السيدة أم كلثوم
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس السادس والعشرين من سير الصحابيات الجليلات رضوان الله تعالى عليهن أجمعين ، والصحابية اليوم هي الابنة الثالثة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هي أم كلثوم ، ولدت هذه الابنة الطاهرة بعد رقية ، وأسلمت مع أمها خديجة وأخواتها .
أيها الإخوة ـ قبل المضي في الحديث عن هذه الابنة الطاهرة يجب أن نعلم هذه الحقيقة ، حينما قال الله عز وجل :
(سورة البلد)
نظام الأبوة ، ونظام البنوة ، أن ينحدر البشر من آباء وأمهات ، وأن يودع الله في الآباء رحمة تفوق كل تصور ، وأن تكون هذه العلاقة علاقة مدهشة ، علاقة الأب بابنه ، وعلاقة الأم بابنها ، وعلاقة الابن بأبيه ، والابن بأمه ، هذه العلاقة تعرفنا بالله عز وجل ، تعرفنا برحمة الله .
في حياة الإنسان إنسان واحد يتمنى أن يكون خيراً منه ، إنه أبوه ، لا يوجد أب على وجه الأرض يحسد ابنه ، أبداً .. لو كان الأب مستخدماً وابنه وزيراً يفتخر به ، الأب الفقير يتمنى أن يكون ابنه غنياً ، الأب غير المتعلم يتمنى لابنه أن يكون أعلم العلماء ، الأب المستضعف يتمنى أن يكون ابنه أقوى الأقوياء ، والأب أحياناً ، وفي أغلب الأحيان ، وفي بعض الأحيان لا يحتاج إلى ابنه ، لنأخذ مثلاً : أب غني وقوي ، ولا يحتاج إلى ابنه إطلاقاً ، لا حاجة مادية ولا معنوية ، ومع ذلك لا يسعد الأب إلا أن يكون ابنه في بحبوحة ، وفي كفاية ، وفي سعادة ، وفي استقرار ، وفي سمعة طيبة ، إذاً نظام الأبوة ، ونظام البنوة يعرفنا بالله عز وجل .
أيها الإخوة ، قلب الأم وحده يعرفك بالله ، تتعب لتستريح ، تشقى لتسعد ، تجوع لتشبع ، تعرى لتلبس ، الأم أحياناً تحرم نفسها أطيب الطعام ، وتطعمه ابنها ، إذا كانت رحمة الأمهات هكذا فكيف رحمة خالق الأرض والسماوات .
(سورة آل عمران)
أن تعرف الله ، أن تعرف رحمته ، أنه خلق الخلق ليسعدهم ، خلقهم لجنة عرضها السماوات والأرض ، إذا ساق لهم بعض الشدائد من أجل أن يعالجهم ، لا أنه جعل الحياة الدنيا متعبة هكذا ، فيا أيها الإخوة الأكارم :
(سورة البلد)
يعني من أعظم الآيات الدالة على عظمة الله ، نظام الأبوة .
فابنة النبي عليه الصلاة والسلام السيدة فاطمة حينما بُشر بها ، بعض الصحابة ما كانوا مرتاحين لهذه البشارة ، فلما نظر إليهم قال عليه الصلاة والسلام : ((ريحانة أشمها ، وعلى الله رزقها)) ، وهناك بعض الروايات : ((أنه ضمها وشمها ، وقال : ريحانة أشمها وعلى الله رزقها)) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ((أَنَّ عَلِيًّا ذَكَرَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا وَيُنْصِبُنِي مَا أَنْصَبَهَا)) .
(الترمذي)
وهذه السيدة أم كلثوم ، هذه أيضاً ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ما الذي يخفف متاعب الحياة ؟ الأسرة ، أتمنى من كل أخ أن يحكم بناء أسرته ؛ لأنه مهما تكن الحياة قاسية ، مهما تكن متعبة ، إذا دخل الإنسان إلى بيته المتماسك ، الذي فيه ود ، الذي فيه حب ، والذي فيه تضحية ، والذي فيه مؤاثرة ، والذي فيه تقدير ، إذا دخل إلى بيته نسي كل متاعب الدنيا ، فإذا كان البيت جحيماً ، إذا كان البيت مشحوناً بالبغضاء ، بالكراهية ، بالمنافسة ، بإزعاج الطرف الآخر ، هذا بيت قطعة من الجحيم ، الإنسان يفر من متاعب الحياة إلى بيته ، فإذا كان بيته جحيم إلى أين يذهب ؟ .
