بتـــــاريخ : 9/17/2010 3:54:37 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1118 0


    في ظلال: (إياك نعبد وإياك نستعين)

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : الشيخ الدكتور عائض بن عبد الله القرنى | المصدر : alislamnet.com

    كلمات مفتاحية  :

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على معلم الخير، وهادي البشر، الذي أتى بالكتاب المبين، والقرآن العظيم، والحبل المتين، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
    أما بعد: فسنعيش معاً رحلة مع كتاب الله تبارك وتعالى، ومع هذه النعمة التي منَّ الله بها على الأمة الإسلامية.
    يقول
    شوقي :

    آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جلال العتق والقدم


    أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم


    أتى على سفر التوراة فانسلخت فلم يفدها زمان السبق والقدم


    ولم تقم منه للإنجيل قائمة كأنه الطيف زار الجفن في الحلم


    قال تعالى: ((
    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)).
    قوله: ((
    إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)).. هذه الكلمة هي ملخص لرسالته صلى الله عليه وسلم، لأن الله لما أنزل الكتب: التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والقرآن جمعها في المفصل من القرآن، ثم جمعها في الفاتحة، ثم جمعها في قوله تبارك وتعالى: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) (1)
    وفي هذه الآية ثمان مسائل:
    أولها: (( إِيَّاكَ )) هل هي بالتشديد أم بالتخفيف، وما الفرق بينهما؟
    والجواب: (( إِيَّاكَ )) بالتشديد، ومَن قرأها بغير ذلك فقد أخطأ في القراءة؛ لأن قراءتها بالتخفيف تعني: الشمس، فاسم الشمس (إيَاك) فكأنه قال: نعبد الشمس!!
    فتشديد الياء في الموضعين متعين، وفي تخفيفهما قلب للمعنى، لو اعتقده الإنسان لكفر، قال
    الخطابي : (ومما يجب أن يُراعى في الأدعية: الإعراب.. وربما انقلب المعنى بالحق حتى يصير كالكفر، إن اعتقده صاحبه؛ كدعاء من دعا، أو قراءة من قرأ: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) بالتخفيف، فإن الإياك: ضوء الشمس، فيصير كأنه يقول: شمسك نعبد، وهذا كفر..) (1).
    ثانياً: لماذا قدّم الضمير فقال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ولم يقل: (نعبدك)؟
    والجواب أنه قدّمه للحصر وللاهتمام.. تقول: إياك أريد، ولا تقول: أريدك، فإذا قلت: إياك أريد؛ فكأنك تنبهه أنك تريده، ولا تريد غيره.
    وقد كتب
    خالد بن الوليد رسالة إلى عياض بن غنم لما حاصرت خالداً جيوشُ الروم، وهي أقصر رسالة في التاريخ قال فيها:
    (بسم الله الرحمن الرحيم من
    خالد بن الوليد إلى عياض ، إيّاك أريد والسلام!!) يقول له: أدرك الموقف، فهو موقف خطير.
    ولذلك لو قلتَ: نعبدك، فيحتمل أن يكون مع الله تعالى معبود غيره سبحانه وتعالى عما يشركون.. لكنك قلت: إياك وحدك نعبد، وإياك وحدك نستعين، وإياك وحدك نتوكل عليك، وإياك وحدك ندعو فهو للحصر وللاهتمام.
    ثالثاً: لماذا جمع (نعبد) ولم يقل: (أعبد)؟
    والجواب أن الله يحب سبحانه وتعالى اجتماع الناس، ويكره سبحانه وتعالى الفرقة، ويد الله مع الجماعة، والله يقول: ((
    وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) والله عز وجل يقول: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا))، وأمرنا بصلاة الجماعة.. وهوّن صلى الله عليه وسلم من شأن صلاة المنفرد وحده وذكر أن صلاة الجماعة تفوق صلاة المنفرد بسبع وعشرين.
    فقول المصلين: ((
    إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) فمعناه: أننا جميعاً لك عبيد.
    أما إذا قلت: إياك أعبد، فكأن بها أنانية، وكأن فيها انحيازاً، وكأن فيها انفراداً، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
    وإذا خلا العبد خلا به الشيطان، وذم صلى الله عليه وسلم الانفراد. وفي الحديث: (
    يا ثوبان : إياك والكفور، فإن ساكن الكفور كساكن القبور) (1) ،
    قال الإمام
    أحمد : الكفور هي: القرى؛ لأن فيها وحشة وبعداً عن مجالس الخير والذكر، وعن العون على الطاعة، ولذلك تجد الأعراب غالباً من أجهل الناس في الأحكام ((الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ)).
    رابعاً: ما معنى العبادة؟
    الجواب: أن العبادة تُطلق على معنيين: أما معناها اللغوي فهو: التذلل، والخضوع، والطاعة.. يقال: طريق معبد، أي: مذلَّل.
    فتعبَّد: خضع وذل.. وإنما سمي العبد عبداً لأنه خضع وذل، قال الشاعر:

