نموذج في ضبط معايير الجودة في التعليم الأكاديمي
أ.د. خليل عوده
عميد كلية الآداب
جامعة النجاح الوطنية
تسعى جامعة النجاح الوطنية بشكل عام وكلية الآداب بشكل خاص إلى ضبط معايير الجودة في التعليم الأكاديمي، ولتحقيق هذا الهدف فقد أسست الجامعة وحدة الجودة والنوعية التي تقوم بمهام متابعة وتنظيم عمل لجان الجودة والنوعية في كليات الجامعة المختلفة، بهدف تمكين الجامعة من تحقيق رسالتها الأكاديمية بشكل متميز محليا وعربيا ودوليا.
ولتحديد منهج العمل في ضبط معايير الجودة في التعليم الأكاديمي، لابد من تحديد المفهوم أولا، فما هو المقصود بضبط معايير الجودة، وللإجابة عن السؤال يمكن تقسيم المفهوم إلى ثلاثة أقسام تشكلها الكلمات الثلاث، أولا الضبط – ثانيا المعايير – ثالثا الجودة.
أولا: الضبط، ويعني وضع نظام واضح في التعامل مع معايير الجودة، تلتزم به الأقسام والكليات وإدارة الجامعة، وهذا يشمل توضيح الأهداف، وخطوات العمل، وآلية التنفيذ.
والأهداف تنقسم إلى أهداف عامة، وأخرى خاصة، أما العامة، فهي أهداف تخص وزارة التعليم العالي والجامعة، بمعنى أن وزارة التعليم تحدد أهدافا عامة للجامعات الفلسطينية، والجامعات بدورها تحدد أهدافا تنسجم مع الأهداف التي تحددها وزارة التعليم العالي، بحيث تلتقي الأهداف جميعا في رسم سياسة واحدة، وتسعى وزارة التعليم العالي من جانبها لتطبيقها على الجامعات، وتسعى الجامعات بدورها لتطبيقها على الكليات والمراكز العلمية الموجودة فيها .
والضبط لا يعني مجرد وضع الأهداف، وإنما التطبيق، وهذا يحتاج إلى آلية عمل مشتركة بين وزارة التعليم العالي والجامعات، بمعنى وجود لجان خاصة بالوزارة تراجع المعايير بين فترة وأخرى، ووجود لجان في الجامعات تطبق هذه المعايير، بهدف التحسين أولا والتوجيه ثانيا، وضمان النوعية ثالثا.
ثانيا : المعايير، وتعني وجود أسس يتم بموجبها تقييم برامج التعليم، ومدى ملاءمتها للمستجدات العلمية والفكرية وهذه المعايير تمثل خطة عمل تسير عليها الجامعات في
متابعة الجودة، وهي معايير قد تختلف من جامعة إلى أخرى ولكنها تلتقي في النهاية حول الأهداف التي تحددها وزارة التعليم العالي والجامعات التابعة لها.
وهذه المعايير يجب أن تكون واضحة ومحدده، بمعنى أن توضع معايير تحدد عمل كل من:
- اللجان الرئيسية والفرعية
- طبيعة العمل والإشراف
وهذه اللجان بدورها تقوم بوضع معايير الجودة والنوعية، وآلية تطبيقها، ابتداء من الطالب، وانتهاء بلجنة الضبط العليا في الجامعة، ولضمان تطبيق هذه المعايير لابد من وجود تنسيق في تتابع هذه المعايير وتسلسلها، ومراجعتها من وقت إلى آخر.
ثالثا: الجودة وهنا لابد من تعريف ماهية الجودة، فالجودة في التعليم تختلف عن الجودة في موضوع الاقتصاد، فجودة التعليم لا تخص منتجا بعينه، أو سلعة للتسويق، ولكنه يخص مواصفات الطالب الخريج وكيفية تقديمه للآخرين.
