بسم الله الرحمن الرحيم
بشرى للمرضى
الحمد لله رب العالمين , قيُّوم السموات والأراضين , جعل المرض رحمة للطائعين , وعقوبة للعاصين , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحق المبين , أعلى بالمرض قدر المؤمنين , وجعل درجتهم في عليين , وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله النبي الأمين , بعثه الله رحمة للعالمين , صلى الله عليه وسلم كلما ذكره الذاكرون , وكلما غفل عنه الغافلون , وعلى آله وأصحابه ومن سار على طريقه إلى يوم الدين .
المرض للمسلم نعمة ومنحة , لأنه يتحقق به فضائل كثيرة ومنافع عديدة , لذا كان الصالحون يفرحون بالبلاء كما نفرح بالرخاء . يقول صلى الله عليه وسلم : " وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كم يفرح أحدكم بالرخاء " . والبلاء علامة الخيرية عند الله تعالى . يقول صلى الله عليه وسلم : " من يرد الله به خيراً يصب منه " . أي يبتليه بالمصائب ليثيبه عليها .ومفهوم الحديث : أن من لم يرد الله به خيراً لم يصب منه . ويقول صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله بعبده الخير عجلَّ له العقوبة في الدنيا , وإذا أراد الله بعبده الشرَّ أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة " .
وعدم المرض وعيد لصاحبه بالنار , فقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فقال : " هل أخذتك الحمَّى ؟ " . قال : لا . قال : " هل أخذك الصداع ؟ " . قال : لا . قال : " من أحبَّ أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا " .
وقال ابن مسعود : إنكم ترون الكافر من أصح الناس جسماَ , وأمرضهم قلباً , وتلقون المؤمن من أصح الناس قلباً وأمرضهم جسماً , وأيم الله لو مرضت قلوبكم وصحَّت أجسامكم لكنتم أهون على الله من العجلان .
وقال بعضهم : ارض عن الله في جميع ما يفعله بك , فإنه ما منعك إلا ليعطيك , ولا ابتلاك إلا ليعافيك , ولا أمرضك إلا ليشفيك , ولا أماتك إلا ليحييك , فإياك أن تفارق الرضى عنه طرفة عين فتسقط من عينه .
وقال سفيان الثوري : ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة , والرخاء مصيبة .
وللمرض في حياة المسلم فوائد كثيرة تثمر في الدنيا والآخرة , ومن هذه الفوائد :
1- التأسي بالأنبياء عليهم السلام : فلقد ابتلي أيوب بالمرض ثمان عشرة سنة وهجره الناس وتركوه إلا رجلان من إخوانه , وفقد صحته وماله وولده ثم شفي بالدعاء وبذل الأسباب وشرب الماء والاغتسال منه . وابتلي رسولنا صلى الله عليه وسلم بالمرض , إذ مرض في آخر حياته حتى اعتزل الناس وبقي في بيته واعتزل المسجد لشدة المرض وأغمي عليه واشتد به المرض حتى مات .
2- أن الموت ببعض الأمراض شهادة : مثل : الموت بمرض الطاعون , وبمرض البطن , وبذات الجنب .. ونحوها , يقول صلى الله عليه وسلم : " الشهداء خمسة : المطعون , والمبطون , والغريق , وصاحب الهدم , والشهيد في سبيل الله " .
3- الاتصاف بصفة الصبر : والصبر نصف الدين , ويحرق الذنوب والمعاصي , ثوابه لا يتقيد بعدد , بل يوفَّى أهله أجرهم بغير حساب , وهو البشارة من رب العالمين , وهو سبب من أسباب دخول الجنة .
4- مغفرة الذنوب والسيئات التي نقترفها في جميع الأوقات , نقترفها بقلوبنا , وبأبصارنا , وبأسماعنا , وبجميع جوارحنا. يقول صلى الله عليه وسلم : " ما مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها " . ودخل صلى الله عليه وسلم على أم السائب فقال : " مالك يا أم السائب ؟ " ... قالت : الحمى لا بارك الله فيها . فقال : " لا تسبي الحمى , فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد " . والمرض طهور يطهر الله به القلوب والجوارح . ولذا يشرع عند عيادة المريض أن يقول العائد له : ( طهور إن شاء الله ) .
