اللعب والألعاب في الشعر العربي
عندما يدور الحديث عن الأطفال ، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن ، طفولتهم البربئة وعفويتهم الصادقة ، وفرحهم الذي يتجسد من خلال لعبهم وألعابهم المتنوعة التي يعبرون فيها عن ذواتهم ، والتي تنمي مداركهم العقلية والذهنية حيناً ، وتبعث في نفوسهم الفرح والسعادة والضحك في أحيان أخرى كثيرة ، وذلك حسب نوع اللعب وماهية الألعاب ، ولن الطفل فلذة كبد الأهل ، وإسعاده هي غايتهم وهدفهم الدائم ، فقد احتلت هذه المسألة جانباً مهماً عند الشعراء العرب ، ولا سيما شعراء العصر الحديث ، فراحوا يصفون فرحهم بأطفالهم وهم يلعبون ويمرحون ، ويجسدون ذلك في شعرهم وقصائدهم بأجمل الكلمات وأحلى التعابير .
في موضوعنا التالي نتطرق إلى المعنيين معاً ، أي ( لُعَب ولَعِب الأطفال ) :
ونستشهد بداية بالشاعر ( جابر خير بك )
الذي يصور فرح تلاميذ المدرسة وهم يستعدون للعب وقضاء الوقت بعد انتهاء الدوام ، حيث يقول :
أجمل الساعات بعد التعـب
هي ما تمضي بنا في الملعب
نتلوى كفراشـات الضحـى
كلما دقـت طبـول اللعـب
وتبقى أيام المكتب والمدرسة محببة في نفوس الأطفال حتى ولو أصبحوا كباراً ودخلوا معترك الحياة ، حيث تظل تلك الذكريات الحلوة عالقة في نفوسهم ، وهذا ما يشير إليه الشاعر ( أحمد شوقي ) بقوله :
ألا حبذا صحبة المكتـب
وأحبب بأيامـه أحبـب
ويا حبذا صبية يمرحون
عنان الحياة عليهم صبي
وإذا ما انتقلنا إلى الدمى التي يلعب بها الأطفال ، نجد أن كثيراً منهم يسمون ألعابهم بأسماء متنوعة ، وها هي إحداهن تلعب مع دميتها قائلة :
لعبتي سميتها مها قلبـي يحبـهـا
شقـراء لعبتـي تفهـم همستـي
رفيقتـي مـهـا قلبـي يحبـهـا
وتتنوع الألعاب عند الأطفال وتختلف الأناشيد حولها ، فهذا ينشد لهرته ، وذاك لكرته ، وآخر لحمامته .. والخ
وها هو طفل يقول في كرته التي أحبها :
كرتي كرتي ما أحلاهـا
ما أحسنها ما أبهاهـا
كرتي تعلو حتى السقف
وأنا أعدو وأخي خلفي
وقد تحفز الألعاب الأطفال للاستعداد للمستقبل ، وتجعلهم يحلمون به ويسعون لتحقيقه ، وها هو أحدهم يقول في طيارته التي صنعها :
طيارتي .. يا ليتني
أصير طياراً غـدا
أحمي سماء موطني
وعنه أطرد العـلا
وكذلك تعمد بعض الأسر ، إلى تأمين ألعاب متنوعة لأطفالها كالطائرات والدبابات والجنود والسيارات وسواها ، لأنها تنمي عندهم روح البطولة والشجاعة منذ الصغر ، وها هي الشاعرة ( هند هارون ) مثلاً ، تصف لنا كيف كان وحيدها عمار يعشق الألعاب فتقول :
كما كان يعشق كل ألوان السلاح
لعبـاً تصـارع فـي الصبـاح
ومعاركاً وهمية تغـزو الريـاح
ومسدسات هادرات في الفضاء
وبوارجـاً حربيـة ومدمـرات
ويتعلق بعض الأطفال بأنواع معينة من الألعاب التي تمثل بعض الحيوانات ، وفي هذا يقول الشاعر ( سعيد جودة السحار ) على لسان طفل يصف جمال هرته نميرة :
هرتي صغيرة
واسمها نميرة
شعرها جميـل
ذيلها طويـل
لعبها يسلـي
وهي لي كظلي
هرتي نميـرة
لعبتي الصغيرة
والآن وبعد هذه الأناشيد الجميلة ، تعالوا نصغ إلى مشاعر الحب والغبطة عند الآباء والأمهات ، وهم يقدمون لنا صوراً شتى لملاعبتهم لأطفالهم داخل المنزل ، أو لشقاوة الأطفال البريئة وعبثهم بأثاث المنزل وتعريضه " للكركبة والفوضى " الأمر الذي يسكت عنه الأهل في أغلب الأحيان ، لأنه نابع من البراءة التي لا يقصد بها الأذية أو التخريب .
