بتـــــاريخ : 9/22/2010 11:52:42 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 2109 0


    بناء الإسلام الحق

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : د.فواز القاسم | المصدر : www.fin3go.com

    كلمات مفتاحية  :

    بناء الإسلام الحق..د.فواز القاسم / سوريـة
     
     
    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده
     
     
     
    { إن الدين عند الله الإسلام }
     
     
     
    لقد امتاز جيل الصحابة الكرام ? بميزتين عظيمتين ، بهما كان جيلهم خير الأجيال وقرنهم خير القرون
     
     
     
    ( خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )
     
     
     
    الميزة الأولى :
     
     
     
    صحبتهم لرسول الله? وما أسبغته عليهم من الأجر والفخر ، كيف لا ورسول الله ? هو من هو بالفضل ، فهو أشرف خلق الله أجمعين ، وخاتم الأنبياء والمرسلين ، والمبعوث رحمة للعالمين ، وصاحب المنزلة الرفيعة التي لا تدانيها منزلة عند الله تعالى.
     
     
     
    ولا نشك أبداً بوجود ميزة خاصة عند الله تعالى لهذا الرسول الكريم ، ولكل من تشرف برؤيته وصحبته ومجالسته والسماع منه والجهاد معه من الصحابة الكرام.
     
     
     
    والميزة الثانية
     
     
     
     التي ميزت جيل الصحابة الكرام هي : أنهم كانوا صورة طبق الأصل لمعاني الوحي العظيم، وكانوا عين المعنى لجوهر العقيدة والتوحيد ، ولم يكن لديهم أي فارق بين العلم والعمل أو بين النظرية والتطبيق ، بمعنى آخر أنهم كانوا مسلمين حق الإسلام ، ومؤمنين حقّ الإيمان …
     
     
     
    ولقد شهد الله لهم بهذه الشهادة المشرّفة فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}(الفتح:29)
     
     
     
    وقال أيضاً :{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}(لأنفال:74)
     
     
     
    وقال عنهم :{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}(الفتح:26)
     
     
     
    أي كانوا جديرين بكلمة التوحيد وأهلاً لها رضوان الله عليهم .
     
     
     
    ولو رحنا نستعرض صفحات السيرة المطهرة ونحصي كل مواقف ومآثر الصحب الكرام، لفني العمر وانقضى الدهر قبل أن ننجز هذه المهمة الجبارة، ولكننا نكتفي هنا ببعض الشذرات والإشراقات من ذلك السفر الخالد ، ليكون عبرة للأجيال وقدوة للسالكين .
     
     
     
    * فأما في مجال العقيدة : فقد وصلوا إلى حقيقتها…
     
     
     
    فهذا علي رضي الله عنه يقول: والله لو كشف الغطاء ورفعت الحجب لما ازداد إيماني ذرّة واحدة.!
     
     
     
    وهذا حارثة، يسأله الصديق: كيف أصبحت يا حارثة.!؟ فيقول: لقد أصبحت مؤمناً حقاً، فيقول له الصديق: أنظر يا هذا فإن لكل قول حقيقة، فما حقيقة إيمانك.!؟ فيقول: أصبحت أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وأنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار يتضاغون فيها، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري.!!!
     
     
     
    وهكذا فإننا لو رحنا نتتبع هذه الحقيقة في واقع الصحابة الكرام، لوجدنا ما يبهر العقول ويدوّخ الأسماع من رسوخ مطلق كرسوخ الجبال الراسيات في جانب العقيدة، لا تهزهم محنة، ولا تضعفهم مصيبة، ولا يثنيهم أمر كائنا ما يكون عن المضي قدماً في طريقهم لتحقيق أهداف الإسلام، ولذلك فلا غرابة أن يحققوا في ربع قرن ما يعجز غيرهم عن تحقيقه في دهور وقرون، رضوان الله عليهم أجمعين
     
     
     
    * وأما في مجال العبادة : فقد بلغوا غايتها …
     
     
     
    لقد قاموا الليل حتى تفطرت أقدامهم، وصاموا النهار حتى ذبلت أجسامهم، واشتغلوا بتعلّم القرآن وتعليمه، بعد أن سمعوا حبيبهم رسول الله، يقول: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) وكان يُسمع لهم في الليل دويّ كدويّ النحل من الذكر والدعاء والبكاء
     
     
     
    حتى أشفق الله عليهم ، فأنزل قرآناً يخفف عنهم {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (المزمل:20)
     
     
     
    * وأما في مجال الكرم والإنفاق فقد بلغوا ذروته …
     
     
     
    فكان يكفي لأحدهم أن يسمع آية من كتاب الله تعالى ، أو حديثاً من رسوله ? تحث على البذل والإنفاق حتى ينخلع من ماله .
     
     
     
    دعا رسول الله، يوماً صحابته للإنفاق وحثّهم عليه، فقال عمر وكان ذا مال: اليوم أسبق أبا بكر، وذهب فأحضر نصف ماله، فسأله رسول الله : كم تركت لأهلك يا عمر.!؟ فقال الفاروق فرحاً: نصفه يا رسول الله، فباركه رسول الله ودعا له بخير، وما هو إلا أن قدم الصديق، فإذا هو قد أحضر ماله كلّه، فلما سأله رسول الله: ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر.!؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله.!؟
     
     
     
    فقال عمر: والله لن أسبقه بعد اليوم أبداً
     
     
     
    ومعروفة قصة هجرة الصديق، مع رسول الله، وأسماء مع جدها.
     
     
     
    كما هي معروفة قصة صهيب، مع مشركي مكة. لقد كان رسول الله، قمّة شامخة في الكرم والبذل والعفّة والنزاهة المالية، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يدارسه جبريل، أمور القرآن، فكان كالريح المرسلة.
     
     
     
    ولقد اقتدى بهذه السيرة العطرة، وهذه الأخلاق الفاضلة، آل بيته الأطهار، وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم جميعاً، كما تخرَّج من مدرسة هذا الرسول العظيم، جيل من القادة الربانيين رضوان الله عليهم، ضربوا أروع الأمثال في النزاهة المالية، والإيثار، والكرم، والقدوة
     
     
     
    كان أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه، يطوف على العبيد والمستضعفين المسلمين، وهم يُعَذَّبون في سبيل الله، فيعتقهم، حتى لامه أبوه، أبو قحافة على ذلك
     
     
     
    قال ابن اسحق: قال أبو قحافة لأبي بكر: يا بني، إني أراك تعتق رقاباً ضعافاً، فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً جلداً يمنعونك ويقومون دونك.!؟
     
     
     
    قال: فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا أبت، إني إنما أريد ما أريد، لله عز وجل…
     
     
     
    قال: فيتُحدث أنه ما نزلت هذه الآيات إلا به { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى}
     
     
     
    إلى قوله {وما لأحد عنده من نعمة تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى}سورة الليل.هشام1 (319 )
     
     
     
    ولقد رأيناه في الهجرة، كيف يحتمل كلَّ ماله لينفقه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك كان سلوكه في المرحلة المدنية…
     
     
     
    وأنفق عثمان بن عفان رضي الله عنه، أموالاً طائلة، فقد جهز جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيراً، وأتمَّ الألف، بخمسين فرساً
     
     
     
    ولما قدم المهاجرون المدينة، استذكروا الماء، وكان لرجل من بني غِفار عينٌ يقال لها (رُومة)،وكان يبيع منها القربة بمُدْ، فاشتراها منه عثمان رضي الله عنه،بخمسة وثلاثين ألف درهم،وجعلها وقفاً للمسلمين. الرياض النضرة (2/122)
     
     
     
    وكان للزبير بن العوّام رضي الله عنه ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فما كان يدخل بيته منها درهمٌ واحد ، كان يتصدَّق بذلك كلّه على فقراء المسلمين .
     