وهنا يبرز عامل المنافسة بين الخريجين، وكيفية تقديم الطالب الخريج في المؤسسة التعليمية إلى جهات العمل ولتحقيق هذا الهدف لابد من وضع مواصفات للطالب الخريج تسعى الجامعة إلى تحقيقها فيه، وقد وضعت جامعة النجاح عددا من المواصفات في الطالب الخريج ، من أهمها:
1- أن تكون لدى الطالب ثقة عالية بالنفس
2- أن تكون لديه مهارات الاتصال مع الآخرين
3- أن يتحلى بالتفكير النقدي السليم
4- أن تكون لديه ثقافة إسلامية، ومعرفة بقضاياه الوطنية
5- أن يواكب التطورات العلمية والتقنية الحديثة
6- أن يتمتع بمهارات بحتية واسعة
7- أن تكون لدية معرفة واسعة وشاملة في مجال تخصصه.
8- أن يكون قادرا على العمل ضمن فريق مشترك.
9- أن تكون لديه القدرة على المبادرة واتخاذ القرارات.
10-أن يكون قادرا على الاندماج في المجتمع.
11-أن يكون قادرا على الاعتماد على الذات والثقة بالنفس.
12-تكون لدية القدرة على محاورة الآخرين وإقناعهم.
13-يحترم أخلاقيات المهنة.
14-يحترم البيئة التي يعيش فيها، ويحافظ عليها.
15-أن يكون انتماؤه لوطنه وجامعته محل احترام وتقدير منه.
ويمكن تفعيل منهج خطة العمل لضبط الجودة والنوعية على النحو التالي
المرحلة الأولى : المستوى الأكاديمي ويشمل:
أولا : الطالب
ثانيا : عضو هيئة التدريس
فعلى مستوى الطالب تضع الجامعة معايير خاصة لقبول الطلبة في مختلف كلياتها، وتعتمد مبدأ المنافسة بين الطلبة حسب معدلاتهم في الثانوية العامة، وفي الكليات التي تحتاج إلى مهارات خاصة مثل الرياضة والفنون، يتم القبول اعتمادا على نتائج امتحان قدرارت يؤديه الطلبة، ويتم قبولهم بناء على ذلك، إذ لا يكفي أن يستوفي الطالب شروط القبول من حيث معدله في الثانوية العامة، ولكنه يحتاج إلى قدرات خاصة تمكنه من دخول هذه الكليات، وتعتمد الجامعة في نظامها مبدأ انتقال الطالب في أثناء دراسته من كلية إلى أخرى، حسب مستواه العلمي وقدراته الدراسية فإذا فصل الطالب من كلية بسبب تقصيره الأكاديمي يمكنه الانتقال إلى كلية أدنى وإذا رفع معدله في كليته، وأراد الانتقال إلى كلية أخرى يستطيع ذلك، بمعنى أن المستوى العلمي للطالب بعد قبوله في الجامعة يمكن أن يتغير حسب رغبة الطالب أولا وقدراته العلمية ثانيا. مما يعني ضبط نوعية الطالب الجامعي بما يتناسب مع قدراته الأكاديمية، وقدرته على التحصيل، ولكي تكون عملية الضبط أوسع وأشمل يفصل الطالب من الجامعة إذا لم يكن مؤهلا للاستمرار فيها، فإذا نزل معدل الطالب التراكمي عن 65% ولم يستطع الطالب لفصلين دراسيين رفع هذا المعدل، فانه يفصل من الجامعة، بمعنى أن الطالب غير مؤهل للاستمرار في الدراسة الجامعية، وأن معايير الجودة عنده غير متوفرة.
أما على مستوى عضو هيئة التدريس، فعملية الجودة في عضو هيئة التدريس مترابطة ومتكاملة، بمعنى أنها تبدأ من مرحلة قبوله عضو هيئة تدريس في الجامعة، وتنتهي بتقييم عطائه، ومدى قدرته على التطوير.
ففي المرحلة الأولى يتم انتقاء أعضاء هيئة التدريس وفق معايير تحددها الجامعة، حسب حاجة الكليات والأقسام، والتخصصات المطلوبة. وتتم مراعاة الجامعة التي تخرج فيها،
ومعدلاته في مراحل الدراسة المختلفة، وسنوات الخبرة، والأبحاث المنشورة، إلى غير ذلك من الأمور التي يستحق من خلالها العمل في الجامعة.
وبعد عمله في الجامعة، تتم عملية التقييم من حيث :
1- الأداء الأكاديمي.
2- خدمة المؤسسة والانتماء لها .