    أطعت مطامعي فاستعبدتني ولو أني قنعت لكنت حراً

    (1)
    وفي الشرع تُطلَق على معنيين:
    1- تُطلَق على الدعاء، قال تعالى: ((
    وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ))، فسمى الدعاء عبادة، وهو من تسمية الشيء ببعض أفراده.
    2- وتُطلَق على مجرد العبادة.
    وعرفها
    شيخ الإسلام بقوله: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. 1هـ (1)
    وهي حق الله على العباد، وهي أمره ونهيه، وهي منهاجه، ولها أنواع:
    خامساً: ما هي أنواع العبادة؟
    الجواب: هي تدور على أنواع كثيرة، لكن أكثر ما يُذكر في القرآن والسنّة أربعة أنواع: الصلاة والصيام والصدقة والتلاوة.
    قال بعض أهل العلم: إن للجنة أبواباً ثمانية، والعباد يختلفون بجهدهم وطاقتهم، فمنهم من يستطيع الذكر ومنهم من يقدر على الصيام ومنهم من يفلح في الصدقة، ((
    قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ))، فأنت أعرف الناس بنفسك، وأفضل الناس من ضرب في كل غنيمة بسهم فيكون مع الصائمين، ومع المصلين، ومع الذاكرين، ومع المجاهدين، ومع المتصدقين و ((ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)) (1) .
    فأنواع العبادة كثيرة من فرائض ونوافل، وهي قد تصل إلى السبعين.
    سادساً: جولة مع العباد الصالحين، وأنا إذا ذكرت نماذج فإني أُلزم نفسي وإياكم بالسنة، فإن وافقت ما فيها، فبها ونعمت، وإن خالفت، فاعلموا أنه اجتهاد من أصحابها يريدون بها الخير.
    1-
    الأسود بن يزيد(1) : عابد عراقي صام حتى ازرقّ جلده، ودخل عليه العلماء، ووعظوه.
    قال: أصوم قبل أن يُحال بيني وبين الصيام، وأخاف من قوله سبحانه وتعالى: ((
    وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ)).
    2-
    محمد بن واسع الأزدي(1) : كان من أعظم عباد الله عز وجل، قربوا له متكئاً ليتكئ، فقالوا: اتكئ.
    قال: لا يتكئ إلا الآمن، وأنا خائف لأني ما جزت الصراط إلى الآن!
    حضر معركة
    كابول مع قتيبة بن مسلم ، فلما طوّقوا المدينة بمائة ألف، قال قتيبة بن مسلم ، وقد صُفت الصفوف، وهبّت رياح النصر، وتنزّلت الملائكة من السماء: اذهبوا وابحثوا عن محمد بن واسع .
    فذهبوا إليه، فوجدوه قد صلّى صلاة الضّحى، وقد استند على رمحه، ورفع سبابته إلى السماء يدعو الله الواحد الأحد.
    فرجعوا إلى
    قتيبة ، القائد الشهير، فدمعت عيناه، وقال: والذي نفسي بيده، لأصبع محمد بن واسع خيرٌ عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير.
    ثم فتح الله عليهم بنصره، سبحانه وتعالى، وتأييده، ثم بدعاء هذا الرجل الصالح.
    فلما أتت الغنائم، سلّموا لـ
    قتيبة رأساً كرأس الثور من الذهب.
    فقال لوزرائه: أتدرون أحداً من الناس يسلم إليه هذا الذهب فيقول: لا؟
    قالوا: ما نرى أحداً.