     
     
    ولقد باع يوماً داراً له بستمائة ألف درهم ، فقيل له : يا أبا عبد الله لقد غُبِنْتَ ! فقال : كلا والله لتعلمُنَّ ، لم أُغبَنْ..هي في سبيل الله . الرياض النضرة (2/364)
     
     
     
    وباع عبد الرحمن بن عوف ، أرضاً لعثمان بن عفَّان ، رضي الله عنهما ، بأربعين ألف دينار ، فقسَّم ذلك المال في بني زُهرة ، وأمهات المؤمنين ، وفقراء المسلمين.
     
     
     
    وكان من قبل ، قد تصدَّق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشطر ماله، أربعة آلاف دينار ، ثم تصدَّق بأربعين ألف دينار ، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله ، ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله ، ولقد وردت له قافلة يوماً من الشام ، فتصدَّق بها كلَّها ، بأحلاسها وأقتابها وما فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم .   الرياض النضرة(2/385)
     
     
     
    وتصدَّق سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه ، بثلث ماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
     
     
     
    ولما مات أستاذ العسكريّة، وعبقريُّ الحروب، سيف الله، خالد بن الوليد رضي الله عنه ، أتدرون أيها القادة العرب، وأيها المسلمون المجاهدون ، ماذا كانت ثروته وترِكته.!؟
     
     
     
    لقد كانت ثروته: سلاحه الذي جاهد به، وفرسه، وغلامه، ولقد أوصى بها لأميره الفاروق رضي الله عنه.!!
     
     
     
    ولما وقف الفاروق على ثروة أمير الحرب في أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، سيف الله المسلول، خالد بن الوليد المخزومي _ الذي أدال الدول، وهزَّ التيجان، ودوَّخ الملوك، ومسح خارطة فارس من الوجود وأزاح حدود دولة بيزنطة إلى الشمال مئات الكيلومترات… والذي خاض في غضون اثنتي عشرة سنة، إحدى وأربعين معركة حربيّة، لم يخسر فيها معركة واحدة…
     
     
     
    أقول : لما وقف الفاروق أسطورة الزهد والعدل في هذه الأمة، بكى حتى اخضلَّت لحيته، وقال: رحم اللهُ أبا سُلَيْمان، لقد كان على غير ما ظننّا به.. الإصابة(2/100)
     
     
     
    ولما قدم أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الشَّامَ ، تلقَّاه أمراء الأجناد ، وعظماء أهل البلاد ، فقال عمر : أين أخي؟ قالوا: من أخوك ؟ قال: أبو عبيدة. قالوا: يأتيك الآن
     
     
     
    فجاء أبو عبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنه، القائد العام للقوات المسلحة العربية الإسلامية في الشام كلها ، والرجل الثاني بعد عمر أمير المؤمنين، جاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلَّم عليه، فقال عمر للناس: انصرفوا عنَّا! وسار عمر مع أبي عبيدة حتى أتى منزله، فلم يرَ فيه غير سيفه وترسه! فأشفق عليه عمرُ وقال: لو اتَّخذتَ متاعاً يا أبا عبيدة ! فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين ، إنَّ هذا سيُبَلِّغُنا المَقيل.!
     
     
     
    فقال عمر: لقد غيَّرتنا الدنيا كلّنا، إلاَّك يا أبا عبيدة.!!!
     
     
     
    الإصابة (4/12) ، أسد الغابة (3/86)
     
     
     
    ولقد كتب عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه ، إلى أهل حمص يوماً فقال : اكتبوا لي فقراءكم.
     
     
     
    فكتبوا إليه أسماء فقرائهم ، وذكروا فيهم ، عُمَيْرَ بن سعد، فلما قرأ عمرُ الأسماءَ قال: مَنْ عُمَيْر بن سعد هذا !؟ فقالوا:هو أميرنا ، وعاملُك على حِمص.!! فقال:أو فقيرٌ هو !؟
     
     
     
    قالوا:والله، ليس أهل بيت في حمص أفقر منه.!!!
     