5- كتابة الحسنات ورفع الدرجات . قالت عائشة رضي الله عنها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما ضرب مؤمن عرق قط إلا حط الله به عنه خطيئة , وكتب له حسنة , ورفع له درجة " . وقال أبي بن كعب : يا رسول الله : ما الحمى ؟ قال : " تجري الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق " . ولعل سبب كثرة ثواب الحمى لأنها تدخل في كل عضو , وإن الله يعطي كل عضو قسطه من الأجر . قال أبو هريرة : ما من مرض يصيبني أحب إليَّ من الحمى لأنها تدخل في كل عضو فيَّ وإن الله يعطي كل عضو حظه من الأجر . وبالمرض يبلغ الإنسان المنزلة العالية عند الله تعالى : يقول صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها " . وبالمرض يدوم العمل الصالح لأن المريض دائم الذكر , ودائم الدعاء , ويدوم له العمل حال مرضه إذ يكتب الله له ما كان يعمل حال صحته . يقول صلى الله عليه وسلم : " إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً " . ويقول : " إذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده . قال الله عز وجل : اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله , فإن شفاه غسله وطهره , وإن قبضه غفر له ورحمه " .
6- أنه سبب من أسباب دخول الجنة . ولهذا فمن مرض في عينيه وفقدهما فصبر أدخله الله الجنة . يقول صلى الله عليه وسلم : " يقول الرب : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته الجنة " . وقال صلى الله عليه وسلم للمرأة الي تصرع : " إن شئت صبرت ولك الجنة " قالت : أصبر وأريد الجنة .
7- النجاة من النار . فلقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم مريضاً , ومعه أبو هريرة وكان يوعك . فقال له : " أبشر فإن الله عز وجل يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة ". وقال : " الحمى حظ كل مؤمن من النار " .
8- تذكير الإنسان بمعصيته . فإن أصابه فبما كسبت يده ليقلع عنها ويندم على فعلها , ويعزم على عدم العودة إليها . يقول الله تعالى : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " . وقال صلى الله عليه وسلم : " ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب , وما يدفع الله عنه أكثر " .
9- التذكير بنعم الله تعالى على العبد . نعمة القوة التي فقدها بالمرض , ونعمة النوم الذي كان يقصر به الليل ويقوى به في النهار , ولذة الطعام والشراب . وغيرها..
10- تطهير القلب من أمراضه . لأن الصحة تدعو إلى الشر والبطر والكبر والعجب , والمرض يمنعه من ذلك ويدعوه إلى التواضع والشفقة والرحمة .
11- أنه يحمد الله تعالى أن جعله مرض بدن ولم يجعله مرض قلب . فإن أمراض القلوب خطيرة ذمها الله عز وجل , وأمراض القلوب مرضان : مرض شبهة , قال الله تعالى : " في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً " . ومرض شهوة , يقول الله تعالى : " فيطمع الذي في قلبه مرض " .
ويجب على المريض أن يرضى بقضاء الله وقدره , فإن الله قد قدر ذلك , ويحسن الظن بالله تعالى , ويرجو رحمته ويخشى عقابه , ولا يتمنى الموت لضُرٍّ نزل به , ويؤدي الحقوق إلى أهلها , ولا يبيت بلا وصية مكتوبة , وأن يحتسب ما أصابه وأن يوقن بثواب الله تعالى , وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه , وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه , وأن يعلم أن نعم الله عليه كثيرة وما ابتلاه به شيء يسير .
نسأل الله أن يرزقنا الرضى بالقضاء , والصبر على البلاء , والشكر عند الرخاء , وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
نقلت الموضوع بتصرف من كتيب / بشرى للمرضى
لفضيلة الشيخ / سعد بن سعيد الحجري
موقع طريق الدعوة
www.tttt4.com