3- النشاط العلمي.
4- المشاركة في المؤتمرات والندوات.
5- قدرته على العمل ضمن فريق مشترك.
6- الالتزام بأخلاقيات المهنة.
وتتم مراجعة أداء أعضاء هيئة التدريس في كل عام أكاديمي، وتخضع هذه المراجعة لاعتبارات مختلفة منها ، تطوير الخطط التدريسية، بتطوير أساليب وطرق التدريس، المشاركة العلمية، مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية، تعاونه مع متطلبات العمل والمستجدات فيه.
وبناء على ذلك تكون نتيجة التقييم، التي تحدد استمراره في العمل الأكاديمي، أو تفرض عليه خطوات للتطوير تحددها المؤسسة الأكاديمية، حسب نتائج التقييم في التغذية الراجعة.
المرحلة الثانية وتشمل مناهج التدريس، وفيها يمكن العمل على النحو التالي:
1- الخطط التدريسية
2- محتوى المساق
3- خطة المساق
4- منهجية العمل
5- آلية التنفيذ
1- الخطط التدريسية :
وتعني مراجعة الخطط التدريسية في كل قسم من أقسام الجامعة مرة على الأقل كل عامين دراسيين، وتطوير هذه الخطط بما يطرأ من مستجدات علمية، وبحيث
تكون هذه الخطط مرنه، وقابلة للتطوير، وليست حامدة فما كان يصلح للتدريس قبل خمس سنوات مثلا، لا يمكن أن يظل صالحا إلى ما لانهاية، ومن هنا تأتي ضرورة
مراجعة الخطط التدريسية، وملاءمتها مع التطورات العلمية الحاصلة محليا وعربية وعالميا.
2- محتوى المساق:
ويشمل الخطوط العامة للمحتوى العلمي، وتكون خطة المساق شاملة، تغطي الموضوع من كافة جوانبه، وتلاءم بين الساعات المعتمدة للمساق ومحتواه، ولابد أن تكون المادة متنوعة المصادر والمراجع وتأخذ بعين الإعتبار اختلاف وجهات النظر، وتدفع الطالب إلى التفكير، وإبداء وجهة النظر، والقدرة على الحوار، وتنمية الشخصية العلمية، بحيث لا يكون الطالب مجرد حاضنة لمحتوى المساق، وإنما مشارك في تشكيل محتواه العلمي.
3- خطة المساق:
ويتم فيها توزيع المساق زمنيا حسب الساعات المعتمدة، وتوضع فيها خطوات التدريس وفق المحتوى والزمن وتشمل تقييم أعمال الطلبة، وتوزيع العلامات،
ومواعيدها وتوضع في الخطة، قائمة بأحدث المصادر والمراجع التي ينصح الطلبة بالرجوع لها، والكتب الرئيسية التي يمكن اعتمادها.
4- منهجية العمل
وتعتمد المنهجية هنا خطة عمل تشمل طريقة التدريس وكيفية تعلم الطلبة، وترتقي بالتدريس من مجرد عملية تعتمد التلقين إلى مشاركة فاعلة للطالب في المحاضرة، وحفزه على تكوين وجهة نظر فيما يسمع ، وتقوية شخصيته علميا، وهذا يتطلب تغيير طرق التدريس، واستخدام وسائل تكنولوجية حديثة تكون قادرة على إشراك الطالب في العملية التعليمية، وجعله جزءا منها.
5- آلية التنفيذ
وتشمل وضع خطوات عملية لتطبيق معايير الجودة والنوعية على مستويات الخطط التدريسية، وآلية العمل، والطالب، وهذا يعني وجود فريق عمل متكامل يتابع تطبيق هذه المعايير، ويقدم توصياته بشأنها للجهات العليا التي تراجع بدورها ذلك من خلال تقارير فصلية تبين مدى التزام الجهات ذات العلاقة بتنفيذ تعليمات الجوده والنوعية، ولتطبيق ذلك يقوم كل عضو هيئة تدريس بتعبئة نموذج خاص بتقييم المساق، يضع فيه ملاحظاته، ونتائج علامات الطلبة، والتوصيات التي يقترحها بشأن تطوير المساق أو تعديل المحتوى العلمي فيه وهذا التقرير يرفعه إلى رئيس القسم الذي يقوم بدوره إلى إحالته للجنة الجودة والنوعية في القسم، لتقييم ما ورد فيه من ملاحظات المدرس، وهذه اللجنة تقدم توصياتها إلى لجنة الجودة والنوعية في الكلية التي ترفع بدورها تلك التوصية إلى لجنة الجودة والنوعية في الجامعة لدراستها، واتخاذ قرار بشأنها.