أعجب أشد العجب من إنسان ـ وهو يستطيع ـ لا يقيم قيمة للود الزوجي ، للود بين أفراد الأسرة ، بالابتسامة ، بالسلام ، بالدعابة بالهدية بغض البصر ، بالمسامحة ، تنمو العلاقات ، أما بالتدقيق والمعاتبة والانتقاد ، والسخرية ، تنمو الأحقاد ، وإذا أردت ـ إن صح التعبير ـ التصميم الإلهي للأسرة :
(سورة الروم)
فإن لم تكن هذه المودة والرحمة بين الزوجين ، فالحالة مرضية جداً ، وتقتضي المعالجة .
فهذه السيدة أم كلثوم يسميها بعض الخطباء كوكب الإسلام ، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمها خديجة ، أم المؤمنين الكبرى رضي الله تعالى عنها ، ولدت بعد رقية ، وأسلمت مع أمها خديجة وأخواتها .
ماذا قال الله عز وجل عن امرأة نوح وامرأة لوط ؟ قال :
(سورة التحريم)
إياك أن تفكر أنهما خانتا زوجيهما خيانة فراش ، أبداً ، بل خيانة دعوة بالمقابل أسعد شيء للزوج أن تكون زوجته ، وأولاده ، وبناته على ولاء له ، شيء جميل جداً ، يعني أحياناً الزوجة ، مع مضي الزمن تُمل ، أما إذا كانت الزوجة لها ولاء تجاه زوجها ، لها مشاركة ، لها دعم ، لها مساندة ، هذه ليست زوجة فقط ، إنها زوجة وصديقة ، زوجة ورفيقة زوجة وزميلة .
أقول لكم ـ وهذه والله ملخص خبرات طويلة ـ الزوج السعيد هو الذي يستطيع أن يرفع مستوى زوجته إلى مستواه ، بحيث يعيش معها كصديقين حميمين ، كرفيقين ، كزميلين . لفت نظري أنها أسلمت مع أمها خديجة ، سيدنا الرسول عيه الصلاة والسلام ذاق من أهوال الدعوة ما ذاق ، لكن زوجته أول من آمن به ، وأكبر دعم له ، والله وقفت معه كالجبل .
قبل أشهر كما أعتقد أمضينا فترة طويلة مع خديجة رضي الله عنها شيء لا يُصدق ، تكاد الدعوة الإسلامية تقوم على جهدها ، وعلى دعمها ، وعلى صبرها ، وعلى صمودها إن صح التعبير ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام حينما فتح مكة ، لم ينس فضل خديجة ، قال : انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة ، وغرز اللواء عند قبرها . يعني أنت أيتها الزوجة الطاهرة التي ضحت من أجل هذه الدعوة لك نصيب من هذا النصر .
إذاً أسلمت مع أمها خديجة وأخواتها ، تزوجها عتيبة بن أبي لهب قبل البعثة ، ولم يدخل عليها ، كما أن أخاه عتبة ـ عتبة وعتيبة ـ عتبة تزوج رقية ، وعتيبة تزوج أم كلثوم ، ولم يدخلا عليهما ، وكان ذلك بعد البعثة فلما نزل قوله تعالى :
(سورة المسد)
قال أبو لهب لابنيه : رأسي من رأسكما حرام حتى تطلقا ابنتيه فطلقتا قبل الدخول عليهما .
النبي عليه الصلاة والسلام حينما جعله الله أسوة حسنة ، قال تعالى :
(سورة الأحزاب)
كل شيء ذاقه ، حتى تطليق البنات ذاقه ، وموت الولد ذاقه ، والفقر ذاقه ، والغنى ذاقه ، والقهر ذاقه ، والنصر ذاقه ، والهجرة ذاقها والإخراج من بلده ذاقه ، ذاق كل شيء ، ووقف وقفة كاملة مع كل شيء فاستحق أن يكون سيد الخلق . ولولا أن النبي بشر ، تجري عليه كل خصائص البشر ، لما كان سيد البشر .
رأسي من رأسكما حرام حتى تطلقا ابنتيه ، فطلقتا قبل الدخول عليهما.
أما زوج زينب ، دعي الدعوة نفسها لتطليق ابنة محمد فلم يفعل ، فلما وقع أسيراً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نظر إليه فقال : والله ما ذممناه صهراً . كان حراً ، هناك شخص إمعة ، في حياتنا ، هناك شخص قراره بيد والدته ، طلق فيطلق ، افعل يفعل ، اترك يترك ، الوالدة على العين والرأس ، والوالدة يُحسن إليها بلا حدود ، أما أن تأمرك بمعصية فتستجيب ، فلست حراً ، قالت له : إما أن تكفر بمحمد ـ أم سيدنا سعد ـ وإما أن أدع الطعام حتى أموت . قال : والله يا أم لو أن لك مائة نفس فخرجت واحدَةً واحدةً ما كفرت بمحمد ، فكلي إن شئت ، أو لا تأكلي .
