع والأسواقِ والخلوات.

     

    وفي هذه العشرِ يومُ عرفة، فلو فاتك ـ أيها المسلم ـ الوقوفُ بعرفة فقد شرع الله لك صيامَه، عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة، قال: ((يكفر السنة الماضية والباقية)) رواه مسلم، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من أيّام أعظم عند الله ولا أحبّ إليه العمل فيهنّ من هذه الأيام العشر، فأكثِروا فيهن من التسبيح والتكبير والتحميد)) رواه أحمد، وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق ويكبِّران، فيكبِّر الناسُ بتكبيرهما، رواه البخاري.

     

    أيها الحاج، يقول الله تعالى: }ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَـٰتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يأُوْلِي ٱلأَلْبَـٰبِ{[البقرة: 197].

     

    تمسَّكوا بآدَاب الإسلامِ المُثلى وأخلاقِه العليا، واجعَلوا الحجَّ توبةً لما بعده من حياتكم، وصلاحًا وتقوى لما يُستقبَل من أمركم، وندمًا على ما فات من حياتكم، واحمَدوا اللهَ تعالى واشكروه على نعمةِ الأمنِ والإيمان، وعلى ما سخَّر من أسباب الخيرات والعبادات، واحمدوه على ما أدرَّ من الأرزاق وقضى من الحاجات، وعلى ما صرف من العقوبات والفتن والآفات.

    عباد الله، }إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً{[الأحزاب: 56]، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من صلَّى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشرًا)).

     

    فصلوا وسلموا على سيّد الأوّلين والآخرين وإمام المرسلين.

    اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وسلم تسليمًا كثيرًا. اللهم وارض عن الصحابة أجمعين...

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()