إلى طالبة الرزق على موائد الكاشير.. من قلب محب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
::أختي الغالية سليلة الكرامة::
يامن أنت في الأرض شامة
كيف لا وأنت المسلمة المؤمنة الطاهرة العفيفة
كيف لا وأنت الساجدة لله ، المصلية الصائمة البارة الساعية للخير
كيف لا وأنتِ تسألين الله الجنة ، وتتعوذين به من النار.
كيف لا وأنت تسعين لمصدر رزقٍ تكفين به نفسك وعائلتك مذلة الحاجة والسؤال.
كيف لا .. وأنت سليلة الشرف والطهر في بلاد الإسلام ومهبط الوحي وديار الحرمين الشريفين.
وبعد ذلك أخيتي ألا تستحقين أن تكوني في الأرض شامة ؟
أخيتي الغالية .. يا بنت ديني وقومي :
اسمحي لي - بعد إذنك - أن أحاور عقلك الواعي وقلبك المؤمن ووجدانك الحي بذكر الله.
فكم ارتفعتِ في عيني وقلبي وأنا أراك تسعين للرزق الحلال وتكدحين بشرف لذلك.
وكم يعجبني فيك سموك عن تكفف الناس وسؤالهم.
ولكن لعلكِ في خضم البحث عن عمل غفلتِ عن بعض الأمور الهامة لكِ، فأذني لي أن أذكرك بما لا تجهلين أخية ومن ذلك:
= أن الله عز وجل قد كفل لكل منا رزقه ولن تموت نفس حتى تنال رزقها كاملا وإنما فتح لنا عز وجل من أسباب الرزق ما يحتاج منا إلى بحث وسعي وعمل للوصول إليه. والاعتقاد بأن الرزق بيد الله وحده
وليس بيد أحد من خلقه هو من الإيمان بالقدر الذي هو من أركان الإيمان أخية، فإذا كان رزقك بيد الله عز وجل فهل سيمنعه عنك مخلوق؟
أخيتي .. والله ثم والله :
لو كان في صخرة صماء راسية * * * في البحر ملمومة ملس نواحيها
رزق لعبد براه الله لانصدعت * * * حتى يؤدي إليه كل ما فيها
أو كان تحت طباق السبع مسلكها * * * لسهل الله من قرب مراقيها
حتى ينال الذي في اللوح حظ له * * * إما أتته وإلا كان يأتيها
= ثم أخيتي .. اعلمي أن ما عند الله لايطلب بمعصيته !
أو تذكرين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قَال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم لن يموت حتى يستكمل رزقه ، فلا تستبطئوا الرزق ، واتقوا الله أيها الناس ، وأجملوا في الطلب ، خذوا ما حل ، ودعوا ما حرم) الألباني - صحيح على شرط مسلم في السلسلة الصحيحة .
نعم أخية.. خذي ما أحل ودعي ما حرم.. هذه وصية نبيك وحبيبك وإمامك محمد صلى الله عليه وسلم.
فهل عملك "كاشير" في محلات عامة تختلطين بالرجال هو مما أحل الله ، أم مما حرم أخية؟؟
هل خدعوك فقالوا إنك بنقابك تعملين ضمن ضوابط الشريعة ؟؟
فأين مخالطة الرجال وتعريضك نفسك لتحرشهم بك ونظراتهم المسمومة إليك وافتتانهم بك. أين كل ذلك من الشريعة ياغالية؟
هل خدعوك فقالوا إن الغاية تبرر الوسيلة .. وإنك محتاجة لهذه الوظيفة:
فإنها مقولة اليهود أخيتي، وأما في الإسلام فالوسائل المحرمة لا تبررها الغايات النبيلة، مهما كانت..فاحذري.
وأما عن حاجتك فسيجعل الله لك من أمرك يسرا، ولربما كانت تلك الحاجة ابتلاء من الله لك ليرى هل تطيعينه أم تعصينه لأجل الدنيا..
وهو يقول (ألم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت:1-2-3}،
هل تعانين من أية ضغوط أسرية أو خارجية تدفعك للعمل في هذا المجال؟
فتذكري ياغالية أن غيرك تعرض لضغوط أشد فثبت وصمد وقال أحدٌ أحد.
وتذكري أنه لا ينبغي للمسلم أن يجعل فتنة الناس كعذاب الله، فيستسلم لذلك ويقدم على المعصية استجابة لضغط المجتمع ، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ {العنكبوت:10}
أخت ديني وبنت قومي:
إني أخاطب فيكِ قلب المؤمنة الواثقة بربها والمتوكلة عليه، الساعية لمرضاته.
وأهل الفساد يخاطبون فيك نفسك الأمارة بالسوء ويستغلون ظروفك ليحققوا فيكِ مآربهم ويخرجوك من صيانة الدين إلى حضيض الدنيا لعلهم يظفرون بك..
فإلى من تستمعين وماذا ستقررين؟
أختم لك أختي بهذه القصة لعل فيها لكِ عبرة:
دخل على بن أبي طالب رضي الله عنه مسجد الكوفة يوما ، وقال لرجل كان واقفا على باب المسجد : أمسك بغلتي فأخذ الرجل لجام البغلة وتركها فخرج علي رضي الله عنه من المسجد وفي يده درهمين ليكافئ بهما الرجل على إمساكه بغلته فوجد البغلة واقفة بغير لجام فركبها ومضى ثم دفع لغلامه قنبر الدرهمين ليشتري بهما لجاما جديدا للبغلة فلما ذهب قنبر إلى السوق وجد اللجام في السوق وقد باعه السارق بدرهمين فقال علي رضي الله عنه : إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر!