بتـــــاريخ : 10/29/2010 12:51:24 AM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1132 0


    القلب.. أثمن عطية

    الناقل : SunSet | العمر :36 | المصدر : www.balagh.com

    كلمات مفتاحية  :

    القلب.. أثمن عطية
    - الحاجة إلى دراسة القلب
    يتخذ الناس فيما بينهم نُظُماً وأعرافاً يضعون فيها أفراد المجتمع في مستويات مختلفة حسب معايير يقيسون الناس بها. فالجمال معيارٌ لتفاضُل الناس، والثراء معيارٌ آخر، والنَّسَب معيارٌ ثالث وهكذا..
    وليست كلّ المعايير والمقاييس التي تعارف عليها الناس صحيحة مقبولة، كما أنّها ليست كلّها فاسدةٌ مرذولة؛ فبعضُها حسنٌ وبعضها مرفوض. وجاء الإسلام ليُرشد الناس إلى المعيار الذي سيُعامل به الله تعالى الخَلْقَ يوم القيامة؛ وهو معيار العمل والكسب والإختيار الذي يكونُ من العبد، وهو معيارٌ التقوى. قال الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 13).
    والتقوى عملٌ من أعمال القلوب، وهي نابعةٌ من الإيمان بالله تعالى، والإيمان كذلك عملٌ من أعمال القلوب. والإيمان أهمُّ عملٍ يعمله الإنسان في الدنيا لأنّه هو السبب الوحيد لدخول الجنة والنجاة من الخلود في النار. فكان من الواجب أن يهتمَّ الإنسان بدراسة القلب الذي هو مقرُّ الإيمان وموطن اليقين.
    - أهميّةُ القلب:
    إنّ الله تبارك وتعالى كرّم الإنسان وشرّفه على سائر المخلوقات، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء/ 70). وسخّر الله تعالى للإنسان كل ما يحيطُ به من أرضٍ وجبال وبحار وأنهار وشمس وسماء ونجوم وقمر. قال الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ...) (الأعراف/ 54). فكلُّ ما في الكون مسخّر للإنسان، والإنسان مسخّر لعبادة ربِّه؛ وأشرفُ العبادة العلم بالله تعالى، والقلب محل العلم.
    - سبب تكريم الإنسان:
    إنّ التكريم الذي ناله الإنسان من ربِّه تبارك وتعالى كان بسبب استعداده وتأهُّله لمعرفة الله عزّ وجلّ. واستعداد الإنسان لمعرفة الله عزّ وجل بما أودعه الله تعالى فيه من قدرة لذلك، وتجلَّت في القلب الذي اختص به الإنسان عن الحيوان. فإذا كان الإنسان مؤمناً فإنّ القلبَ هو المؤمنُ بالله تعالى، وهو المتقرِّبُ إلى الله عزّ وجل، العاملُ لله والساعي في مرضاة الله عزّ وجلّ، وهو المكاشفُ بما عند الله عزّ وجلّ، وهذا القلبُ هو المَرضي عند الله تعالى.
    القلب هو بمنزلة الملك، وسائر الأعضاء بمنزلة الجنود والخدم والأتباع: تُؤمر فتطيع، لا تخرج عن أمره وسلطانه. وقد قال رسول الله (ص): "ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كلُّه، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كلُّه، ألا وهِيَ القَلْب".
    وإذا انصرفَ القلب عن خالقه وتحوَّل عن بارئه وصار مشغولاً بغيره صار محجوباً عن الله تعالى. وإذا حجبَ الإسانُ قلبَه عن معرفة ربِّه في الدنيا فقد جَهلَ ربَّه وجهل صفاتَه، ولم ينظر إلى الإله ونِعَمِه ودلائل قدرته في هذا الوجود؛ فعاش أعمى عن مشاهدة ربِّه، فاستحقَّ أن يعاملَه الله تعالى كذلك في الآخرة.. فكان اللهُ تعالى محجوباً عنه، والحجاب في الآخرة مَنْعُ الرحمة والمغفرة والرضوان، قال تعالى: (كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين/ 15).
    فالقلب هو محل التكليف، وهو المطالَب والمحاسَب والمعاتَب، وهو المطيع وهو العاصي. إذا عرفه الإنسان عرفَ نفسَه، وإذا عرف نفسه عرف ربَّه، وإذا عرف ربَّه أفردَ ربَّه تعالى بعبادته..
    ومَنْ جهلَ قلبَه فهو لغيره أجهل، ومن جهلَ قلبَه لا يُراقبُه ولا يُراعيه ولا يستعمله الإستعمال الصحيح؛ صار قلبُه أعمى عن مشاهدة أدلَة ربِّه، مظلماً، لم يستضء بنور الإيمان، ميتاً، لم يحيَ بالفضائل والمكارم، قلبٌ ميتٌ في الدنيا.. مثل هذا القلب هو قلبٌ شقيٌّ في الآخرة، يصدُقُ عليه قول الله تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر/ 19).
    والقلبُ هو محلُّ الخشية والمحبّة والخوف والأُنس والتوكل والإنابة والرضا والعبودية. والقلب هو المخاطَب، المبعوثُ إليه بالرسل، المخصوص بأشرف العطايا.
    - سبب تسميته:
    سُمِّي القلبُ قلباً لتقلُّبه. تقلُّب القلب بين إقبالٍ وإدبار؛ إقبالٌ على الطاعة وإدبار عنها، يتقلَّب بين الخوف والطمأنينة، بين الحب والكُره، بين الإحترام والإحتقار، بين اليقين والشك. ولا يحتاج القلب إلى طول وقت لينتقل من حالةٍ إلى أُخرى؛ بل هو سريعٌ في تقلُّبه، يصفُ بعضُهم سرعة تقلبه فيقول: "هو أشدُّ تقلُّباً من القِدر إذا استجمعت غليانها"، ويقول آخر: "أشَدُّ تقلُّباً من الريشة بأرضٍ فَلاة في يوم ريح عاصف". ويقول النبي (ص): "إنَّ قُلوبَ بني آدم كُلَّها بَيْنَ إصبَعَيْنِ مِن أصابع الرَّحمن، كَقَلْبٍ واحِد، يُصَرِّفهُ حيثُ يَشاء".
    وإذا كان القلب سريعاً في تقلُّبه وتغيُّره، فإنّ هذه الخاصيَّة له تدعونا إلى القيام بأمرَيْن:
    - الأوّل: أن نبقى على أملٍ مِن صلاح الغير وتحوِّله عن الفساد الذي هو فيه إلى صلاحٍ نرجوه له وندعوه إليه، ومن ضلال إلى هدى، ومن غفلة إلى ذكر، ومن بُعد إلى قُرب. وهذا يدعونا إلى مواصلة نُصحه وإرشاده ووعظه، ولا نفقد الأمل في هدايته فإنّ المرء لا يبقى على حالة واحدة غالباً.
    - الثاني: أن نبقى خائفين من تقلُّبنا إلى ضلالٍ بعد هُدى، وكُفرٍ بعد إيمان، وفُجورٍ بعد تقوى، وفسادٍ بعد صلاح. وأن نواظب على دعاء الله عزّ وجلّ أن يثبِّت قلوبَنا على طاعته. وكان من دعاء النبي (ص): "يا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّتْ قَلبي على دينِك".
    - جنود القلب:
    إنّ القلب خُلقَ لمهمةٍ جليلة وعظيمة هي معرفة الله تعالى ومحبته وخشيته وعبادته. وهو لأجل أن تقومَ بهذه المهمة التي خُلق لها، جعل الله له نوعين من الجنود: يأمرُهُم فيُطيعونَه، ويستعينُ بهم للقيام بأعماله. وهذه الجنود هي الأعضاء والجوارح التي يأمرها فتطيع، وينهاها فتستجيب. وهذه الأعضاء حتى تقوم بواجبها احتاجت إلى الغذاء؛ فجعل الله تعالى الشهوةَ دافعاً للإنسان إلى الأكل والشُّرب لتقوى الأعضاء على العمل وطاعة القلب. فالشهوة التي رُكِّبت في الإنسان لا يُقصَد بها تحصيل اللذات والتنعم بالطيِّبات والإنشغال بكل ما لذَّ وطاب، إنما جُعلت الشهوة ليبقى البدنُ قويّاً صحيحاً نشيطاً قادراً على القيام بواجبه في هذا الوجود. ومن شَغَل وقتَهُ في الشهوات واللذات والتمتع بالدنيا، أتعَبَ بدنه بما يزيد عن حاجته، وتكاسَل عن القيام بواجبه فهو أفسدَ دُنياه وآخرته.
    لقد جعل الله تعالى في الإنسان قوةً تدفعه للحفاظ على ما ينفعه وتجنِّبُه ما يضرُّه، وهي قوة الغضب. فمن استعمَلَ غضبَه في حال الإعتداء على أسباب حياته بلا سببٍ مشروع كان مأجوراً مُثاباً. ومن استعمل غضبَه في الإعتداء على الأبرياء والآمنين فهو قد أفسدَ الفطرة التي فطرَهُ الله عليها وهي إستعمالُ نعمة الله تعالى في غير ما خُلقت له.