     
     
    قال عمر: فأين عطاؤه !؟ قالوا : يُخرجه كلُّه، لا يمسك منه شيئاً!
     
     
     
    فوجَّه إليه عمر بمائة دينار ، فأخرجها كلَّها للفقراء، فقالت له امرأته: لو كنتَ حبست لنا منها شيئاً، فقال: والله لو ذكَّرْتِني لفعلت.!!!
     
     
     
    ألف باء للبلوي (1/443) ، جيش الرسول ، شيت خطاب (82)
     
     
     
    هؤلاء ، يا قوم ، هم القادة الذين تركهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم لأمته، ولقد كان بإمكانهم أن يُثروا بالحلال لا بالحرام ، ومع ذلك لم يفعلوا ، وعفُّوا فعفَّت أمتهم ، ولو رتعوا لرتعت ، وكانوا قدوة للبشرية بأخلاقهم ، وعفَّتهم ، وسلوكهم ، فاستحقوا تأييد الله ونصره وتمكينه ، فلقد غيروا بصدقهم وإخلاصهم خارطة العالم ، وعدّلوا بجهادهم وتضحياتهم مسار التاريخ ، فهل نقتدي بهم ، ونتخلّق بأخلاقهم ، ونسير على نهجهم .!؟
     
     
     
    وأما الجهاد في سبيل الله فقد أصبح حرفتهم :
     
     
     
    نعم، لقد أصبح الجهاد حرفتهم فعاشوا على ظهور الخيل وتحت ظلال السيوف…!
     
     
     
    انظروا مثلاً إلى خالد بن الوليد ? ، وهو من المتأخرين في الإسلام ، ومن المسبوقين في الصحبة ، يقول: والله ، ما ليلةٍ تهدى إليَّ فيها عروس أنا لها محبّ، بأحبِّ إليَّ من ليلةٍ شديدة البرد، أبيت فيها والسماء تنهل عليّ، على رأس كتيبة من المهاجرين، أصبّح قوماً أو أمسّيهم!!!
     
     
     
    كان إذا أمّ أصحابه في الصلاة يقرأ تفاريق من سور مختلفة، فإذا فرغ التفت إلى أصحابه معتذراً فيقول لهم: معذرة أيها القوم، فلقد شُغلنا بالجهاد عن حفظ الكثير من آيات القرآن.
     
     
     
     
     
     
     
    لقد عشق الصحابة الجهاد في سبيل الله لأن فيه عزّهم ومجدهم حتى عدّوا التخلي عنه نوع من التهلكة.!
     
     
     
    روى أبو يعلى، قال: غزونا القسطنطينية، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فحمل رجلٌ من المسلمين على العدوّ وحده.!! فقال القوم: مه، مه، لا إله إلا الله ، يلقي بيده إلى التهلكة.!!!
     
     
     
    فقام الصحابي الجليل ، أبو أيوب الأنصاري (رضي الله عنه)وقال: مهلاً أيها القوم..فو الله، فينا نزلت هذه الآية الكريمة، وذلك، لما نصر الله نبيه، وأعزّ دينه، فأردنا أن نقيم في أموالنا فنصلحها، فأنزل الله فينا:
     
     
     
    (( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )) البقرة (195)
     
     
     
    فالإلقاء باليد إلى التهلكة معنـاه : ترك الجهـاد ، وترك الإنفاق في سبيل الله …
     
     
     
    قال أبو يعلى راوي القصة : فما زال أبو أيوب الأنصاري يجاهد الكفار، حتى استشهد ودفن تحت أسوار القسطنطينية ، وما زال قبره معروف هناك إلى اليوم ( رضوان الله تعالى عليه )
     
     
     
    لقد مات رسول الله ? عن أكثر من مائة وعشرين ألفاً من الصحابة الكرام ، كانوا يشكلون جيلاً فريداً ، وجيشاً عقائدياً مجاهداً لم يسبق أن تجمع مثله في التاريخ البشري كله، ولذلك فلو أجرينا إحصاءً دقيقاً لعدد الصحابة الكرام الذين ماتوا في المدينة المنورة وما حولها لوجدناهم قلة قليلة، وأغلبهم كان قد احتبس لعذر.
     