الزوجة لها حق ، والأم لها حق ، أما أن تنساق مع الزوجة وتنسى حق أمك ، شذوذ . أما أن تنسى حق الزوجة وتنساق مع أمك ، أيضاً شذوذ . أعط كل ذي حق حقه ، أما الأصل في هذا الموضوع :
(سورة الإسراء الآية 23)
العبادة لله وحده ، والإحسان للوالدين ، أما إذا أطعت والدك في معصية فأنت عبدته من دون الله ، العبادة لله ، والإحسان للوالدين .
وأنا لا أنطلق من فراغ ، أنا أعاني ، إخوان كثيرون يسألونني ، أمه أمرته بتطليق زوجته ، أبوه رفض أن يسمح له بالزواج من فلانة ؛ لأنها محجبة ، معاملة قاسية جداً ، أنت مكلف أن تحسن إلي الأب والأم من دون حدود ، من دون قيود ، إلى أقصى حد ، أما أن تطيعهما في معصية الله فمستحيل .
(سورة لقمان)
ثم تزوجها سيدنا عثمان بعد وفاة أختها رقية سنة ثلاث للهجرة ، ولم تلد له ، وبقيت عنده إلى سنة تسع ، حيث توفيت رضي الله عنها في شهر شعبان .
الآن عامة الناس تزوج زوجة ماتت ، أخذ أختها ماتت ، ماذا يقول الناس : ما هذا ؟.. ماذا قال النبي ؟ قال : ((لو كنَّ عشراً لزوجتهن عثمان)) ، أرأيت هذا الكمال ، ((لو كن عشراً لزوجتهن عثمان)) .
هذه قدمه .. ما قدمه .. كله كلام فارغ ، كلام شياطين . الأعمار بيد الله ، أول بنت توفيت عنده ، وثاني بنت توفيت عنده ، النبي قال : ((لو كن عشراً لزوجتهن عثمان)) .
وهناك شخص ، لديه ظروف مادية صعبة ، يقول : قدَمُ هذه الزوجة شؤم ، كلام شياطين ، زوجة طاهرة بريئة ، ليس لها علاقة ، إذا طرأتْ مشكلة ، إذا كان هناك رواج ، ثم صار كساد ، قَدَمُ الزوجة سيئ ، لا ليس سيئاً ، ليس له علاقة ، ما دامت الزوجة مستقيمة فهذا الكلام ليس له علاقة .
التطير ، التشاؤم ، من رقم ، من بيت ، من يوم ، دخل زبون عقد صفقة ، دخل صديق طارت الصفقة .. كلام ليس له معنى إطلاقاً ، كلام شياطين، ليوقع العداوة والبغضاء بين الناس ، والحقيقة هذه السيدة الجليلة السيدة أم كلثوم عاشت بين أكرم أبوين على الإطلاق.
العوام لهم كلمة تعجبني ، الإنسان حينما يتزوجُ فإنه يتزوج الأهل ؛ لأن البنت نسخة طبق الأصل عن أمها وعن أبيها ، فبيت العلم ، بيت الخلق بيت الوقار ، بيت الحياء ، بيت الأصالة ، بيت النسب ، ابحث عن الأهل.
الحديث ـ حوله إشكال ـ إياكم وخضراء الدمن ، قالوا وما خضراء الدمن ، قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء .
ابتعد عنها .. طبعاً أم كلثوم رضي الله عنها ، ورقية ابنتا رسول الله صلى الله عليه وسلم واجهتا مصيراً واحداً في سبيل الإسلام .
صحابي جليل اسمه مصعب ابن عمير ، كان ابن أسرة غنية جداً ، وكان مضرب المثل في أناقته ، وثيابه الفاخرة ، كان فتى أنيقاً عطراً ، فيه غنى ظاهرٌ ، فلما أسلم حُرم كل هذا الغنى ، حرمه أهله كل شيء ، هذا الحرام وسام شرف .
أقيس على هذه الحادثة ، لأن البعثة الإسلامية ظهرت ، ولأن الله عز وجل أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم :
(سورة المسد)
طلقتا منهما ، وهذا درس لنا ، إذا خسِرْت بسبب دينك ، بسبب منهجك بسبب استقامتك ، بسبب مبادئك ، بسبب أهدافك النبيلة ، بسبب هويتك الواضحة خسرت شيء من الدنيا ، خسارة هذا الشيء وسام شرف لك .