    وإذا ما استسلمَ الإنسان إلى شهواته وسخّر غضبَهُ وقوّتَهُ لتحصيل ما يريدُ فقد تشبّه بالحيوانات المفترسة التي تقتل غيرها مِن أجل أن تعيش هي، وتستخدم قوتها في سبيل الفتك والإهلاك، وتحوّل من إنسان كريم رحيم شفوق، إلى حيوان ضارٍ مُفسِد مدمِّر ولكن في صورة إنسان.. فلا هو على خُلُق الإنسان ولا هو على صورة الحيوان وإنما مَسخٌ من هذا وذاك والعياذ بالله.
    - جلاء القلوب:
    القلبُ موطن الإيمان، وإذا دخلَ الإيمان إلى القلب أثَّر فيه تأثيراً بالغاً فإنّه ينشَطُ ويتَّسعُ وينشرحُ ويشعر بالطمأنينة والسعادة والراحة، فيدفع الأعضاءَ إلى فعل الخيرات ويكفُّها عن المنكرات. وإذا هي استجابت لذلك ازداد القلبُ قوةً وإنشراحاً.
    والقلبُ كذلك محل الكُفر والشرك والعياذ بالله، فإذا دخل الكفر في القلب أحدثَ فيه تأثيرهُ المُهلِك؛ فيتكاسلُ عن الخير ويَضيق، ويُظلِم ويسودُّ.. ولا يزال المرء في قلق وحيرة واضطراب، لا يهنأ له بال ولا يجدُ الراحة، ولا يذوق طعم السعادة.. وإذا اشتكى وعانى مما يجد فإنّه يلتمس العلاج فيما هو سبب بلائه؛ فيزداد تكاسُلاً عن الطاعات وإنغماساً في الشهوات والملذات، فيجد أنّ حالَهُ قد ساءَ عما قبل، فيزداد بُعداً وإنغماساً، ويزداد شقاءً وتعاسة.. ولا يهتدي إلى العلاج الصحيح ولو أرشدَ إليه لا يقتنعُ، ولا يؤمن لإنطماس بصيرته وفساد قلبه مِن كثرة ما أثَّرت فيه المعاصي والذنوب.. قال الله تعالى: (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين/ 14). وقال تعالى: (أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (الأعراف/ 100).
    فطاعة الله تبارك وتعالى تصقل القلب وتنيره وتقوِّيه، ومعصية الله تعالى تسوِّدُ القلب وتُظلِمُه وتُضعفُه حتى يموت فلا يستجيبَ لموعظة ولا ينتفع بنُصح.
    عن رسول الله (ص): "القلوب أربعةٌ: قلبٌ أجردُ فيه مِثْلُ السِّراج يُزْهِر، وقلبٌ أغلف مربوطٌ على غلافه، وقلبٌ منكوسٌ، وقلبٌ مُصفحٌ. فأمّا القلب الأجردُ: فقلبُ المؤمن سراجُهُ فيه نورُهُ، وأما القلبُ الأغلَفُ: فقَلْبُ الكافِر، وأمّا القلبُ المنكوسُ: فقَلْبُ المُنافِقِ عرفَ ثمّ أنكَر، وأمّا القلبُ المصفحُ: فقلبٌ فيه إيمانٌ ونِفاق، فمثَلُ الإيمانِ فيه كمثل البقلة، يَمُدُّها الماءُ الطيِّب، ومثل النِّفاق فيه كمثل القُرْحَة، يَمُدُّها القَيْحُ والدم، فأيُّ المدَّتَيْنِ غَلَبَت على الأخرى غَلَبَتْ عليه".
    ولئن كانت المعصية تؤثِّر في القلب وتترك أثرها فيه كالرّان، فإنّ الحسنة التي يفعلُها التائبُ تُجلي القلبَ وتُذهب أثرَ الرَّان الذي أحدثته المعصية، فيعود القلب إلى سابق عهده. ولكن الخسارة هنا، أنّ الذي أذنَبَ ثمّ تابَ كان يمكن أن يستفيدَ أكثر فيما لو عَمِلَ حسنةً دون سابق سيئة، لأنّ أثر الحسنة هنا يكون في زيادة جلاء القلب وإشراقه.
    أمّا الحسنة بعد السيئة فجُلَّ ما تفعل أن تعيدَ القلبَ إلى سابق عهده. وهذا لا يعني أن يزهدَ المرءُ في الخير بعد المعصية ولكن يعني أن يزدادَ المرءُ حرصاً أن لا يقع في المعصية ثانيةً، حتى إذا وقع سارعَ إلى التوبة والإستغفار وعمل الصالحات. نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينيرَ قلوبَنا بالإيمان به وأن يشرحَ صدورَنا ويقوِّي عزائمنا لنعمل بما فيه رضاه وتقواه وأن يجعلنا من السعداء بطاعته وأن يعيذنا من أن نكون من أهل الشقاء بمعصيته.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()