     
     
    أما الكثرة الكاثرة منهم فقد خرجت جحافلهم من جزيرة العرب فانساحت شرقاً حتى وطئت بحوافر خيلها تربة الصين ، وغرباً حتى خاضت في مياه الأطلسي ، وهكذا فقد استحقوا بإيمانهم وطاعتهم وصبرهم وأخلاقهم وجهادهم نصر الله وتمكينه
     
     
     
    { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ، يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (النور:55)
     
     
     
     
     
     
     
    أيها الأحباب : كيف السبيل لللحوق بهم .!؟
     
     
     
    * أما الصحبة لرسول الله
     
     
     
    فقد فاتتنا ، ولذلك فقد عوّضنا الله تعالى عنها بمضاعفة الأجر ، فقد ثبت عن رسول الله ? أنه قال مخاطباً أصحابه : ( إنكم اليوم على بينة من الأمر ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتجاهدون في سبيل الله ، ثم تظهر فيكم سكرتان، سكرة العيش وسكرة الجهل، ثم تظهر فيكم سكرة حبّ الدنيا، فإذا كنتم كذلك، لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر، ولم تجاهدوا في سبيل الله، القائمون يومئذ بالكتاب والسنة في السرّ والعلن كالسابقين الأولين )
     
     
     
    * وأما التحقق بالإيمان الحق فهو بمقدورنا … ولكن كيف .!؟
     
     
     
    لكي نجيب على هذا التساؤل المهم علينا أن نعرف أولاً ما هو الإسلام الحق في عصر كثرت فيه الفتن والانحرافات ، وانقلبت فيه الكثير من القيم والاعتبارات ، وغابت عن البشرية أغلب تعاليم الرسالات …
     
     
     
    في مثل هذا العصر ، أرى من الواجب على كل مسلم أن يسأل نفسه هذا السؤال الخطير والمصيري :
     
     
     
    هل أنا مسلم حقّاً .!؟
     
     
     
    ولكي يعرف الإجابة الصحيحة ، عليه أولاً أن يعرف ما هو الإسلام الحقّْ …!!؟
     
     
     
    هل هو مجرد اعتقاد شعوري بارد لا يسمن ولا يغني من جوع .!؟
     
     
     
    أم هو مجرد ركيعات سريعات ينقرها كنقر الديك ، وهي أقرب ما تكون إلى الحركات الرياضية المستعجلة ، وأبعد ما تكون عن الخشوع والتفكر والاعتبار .!؟
     
     
     
    أم هو تمتمات غير مفهومة في الشفاه ، وطقطقات غير مقبولة في السبحات …. إلخ .!!!؟
     
     
     
    في الحقيقة ، الإسلام شيء غير ذلك تماماً ، فهو قول وعمل ، وهو نظرية وتطبيق ، وهو إيمان وسلوك …
     
     
     
    وهو ما لخّصه الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم) بقوله : (( ما وقر في القلب وصدّقه العمل )) .
     
     
     
    الإسلام الحقّ هو: عقيدة راسخة، وعبادة خاشعة، وأخلاق فاضلة، وسلوك ربّاني…!
     
     
     
    الإسلام الحق هو: إيمان راسخ بالخالق، واستسلام مطلق لشرعه، وانقياد تام لشريعته…
     
     
     
    والمسلم الحقّ – إذاً – هو إنسان متكامل…فهو متوازن في عقيدته، فاضل في أخلاقه، إيجابي في سلوكه، متميّز في عطائه، شامةٌ بين أبناء مجتمعه، وبالتالي فالمسلم الحق، هو الذي يشهد له بذلك كل من عاشره من أبناء مجتمعه، اعتباراً من البيت، مروراً بالمحلّة، ثمّ الحيّ، ثم مكان العمل..إلخ …!!!
     