إياك أن تعد هذا خسارة ، إياك أن تعد شيئاً فاتك من الدنيا بسبب مبدئك خسارة ، بالعكس ، افتخر بكل شيء ضاع منك بسبب مبدئك ؛ لأن هذا في ميزان حسناتك يوم القيامة .
هناك نقطة دقيقة جداً سأوضحها لكم : إنسان عنده مطعم يبيع الخمر ، تاب إلى الله ، أليس الله قادراً من لحظة توبته أن يضاعف له غلته ؟ أليس قادراً ؟ ما الذي يحدث ؟ الغلة تهبط إلى الربع ، لماذا ؟ ليدفع المؤمن ثمن طاعته ، لتكون هذه الخسارة المؤقتة في ميزان حسناته يوم القيامة ، أما لمجرد أنه تاب تضاعفت غلته ، يتوب آلاف المنحرفين لا حباً بالله ، ولا طمعاً بالجنة ، ولكن رغبة في مضاعفة الغلة .
سمعت بمطعم في حلب ، كتب لوحة : ممنوع شرب الخمر بأمر الرب ، والرزق على الله.
دخلت هذا المطعم ، الساعة العاشرة ، ولا توجد محلات ، الغداء الظهر ، والمطعم لحم ، الساعة الثالثة لا يوجد محلات ، الرابعة لا يوجد ، الخامسة لا يوجد .. إقبال منقطع النظير .. هذه اللوحة ، بدأ يقلده غير المسلمين .. شيء مربح ، إذا هذه اللوحة تجلب الزبائن ، نضع مئات اللوحات .
فلابد أن تدفع ثمن طاعتك ، كل مؤمن يوم يصطلح مع الله ، ويوم يعاهده على الطاعة تنشأ له مشكلات ، ضمن الأسرة ، من أقرب الناس إليه ، من أمه وأبيه ، من زوجته ، من أولاده أحياناً .. كان من الممكن ألاّ تكون ، لكن هذا المؤمن لا يرقى إلى الله عز وجل ، كيف يرقى ؟ بدفع هذا الثمن باهظاً ، الله عز وجل يريد أن تدفع الثمن ، ليكون هذا الثمن في ميزان حسناتك يوم القيامة ، فمرحباً بكل شيء متعب إذا كان في سبيل الله .
مرةً أخ من إخواننا كان يسهم في بناء مسجد ، نشأ إشكال فطُلب للجهات الرسمية ، فبلغته ذلك ، قال لي : الجنة تحتاج إلى ثمن ، وهذا من ثمن الجنة .
هو يعمل في بناء المساجد ، وله باع طويل ، وله أعمال طيبة ، ولكن ما رأيته انزعج أبداً ، قال : الجنة لها ثمن ، وهذا من ثمن الجنة ، وطِّن نفسك على دفع ثمن الجنة ، ألا إن سلعة الله غالية .
إذا أخذ طبيب أعلى شهادة ، وذاق الأمرين حتى أخذ الشهادة ، وسنوات لم ينم الليل ، ومنهج فوق طاقة البشر ، والأستاذ صعب ، قد يكون عنصريًا ، وكلفه ما لا يطيق ، واصل الليل بالنهار ، فإذا نال هذه الشهادة ، يشعر بنشوة يصعب أن تصور .
إذا كانت مع رجل دكتوراه فخرية ، لا يشعر بشيء ؛ لأنه لم تكلفه شيئًا ، احتفال رسمي ، ووزعوا ..
أما الدكتوراه الحقيقية ، دراسة ثمانية عشر عامًا ، وكل يوم سهر إلى الساعة الثانية ، وتأليف ، وأطروحة ، وأستاذ صعب ، أحياناً يكون الطالب المسلم في بلد غربي له أستاذ غير مسلم ، بسبب معين ، بسبب عنصري يذيقه الأمرين ، ونال الشهادة ...
كل شيء يأتي بلا تعب لا قيمة له ، هناك مثل مشهور في أمريكا : الذي يأتي بسهولة يذهب بسهولة ، ليس له قيمة أبداً .