    قال: والله لأرينكم أناساً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذهب والفضة عندهم أرخص من التراب.
    فدعا بـ
    محمد بن واسع ، فأُتي إليه، وهو يصلي في خيمته.
    قالوا: ما لك تصلي في وقت الناس مشغولون فيه بالنصر؟
    قال: إنَّ شغل النصر: الشكرَ!
    فأتى إلى
    قتيبة .. فقال قتيبة : خذ هذا، فأخذه!
    فتغيّر وجه
    قتيبة ، فقال لأحد جنوده: اذهب وراءه، وانظر أين يضعه، ثم قال قتيبة : اللهم لا تخيب ظني فيه.
    فمر سائل من العسكر يسأل، فأعطاه
    محمد بن واسع كل الذهب، فأعيد الفقير إلى قتيبة .
    فقال
    قتيبة لما علم: أترون أنني أريتكم أن في أمة محمد صلى الله عليه وسلم أناساً: الذهب والفضة عندهم أرخص من التراب.
    3-
    مسروق بن الأجدع(1) : أتى رجل إلى الإمام أحمد ، فجعل
    الإمام
    أحمد عنده ماءً ليقوم قبل السحر فما قام.
    فقال له الإمام
    أحمد : ما لك ما قمت؟
    قال: كنت مسافراً.
    قال: سبحان الله! حج
    مسروق فما نام إلا ساجداً!
    وكان من تلاميذ
    ابن مسعود الكبار.
    كانت ابنته تقول له: يا أبتاه لعلك قتلتَ أحداً؟
    هل أخذت مال أحد؟
    وهو يصلي ويبكي من الليل فيلتفت ويقول: قتلت نفسي!
    4- الإمام
    أحمد بن حنبل : صحّ عنه بأسانيد أنه كان يصلي في كل يوم ثلاثمائة ركعة.
    قال ابنه
    عبد الله : فلما جُلد كان يصلي مائة وخمسين ركعة (1) .
    سابعاً: الاستعانة قسمان: قسم جائز، وقسم محرَّم:
    فالمحرَّم: أن تستعين بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، كأن يقول أحد: استعنت بفلان أن يغفر ذنبي، أو أن يشفي مريضي، أو أن يرزقني.. فهذا شرك بالله تعالى.
    وأما الاستعانة بما يستطيع عليه المخلوق فجائزة.. مثل: أستعين بك أن تفتح لي هذا الباب، وأستعين بك على أن تفصل لي هذا الثوب، فلا بأس بهذا.
    أما ما لا يملكه إلا الخالق، فمَن استعان بالمخلوق فيه فقد أشرك بالله العظيم، كمن يذهب إلى القبور، فيستعين بالمقبورين، ويقدم لهم حوائجه، ويشكو لهم أموره فقد أشرك بالله العظيم، لأنهم لا يملكون ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.
    أما الاستعانة بالله عز وجل ففي كل الأمور، وهو المستعان سبحانه وتعالى.
    ثامناً: الناس في الاستعانة أربعة:
    1- قسم يعبد الله ويستعين به، فهؤلاء المؤمنون.
    2- وقسم يعبد الله ويستعين بغيره، فهؤلاء فيهم: نقص، وفيهم: معصية وذنب.
    3- وقسم يعبد غير الله ويستعين بالله، فهؤلاء مشركون، كمشركي العرب في القديم.
    4- وقسم يعبد غير الله ويستعين بغير الله، فهؤلاء هم الكفرة الملاحدة.
    جعلنا الله وإياكم من القسم الأول الذي يعبد الله ويستعين به دون سواه.
    واللّه أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()