وهذا ما تعبر عنه قصيدة " أبوة " للشاعر ( عمر بهاء الأميري ) والتي يقول فيها :
في كل ركـن منهـم أثـر
وبكل زاوية لهـم صخـب
في الباب قد كسروا مزالجه
وعليه قد رسموا وقد كتبوا
في الشطر من تفاحة قضموا
في علبة الحلوى التي نهبوا
ولا شك أن مثل هذه الذكريات للعب الأطفال ومشاغباتهم ، تتوارد في ذهن كل أب ، بعد أن يكبر أطفاله ، أو يرحلوا عنه لسبب من الأسباب ، وهذا ما حدث للشاعر الكويتي ( عبد الغني أحمد الحداد ) الذي سافر أطفاله وتركوه وحيداً في غاية الصمت الموحشة ، فأنشد قصيدته " الواحة المسافرة " يقول :
غابوا فغاب الأنس وانطفأت أغاريـد حسـان
في وحشة الصمت الكئيب أعيش وانعقد اللسان
رحلوا .. وحين فراقهم .. عبثاً تدارى دمعتان
وكثيراً ما يشارك الكبار لعب الصغار ، ويرون فيهم طفولتهم التي مضت ، وهذا ما تشير إليه الشاعرة اللبنانية ( زهرة المر ) في قصيدتها التي تتحدث فيها عن مشاركتها لحفيدتها – أروى – في اللعب واسترجاع الذكريات حيث تقول :
أحفيدتي ، ولأنت في خلـدي
أحلى وأجمـل قصـة تـروى
جددت فيـك طفولتـي فأنـا
أنت ، ومـا تهوينـه أهـوى
ورجعت ألعب ، بعد أن هجرت
كف المشيـب اللعـب واللهوا
وهكذا تنزل الشاعرة إلى مستوى الأطفال ، وتلاعبهم وتلعب معهم ، وقد نجد في بعض القصائد عند الشعراء ما يدل على أصدق المشاعر الجياشة بين الأب وأبنائه الصغار ، وتحمله لكل ما يقومون به من عبث بمحتويات المنزل ، إلى مداعبتهم لشعره وشاربه ولحيته ، وهذا ما يعبر عنه الشاعر ( فواز حجو ) في قصيدته " فؤادي الوحيد " التي يقول فيها :
تقوم وتقعد فـي خاطـري
وتحبو بعيني حيـث تريـد
وتنتف ما شئت من شاربي
وتلهـو ببيـدر كالحصيـد
فاسمع شدوك حيث ارتحلت
فتحلو بحار وتخضرّ بيـد
وكثيراً ما يحدث خلاف بين الإخوة حول اللعب والألعاب في المنزل فيهرعون إلى " بابا " ليحكم بينهم ، وقد يلح أحدهم عليه ليسترجع لعبته التي أخذها منه أخوه ، وهذا ما نراه عند الشاعر الدكتور ( وليد قصاب ) من دبي ، حيث يقول واصفاً طفلته التي جاءت باكية إليه تشتكي من أخيها الذي مزق لعبتها فيقول :
تأتي إلي لتشتكي في غضبة
وتروم منـي أن أرد أخاهـا
" أنس " يكسر ما لديها عابثاً
ويشد لعبتهـا وقـد آذاهـا
إني أريد عروسة صداحـة
بابا حبيبي لا أريـد سواهـا
وتتنوع طرق التسلية والمتعة حتى لدى الكبار ، فتراهم يأخذون أطفالهم في نزهة إلى الغابة أو شاطئ البحر في العطل والأعياد ، فيلعبون سوية ويستمتعون بضحك وفرح أطفالهم وهذا ما نراه عند الشاعر ( محمد سعيد البريكي ) الذي يصف سعادة وفرح ابنته " بسمة " وهو يشاركها اللعب فيقول :
كم على الشاطئ الجميل جمعنا
صدفاً حين يداعب الموج رمله
وبنينـا مـن الرمـال بيوتـاً
فمحا الموج ما بنينـاه جملـه
وضحكنا فالعيـش بـؤس إذا
لم يسعد المرء باللطائف أهله
أخيراً .. وبعد أن اقتطفنا وروداً جميلة من حدائق قصائد بعض الشعراء ، الذين أنشدوها في حب الأطفال للعب والألعاب وصاغوها بأسلوب جميل ، وكلمات حلوة وبسيطة ، وألفاظ شيقة سهلة ، وزينوها بأروع العواطف وأرق الأحاسيس الجياشة بحب فلذات الأكباد ، لا بد من القول بأن كل ما ذكرناه إنما هو غيض من فيض ، فالأطفال زينة الحياة وعالمهم عالم كبير مزهر ومن الأهمية بمكان أن نلج في هذا العالم لنحافظ عليه ، ونصون البراءة والصدق والعفوية التي يتسم بها ونوفر له الفرح والسعادة الدائمة ، وما هذه المحاولة إلا خطوة على طريق الألف ميل في عالم الطفل الرائع .