إذا ساق الله عز وجل لرجل بعض الشدائد لأنه مسلم ، أما إذا قصر الرجل مع ربه ، ارتكب معصية ، انحرف ، الله أتلف له ماله ، أطلق بصره ، الله ساق له زوجة ، هذه عقوبات ، لا أتحدث عن هذا ، أنا أتحدث عن مصيبة كانت بسبب مبدئك ، بسبب التزامك ، بسبب هويتك مصيبة بهذا السبب ، هذا وسام شرف ، وهذا ثمن الجنة ، ((ألا إن سلعة الله غالية)) ، النبي عليه الصلاة والسلام شجت وجنته ، وكُسرت ثنيته في أُحُد ، وسال الدم من وجهه في الطائف .. أليس الله قادرًا على نصره ؟ كيف سمح لهؤلاء السفهاء أن ينالوا منه ؟ وأن يشتموه ، وأن يسخروا منه ، وأن يكذبوه ، جاءه جبريل : لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين ، قال : ((لا يا أخي ، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ..)) ، هذا هو الكمال البشري .
عاشت أم كلثوم رضي الله عنها إلى جانب أمها خديجة ، التي وقفت موقف الجبال الرواسي ـ وبالمناسبة أيها الإخوة ـ الذي عنده ابنة وكان مسلمًا ، ومؤمنًا ، وما صدق النبي فهذه مشكلة كبيرة جداً ، لأنّ النبي يقول : ((من جاءه بنتان فأحسن تربيتهما فأنا كفيله في الجنة)) .
ما قولك.. قالوا : واحدة ، قال : واحدة ..
كل بيت فيه بنت ، العناية بهذه البنت ، والعناية بدينها وبصلاتها وبحجابها ، وبعلمها ، وبفقهها ، وبقرآنها ، ثم تزويجها لشاب مؤمن هذا طريق للجنة .
ضمنت الجنة بهذه البنت ، فالذي أعجب منه أشد العجب أن يتبرم الزوج إذا بُشر بالأنثى.
لي صديق جاءه سبع بنات ، أول بنت لاقت ترحابًا كبيرًا ، ثاني بنت جاب هدية للأم ثمينة ، لأنها أنجبت بنتًا ، البنت الثالثة هدية أثمن ، الرابعة أثمن ، كلما أنجبت له بنتاً يأتيها بهدية ثمينة ، لأنها هدية الله ، البنت هدية الله ، لا تعرف ، أحياناً يأتيك ابن ينسيك الحياة كلها ، وتأتي البنت بعطفها ، وحنانها ، وإخلاصها ، وقد يأتيها زوج راق جداً فيصير أقرب لك من ابنك ، وكم من زوج أقرب إلى أب الزوجة من ابنه ، أنت استسلم ، وعد هذا المولود هدية من الله ، والهدية اعتنِ بها كثيرا .
عاشت أم كلثوم إلى جانب أمها خديجة ، التي وقفت موقف الجبال الرواسي لتأييد زوجها النبي صلى الله عليه وسلم .
السيدة أم كلثوم ذاقت ألم الحصار ، كان هناك حصار على المسلمين ، والإنسان هو الإنسان ، الآن هناك حصار على بعض الدول الإسلامية ستمئة ألف طفل يموتون كل عام ، أعلى راتب يساوي كرتونة بيض ، تضخم نقدي مزمن ، الحصار هو الحصار ، فالسيدة رقية هاجرت مع زوجها ، السيدة زينب بقيت مع زوجها ، فهما بنتان ذاقتا الحصار ، السيدة فاطمة ، والسيدة أم كلثوم ، والله شيء لا يُصدق ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ)).
(الترمذي)
شيء يختفي تحت الإبط ، كسرة خبز ، من شدة الجوع .
ذاقا مع أمهما بجانب النبي صلى الله عليه وسلم ضيق الحصار ، حتى إنهما أكلوا أخشن الطعام ، لسد رمق الجوع القاتلة ، وأقاموا على ذلك ثلاث سنين بلا طعام ـ حتى إن بعض الصحابة أكلوا أوراق الشجر ، وهذا حتى يصل الإسلام إليك إلى الشام ، أنت متمتع بمساجد مفتوحة ، أحياناً مكيفة ، أحياناً مدفئة ، مراوح ، تكبير صوت ، لا أحد يضايقك ، لا سؤال ، ولا جواب ، كل بيوت الله مفتحة ، الدروس على قدم وساق ، هذا الإسلام مدفوع ثمنه ، من دفع ثمنه ؟ الصحابة الكرام ، أنت الآن مستهلك ، أنت الآن منتفع ، أما الصحابة فقد دفعوا الثمن ، ثلاث سنوات أكلوا أوراق الشجر ، والكافر هو الكافر لا يتغير ، الكفر هو الكفر ، والإيمان هو الإيمان ، ومعركة الحق والباطل أزلية أبدية .
