دويتشه فيله - حذرت منظمة اليونسكو في تقريرها العالمي لرصد التعليم لعام 2010 من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على أوضاع التربية والتعليم في العالم العربي والبلدان النامية بشكل عام وتأثيرات ذلك على استراتجيات التنمية ومحاربة الفقر
دقت منظمة التربية والثقافة والعلوم "يونسكو" ناقوس الخطر في تقريرها لعام 2010 حول أوضاع التعليم في البلدان النامية على ضوء تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. ورصد التقرير أيضا تطور الوضع التعليمي في المنطقة العربية ومدى اقترابها من الأهداف التي حددها المجتمع الدولي لتعميم التعليم. ويذكر أن التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع، تقرير سنوي تنشره اليونسكو، ويعده فريق من الخبراء الدوليين في مجالات التربية والتعليم من أجل تقييم الجهود المبذولة لتحقيق أهداف التعليم للجميع التي التزم بها أكثر من 160 بلدا عام 2000.
وفي حديث لدويتشه فيله قال بسام منصور، مسؤول الإعلام للمنطقة العربية باليونسكو، إن "ما يحدث في معظم البلدان النامية ينطبق إلى حد كبير على العالم العربي". ورصد تقرير هذا العام "تقدما متفاوتا في المنطقة العربية من حيث تحقيق أهداف التعليم للجميع، وأعرب عن بعض التشاؤم على ضوء تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية التي قال بسام منصور إنها "ستحد من فعالية السياسات التعليمية في مجالات التربية على المدى المنظور".
فشل الجهات المانحة في الوفاء بوعودها
ويحمل تقرير هذا العام عنوان "سبيل إنصاف المحرومين"، واعتبر أنه رغم التقدم الملحوظ في مجال تعميم التعليم على مدى العقد المنصرم لعدد من البلدان النامية، فإن الجهات المانحة أخفقت في الوفاء بوعودها. ففي بلدان جنوب الصحراء الإفريقية، زادت أعداد المسجلين في المدارس خمسة أضعاف بالمقارنة مع ما كان عليه الأمر في عقد التسعينات. وذكر التقرير بالاسم بلدانا مثل بنين وموزنبيق اللتان حققتا تقدما أبهر كتاب التقرير. أما في جنوبيّ وغربيّ آسيا، فانخفض عدد الأطفال خارج النظام التعليمي إلى النصف، ويعزي التقرير السبب في ذلك إلى الجهود المكثفة لتعليم البنات. كما حققت الهند نتائج مماثلة، إذ تمكنت من تخفيض عدد الأطفال غير الممدرسين إلى حوالي 15 مليونا خلال عامين فقط، بين 2001 و 2003.
ولكن و بالرغم من هذه الإنجازات، فإن اليونسكو رجحت سيناريو عدم تحقيق هدف تعميم التعليم الابتدائي في أفق عام 2015. وحملت في ذلك المسؤولية ليس فقط للسياسات الحكومية على المستوى الوطني، ولكن أيضا لعدم وفاء الجهات المانحة بوعودها. وقدر التقرير عجز التمويل السنوي بـ 16 مليار دولار أمريكي، وهي فجوة تتعمق باطراد بالمقارنة مع السنوات الماضية، مما يبعد أمل تحقيق الأهداف الرئيسية للتعليم في البلدان النامية كما حددها المجتمع الدولي.
"انجازات العالم العربي أقل من دول جنوب الصحراء"
وفي حديثه لدويتشه فيله أكد بسام منصور على التفاوت الكبير في المكاسب التي حققتها البلدان العربية في مجال التعليم، ولكنه أشار أن بعض التقدم الذي تحقق "لا يزال أقل من التقدم الحاصل في جنوب وغرب آسيا، أو في إفريقيا جنوب غرب الصحراء الكبرى. هذا ولفت تقرير اليونسكو الفوارق العميقة بين الجنسين من حيث الاستفادة من النظام التعليمي، إذ أن 28 بلدا من بلدان العالم النامي، جزء كبير منها ينتمي للمنطقة العربية، لا تتراوح فيهم نسبة البنات بالمقارنة مع الصبيان في المدارس الابتدائية تسعة من عشرة أو أقل.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر تمكنت السنغال من تحقيق المساواة بين الجنسين على مدى جيل واحد من المرحلة الابتدائية، الأمر الذي يبدد، من وجهة نظر كتاب التقرير، "خرافة أن البلدان الفقيرة عاجزة عن تحقيق تقدم سريع في مجال التربية"، إلا أن هذا لم يمنع خبراء الأمم المتحدة من دق ناقوس الخطر، بحكم أن بلدانا كثيرة سوف لن تتمكن على الأرجح من بلوغ الأهداف التي التزمت بها الحكومات عام 2000.
وأشار بسام منصور إلى أن المنطقة العربية "حققت تقدما كبيرا منذ عام 1999، إذ انخفض الأطفال غير الممدرسين بنسبة 28 في المائة في مجموع دولها، وهو ما يعادل 2.2 مليون طفل". وخصص بسام منصور بالذكر اليمن والمغرب اللتان حققتا طفرة ملحوظة بهذا الصدد.
تحذير من تداعيات الأزمة الاقتصادية على مساعدات التعليم
من جهة أخرى حذرت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا بمناسبة صدور هذا التقرير، الدول الغنية من ألا يكون انشغالها بالنهوض باقتصادها على حساب الدعم المقدم للبلدان الفقيرة في المدى القريب في مجال التعليم، وبالتالي تفادي التضحية بجيل كامل من أطفال البلدان النامية. و توقع التقرير في هذا السياق احتمال أن تحرم النظم التعليمية في إفريقيا لوحدها، بين عامي 2009 و 2010 نحو 4.6 مليارات دولار أمريكي من الإنفاق العام، كنتيجةً مباشرة للأزمة المالية العالمية.
ورصد التقرير أن تعهدات الدول الغنية بمساعدة التعليم الأساسي، بدأت في الركود منذ عام 2004، ثم انخفضت بأكثر من الخمس عام 2007. كما انتقد التقرير طبيعة مساعدات ثلاثة من الدول المانحة الكبيرة وهي ألمانيا وفرنسا واليابان والتي "تهمل نسبيا التعليم الأساسي وتخصص أكثر من نصف مساعداتها لمستويات ما بعد المرحلة الابتدائية". ودعا التقرير البلدان الغنية ومجموعة العشرين بشكل خاص إلى زيادة مساعداتها تجنبا لحصول تسويات ضارة في ميزانيات الدول الفقيرة.
أما بخصوص البلدان العربية فقد قال بسام منصور إن قطاع التعليم فيها تلقى ما لا يقل عن مليار دولار من المساعدات منذ عام 2000. وأضاف أن التعليم كان يستفيد ذلك الوقت من 18 بالمائة من مجموع مساعدات التنمية التي كانت تتدفق على المنطقة، إلا أن هذه النسبة تقلصت إلى 6 بالمائة عام 2007. وعلى مستوى العقد المنصرم بأكمله "زادت مساعدات التعليم الأساسي في المنطقة العربية بـ 45 المائة، فيما ظهرت السعودية كأحد أكبر المانحين في المنطقة.