ولتحقيق متطلبات جودة التعليم الجامعي لابد من :
أولا: على مستوى الطالب الجامعي، ينبغي أن يتنقل الطالب في المنهاج الجامعي من مجرد وسيلة استقبال إلى عنصر فعال في تشكيل المنهاج ومحاورة المادة العلمية، وإبداء وجهة النظر، وتشكيل شخصية علمية مستقلة، قادرة على إبداء الرأي ومحاورة الآخرين.
ثانيا: على مستوى عضو هيئة التدريس، ينبغي أن يواكب المتغيرات العلمية المتسارعة ويطور من أدائه على المستويين الأكاديمي والتقني، وفي هذا المجال يأتي دور الجامعة في تقييم أداء أعضاء هيئة التدريس، وتصنيفهم حسب مايلي:
- تطوير عضو هيئة التدريس في أدائه الأكاديمي.
- استخدامه وسائل حديثة في عملية التدريس.
- نشر أبحاث علمية محكمة .
- مشاركته في ندوات ومؤتمرات علمية.
وفي حال عدم توافق عضو هيئة التدريس مع هذه المواصفات، تقوم الجامعة بعقد دورات تدريبية لأعضاء هيئة التدريس المعنيين، بهدف توجيههم وتطوير أدائهم العلمي والمعرفي.
ثالثا: على مستوى المنهاج، تتم مراجعته من قبل لجان متخصصه بهدف تطويره أو تغيير محتواه العلمي بما يتناسب مع التطورات العلمية المتسارعة.
رابعا: على مستوى المؤسسة التعليمية، تقوم المؤسسة بمراجعة أنظمتها وقوانينها، والعمل على تطويرها إداريا ومهنيا بما يحقق تطويرا نوعيا في المستويات الآتية:
- الأجهزة والمختبرات
- المرافق والخدمات
- الرضا الوظيفي
- وسائل الاتصال
- الحقوق والواجبات
سلامة تطبيق معايير الجودة:
من أجل تطبيق معايير الجودة بشكل صحيح وسليم، يجب توافر عدة شروط منها:
1- توافر الرغبة الصادقة في كل الأطراف ابتداء من الطالب، وانتهاء بالمؤسسة للعمل من أجل تطبيق معايير تمثل استراتيجية دائمة، وليست مرحلية، فالجودة ليست وليدة لحظة أو مرحلة، وإنما هي سياسة عامه لابد من اعتمادها وتطبيقها.
2- تعاون الجهات المعنية ذات الشأن في عملية ضبط معايير الجودة والنوعية، وفق أسس ثابتة وواضحة يتم تطبيقها على الجميع.
3- عدم الاكتفاء بوضع المعايير النظرية، وإنما الانتقال من المعيار النظري إلى التطبيق العملي ، حتى تكون عملية الضبط عملية جادة.
4- مراجعة المعايير من فترة إلى أخرى، حسب متغيرات العمل، وما يجد من ظروف مستحدثه.
5- اعتماد مبدأ الثواب والعقاب في عملية التقييم ابتداء من الفرد، وانتهاء بالمؤسسة.
6- مراجعة الأقران، أي المؤسسات الأكاديمية المتماثلة، ويقوم بهذه المهمة فريق عمل يلتقي كلا من الطلاب أعضاء هيئة التدريس، ورؤساء الأقسـام وعمـداء الكليـات،
وإدارة الجامعة، ويقوم بزيارة المرافق ذات الشأن، ويقدم تقريرا عما إذا كانت الجامعة أو الكلية تلبي التوقعات المطلوبة،من معايير الجودة والنوعية ويحكم الفريق على مدى مصداقية المعلومات التي قدمتها المؤسسة عن نفسها.