الطعام الذي يصل إليهم يصلهم سراً ـ تهريبًا ـ بكميات قليلة جداً ، وكان عليه الصلاة والسلام يتولى توزيعه بنفسه بالعدالة ، الآن تذهب مساعدات لمنكوبين ، الذين يحتاجون لهذه المساعدات لا تصل إليهم ، وقد تصل إلى أعدائهم .. فكان عليه الصلاة والسلام يوزع هذا الطعام القليل بنفسه على أصحابه .
أما أسباب الحصار ، لما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلداً أصابوا به أمناً وقراراً ، وأن النجاشي منع من لجأ إليه منهم ، وأن عمر قد أسلم ، وأصبح الإسلام يفشو في القبائل اجتمعوا ، وائتمروا على أن يكتبوا كتاباً يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني عبد المطلب على ألاّ ينكحوا إليهم ، ولا ينكحوهم ، ولا يبيعوهم شيئاً ، ولا يبتاعوا منهم ، فلما اجتمعوا لذلك كتبوا في صحيفة ، ثم تعاهدوا ، وتواثقوا على ذلك ، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم ، فذاق النبي المقاطعة الاقتصادية ، ذاق ألم الحصار هو وأهله .
أم كلثوم كانت تحت هذا الحصار ، نجت أختها زينب ، وأختها رقية في الحبشة ، وزينب مع زوجها .
وقد رق بعض أشراف قريش لآل هاشم ، وآل المطلب ، كانوا مستضعفين ، يقول أحدهم : النبي مجنون ، وينام في بيته آمناً ، النبي كان مستضعفاً .. يمر النبي على آل ياسر ، وهم يُعذبون ، ماذا كان يقول لهم ؟ ((صبراً آل ياسر ..)) .
الآن كلمة محمد ترتج لها الدنيا ، أما حينما بدأ بالدعوة كان ضعيفاً ، ولحكمة بالغة بالغةٍ أرادها الله جعله ضعيفاً ، لماذا ؟ ليكون الإيمان به حقيقياً ، لو كان قوياً ، وآمنوا به مائة ألف ، وتسعة وتسعون ألفًا كاذبون خوفاً أو طمعاً ، أما إذا كان ضعيفاً فالإيمان به حقيقي .
أقول لكم هذا دائماً : الأقوياءُ ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء ملكوا الرقاب بقوتهم ، والأنبياء بكمالهم ، والنبي كان مستضعفاً ، وقالوا عنه : مجنون ، قالوا عنه : ساحر ، قالوا عنه : كذاب ، قالوا عنه : كاهن ، قالوا عنه : شاعر .. ألقوا عليه التراب .
وهذه الفتاة الطاهرة الابنة البارة أم كلثوم حزنت كما حزن أبوها في السنة العاشرة للهجرة ، هذه السنة سماها المؤرخون عام الحزن ، فقد النبي دَعامتَيْن ، سند داخلي ، وسند خارجي ، ماتت زوجته خديجة ، يُضاف إلى آلامه صلى الله عليه وسلم فقد الزوجة ..
سمعت عن رجل له زوجة توفيت ، لها أخت تفوقها في العمر حوالي عشرين سنة ، كبيرة ، في الثامنة والتسعين ، وزوجته ممتازة ، فاعترض على الله اعتراضًا شديدًا ، أن هذه أحتاجها ، خذ أختها ... هذا جهل .
ذاق موت الزوجة صلى الله عليه وسلم ، ذاق موت الولد ، ذاق تطليق البنات ، ذاق الهجرة ، ذاق الفقر ، قال : ((لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ)) .
(الترمذي عن أنس)
يعني إذا الواحد خاف قليلاً وهو يدعو إلى الله عز وجل له في النبي أسوة حسنة ، وهو سيد الخلق ، وحبيب الحق ..
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : ((قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً قَالَ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ)) .
(البخاري)
هناك صحابية لها زوج ما ذاق مرةً مصيبة ، فشكت في إيمانه ، فذهبت إلى النبي عليه الصلاة والسلام كي تسأله أن يسمح لها أن تفارقه ، هذا ليس مؤمناً ، سار معها في الطريق ، فوقع ، فتعثر ، فجُرحت قدمه ، قالت : ارجع فقد قضيت حاجتي ..
المؤمن من خصائص الإيمان الابتلاء ، قال تعالى :
(سورة المؤمنون)
قيل للإمام الشافعي : أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ، فقال : لن تُمكن قبل أن تُبتلى .