     
     
    هذا هو الدين الذي أنزله الله على جميع الأنبياء والمرسلين ، والذي لا يقبل من البشريّة ديناً سواه …
     
     
     
    { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه ، وهو في الآخرة من الخاسرين } آل عمران ( 85)
     
     
     
    وهو نفسه الدين الذي دانت له السماوات والأرض ومن فيهن بالاستسلام والخضوع والطاعة واتباع الأمر والنظام والمنهج والناموس … {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون}
     
     
     
     آل عمران ( 83 )
     
     
     
    لقد بيّن الله تعالى بمنتهى الوضوح ، بأن إسلام الكائنات الكونية ، هو إسلام الخضوع للأمر ، واتباع النظام ، وطاعة الناموس ، كي لا يتسرب إلى ذهن أحد ، أنه مجرّد كلمة تقال باللسان، أو تصديق يستقر في القلب، ثم لا تتبعه آثاره العملية من الاستسلام الكامل لمنهج الله، والعمل الجاد على تحقيقه في واقع الحياة.
     
     
     
    ولن يكون الإسلام إذن مجرّد أقوال مهما تكن قيمتها – حتى لو كانت بأهمية النطق بالشهادتين - دون أن يتبع شهادة أن لا إله إلا الله معناها وحقيقتها، وهي توحيد الألوهية وتوحيد القوامة، ثم توحيد العبودية وتوحيد الاتجاه، ودون أن يتبع شهادة أن محمدا رسول الله معناها وحقيقتها، وهي التقيد بالمنهج الذي جاء به من عند ربه للحياة، واتباع الشريعة التي أرسله بها، والتحاكم إلى الكتاب الذي حمله إلى العباد
     
     
     
    الإسلام الحقّ –إذاً - ليس مجرد دعوى ، وليس مجرد راية، وليس مجرد كلمة تقال باللسان؛ ولا حتى تصوراً يشتمل عليه القلب في سكون وسلبيّة؛ ولا شعائر فردية يؤديها الأفراد في الصلاة والحج والصيام.. لا . فهذا جزء من الإسلام ، وليس هو كلّ الإسلام الذي أنزله الله ، والذي لا يرضى من الناس دينا سواه.!
     
     
     
    إنما الإسلام هو الاستسلام… الإسلام هو الطاعة والاتباع...الإسلام هو تحكيم كتاب الله في أمور العباد كلّها، صغيرها وكبيرها، ثم الرضى التام بما يحكم به الله، الإسلام هو العمل لخدمة عباد الله، والسلام الكامل مع كل مفردات هذا الكون الذي خلقه الله...!!!
     
     
     
    وبناء الإسلام الحق في نفوس الناس كبناء البيت الشامخ، فكما أن لكل بيت أساس وأركان وجدران وسقف وشبابيك وأبواب…إلخ ولا يكون البيت صالحاً للسكن الآمن المريح ما لم تستكمل كل عناصره بما فيها الصبغ والإنارة وحتى البردات.. فكذلك الإسلام لا يكون إسلاماً حقيقياً مقبولاً عند الله، حتى يستكمل المسلم في نفسه كل مقوّمات الإسلام، من عقيدة راسخة، وعبادة خاشعة، وأخلاق فاضلة، وسلوك ربّاني..إلخ
     
     
     
    والإسلام - بهذا المعنى - هو الدين المقبول عند الله، وهو الذي جاء به جميع المرسلين من عند الله ..
     
     
     
    فمن تولى عنه، فخان وغدر، وعبس وبسر، وخاصم وفجر، وفعل ما لا يليق بأخلاق الإسلام، فليس مسلما بشهادة الله، حتى وإن حمل شهادة الجنسيّة المسلمة.!!!
     
    د.فـوّاز القاسـم/ سورية


    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()