فهذه السيدة الوالدة ، السيدة خديجة ماتت بعد خمس وعشرين عاماً في صحبة النبي عليه الصلاة والسلام ، تزوجها في الأربعين ، بإضافة خمس وعشرين ، ينتج خمس وستون ، هو عمره خمسون سنة ، تفوقه ـ الآن إذا جازوته بسنة يقول لك : قلبي غير مطمئن ، سنة واحدة ، بنت عالم ، وبنت أصل ، وفهم ، يقول لك : كبيرة ، يندب حظه دائماً ، خمسة عشر سنة زيادة عنه ، اللهم صلِّ عليه .
إذا تزوج الرجل امرأة ، وماتت ، وتزوج الثانية ، يرضي الثانية ، ويذم الأولى ، أما النبي عليه الصلاة والسلام فكان وفياً لهذه الزوجة وفاء يفوق التصور .
مرةً من باب المداعبة قالت له السيدة عائشة : ألم يبدلك الله خيراً منها قال : لا والله ، لا والله ، لا ، والله ، أقسم ثلاثة أيمان ..
السيدة عائشة جميلة جداً ، شابة في مُقتبل الحياة ، والتي كانت عنده في عمر أمه تقريباً ، إذا تزوجت المرأة في الخامسة عشر تنجب ولد أصغر منها بخمسة عشر ، معناها في عمر أمه تماماً .
بعد أن ماتت هذه السيدة الجليلة ، التي هي السند الداخلي ، مات عمه أبو طالب الذي هو السند الخارجي ، فالدعم الداخلي انهار ، والدعم الخارجي انهار ، لذلك سمى كتاب السيرة العام العاشر للهجرة عام الحزن .
لما مات أبو طالب ، نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبو طالب ، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه التراب ، فدخل البني صلى الله عليه وسلم بيته ، والتراب على رأسه ، فقامت أم كلثوم تغسل عنه التراب ، وهي تبكي ، فقال عليه الصلاة والسلام : لا تبكِ يا بنية ، إن الله مانع أباك .
ثقته بالله عظيمة حداً ، هذا يتجلى في الهجرة ، سراقة وراءه ، مائة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، مائة ناقة ، الناقة ثمنها يقدر بمائة وخمسين ألفًا ، أو بمئتي ألف ، ضرب مائة ، مليونين ، لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، وسراقة وراءه جاء ليقتله ، ويأخذ الجائزة ، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : ((كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى)) .
أنت ملاحق ، مهدور دمك ، ثقة النبي بالنصر شيء لا يصدق ، يعني سأصل ، وسأنشئ دولة ، وسأحارب ، وسآتي بكنوز كسرى ، وفي عهد سيدنا عمر جاءت كنوز كسرى ، وجاء سوار كسرى ، وتاج كسرى ، وقميص كسرى ، أين سراقة ؟ جاء سراقة ، سيدنا عمر ألبسه سواري كسرى وتاجه ، وقال : بَخٍ بخٍ ، أُعَيْرابي من بني مدلج يلبس سواري كسرى .
بالمنظور المعاصر الآن دولة في جنوب إفريقيا صغيرة جداً ، لا تعرفها على الخريطة ، ولا تعرف عاصمتها ، والفقر مدقع ، ومواطن من مواطنيها يجلس في البيت الأبيض مكان صاحبه ، أيضاً نفس المقياس .. أُعَيْرابي من بني مدلج يلبس سوار كسرى .
قال : يا بنية لا تبكِ فإن الله مانع أباك ..
وأتمنى على كل مؤمن أن تكون معنوياته عالية ، لن يتخلى الله عن المؤمنين أبداً ، ولكنه يمتحنهم ، لا يتخلى عنهم ، بل يمتحنهم .
قال ابن إسحاق كاتب السيرة الشهير : إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا في عام واحد ، فتتابعت على النبي صلى الله عليه وسلم المصائب بموت خديجة وكانت له وزير صدق عن الإسلام ، يشكو إليها ، وبموت عمه أبي طالب ، وكان له عضداً وحرزاً في أمره ، ومنعة ، وناصراً على قومه ، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين .
طبعاً هاجر النبي كما تعلمون مع صاحبه أبي بكر ، وبعد حين أرسل من يأتيه بأم كلثوم ، وبفاطمة .
ترك النبي عليه الصلاة والسلام أم كلثوم وفاطمة عند زوجته الثانية سودة بنت زمعة التي تزوجها بعد خديجة ، وبعد أن وصل إلى المدينة ، واستقر فيها أرسل بعض أصحابه لاصطحاب أهل بيته من مكة ، مع أهل أبي بكر الذين استبقاهم هناك .
أيها الإخوة ، حينما وصلت بنات البني صلى الله عليه وسلم أم كلثوم وفاطمة ، تصحبهما زوجة النبي عليه الصلاة والسلام سودة بنت زمعة ، ومعهن بنات أبي بكر الصديق أسماء وعائشة ، حتى استقبلهن نساء الأنصار بالحفاوة والترحاب ، ويستقبل النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه وزوجه بكل شوق وحنان .
هذه الفطرة ، جمع شمل الأسرة ، بلاد إسلامية غنية جداً لا تسمح للإنسان بالإقامة مع زوجته فيها ، تتركه سنة بلا زوجة ، وأعداء الدين يجمعون الأسر ، ونحن نفرق بين الأسر ، جمع شمل الأسرة من منهج الله عز وجل ، وليس منا من فرق ، فاجتمع الشمل ، جاءت الزوجة والبنت الأولى والثانية إلى المدينة .
أيها الإخوة ، في المدينة كان النبي عليه الصلاة والسلام مع ابنتيه السيدة فاطمة والسيدة أم كلثوم ، وحدث حدثاً لطيفاً ، سيدنا عمر له ابنة اسمها حفصة ، توفي زوجها خنيس بن حذافة يوم بدر ، وانتهت عدتها ، فعرضها على أبي بكر فرفض ، وعرضها على عثمان فرفض ، فخاب أمله ، وتألم أشد الألم ، ولكنه لم يعلم ما ادخره الله له ولابنته حفصة من الشرف العظيم والمكانة الرفيعة ، ماذا حدث ؟ شكا سيدنا عمر إلى النبي هذه المشكلة ؛ أن ابنتي توفي زوجها ، وانتهت عدتها ، فعرضتها على أبي بكر فرفض ، وعرضتها على عثمان فرفض ، فقال عليه الصلاة والسلام : ((يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة)) .
ما الذي حدث ؟ تزوج النبي حفصة ، وتزوج عثمان ابنته ، هذه من باب التقليد ، أحياناً لا يكون الوفاق بين الزوجين ، أدعو للزوجين هكذا : الله يبعث لك أحسن منها ، ويبعث لك أحسن منه ، وهذا يكون أحياناً ، فهذا الذي رفض يأتي إنسان أفضل ، وهذه التي رفضت يأتي الخاطب أفضل ، قال له : ((يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة)) .
ولقي أبو بكر عمر فقال : لا تجد علي - أي لا تتأثر في نفسك علي - فإن رسول الله ذكر حفصة ، سيتزوجها ، والنبي قال : أخفوا الخطبة ، ما أحب أن يفشي سر رسول الله ، فاعتذر ، ماذا فهم سيدنا عمر أنه اعتذر إباءً ، لا .. معنى ذلك أنّ البيان يطرد الشيطان ..
فلم أكن لأفشي سر رسول الله ، اعتذاري كان لأنني لم أرد أن أفشي سر رسول الله ، ولو تركها لتزوجتها ، أنا لي الشرف أن تكون ابنتك زوجتي ، أرأيت إلى التوضيح ما أجمله .
وتزوج النبي عليه الصلاة والسلام حفصة بعد عائشة ، فلمح عليه الصلاة والسلام في حديثه هذا أنه سيزوج عثمان إحدى بناته .
وهناك رواية لأبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : أتاني جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية ، وعلى مثل صحبته ، وتحل أم كلثوم زوجة كريمة مبجلة عند عثمان بن عفان .
إخواننا الكرام ، المرأة ما أكرمها إلا كريم ، ولا أهانها إلا لئيم ، وكان أصحاب النبي مثلاً عليا في تكريم المرأة .
فكانت زوجة كريمة مبجلة عند عثمان بعد أختها رقية ، ويحظى عثمان رضي الله عنه بهذا اللقب (ذي النورين) ، لأنه تزوج ابنتي رسول الله عليه الصلاة والسلام ، حيث كان زوجاً لابنتي رسول الله على التوالي ، وقد كان زواجه من أم كلثوم لثلاث سنوات خلون من الهجرة ، وعاشت أم كلثوم عند عثمان ست سنوات ولم تلد له ، وكانت وفاتها رضي الله عنها سنة تسع للهجرة ، وقال البني عليه الصلاة والسلام : ((لو كن عشراً لزوجتهن عثمان)) .
ولما وضعت أم كلثوم في قبرها جلس النبي عليه الصلاة والسلام على قبرها وعيناه تدمعان حزناً على ابنته الغالية العزيزة ، فرضي الله تعالى عن السيدة الكريمة أم كلثوم ، كما قال بعض الخطباء : كوكب الإسلام .
والحمد لله رب العالمين .
******