التوكل على الله عز وجل وتفويض الأمور إليه من أعظم ما يتعبد به المرء لله تعالى، لأنه سبحانه أخبر بأنه: يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.
وحقيقة التوكل هي : الاعتماد المطلق على الله تعالى في جميع الأمور؛ من جلب المنافع ودفع المضار.
وقد أمر الله تعالى بالتوكل عليه وصدق اللجأ إليه في غير ما آية من كتابه الكريم؛ فقال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ (الأحزاب: من الآية 48).
وقوله : ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ﴾ (الفرقان: من الآية 58).
وقوله : ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ (النمل:79).
بل إن الله تعالى جعل التوكل شرطاً لصحة الإيمان فقال سبحانه : ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ (المائدة: من الآية 23).
وقال الكليم موسى عليه السلام : ﴿ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ﴾ (يونس: من الآية 84).
وروى الترمذي وغيره عن أنس بن مالك - رضي اللّه عنه - قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ) إذا خرج الرّجل من بيته فقال: بسم اللّه، توكّلت على اللّه، لا حول ولا قوّة إلّا باللّه. قال: يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت، فتتنحّى له الشّياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟ ( . ( رواه الترمذي )
وروى البخاري عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: ) حسبنا اللّه ونعم الوكيل. قالها إبراهيم عليه السّلام حين ألقي في النّار، وقالها محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم حين قالوا: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ ( ( سورة آل عمران آية: 173 ) } . (رواه البخاري).
فالتوكل عبادة عظيمة من أهم أعمال القلوب التي ترفع العبد إلى مقامات رفيعة.
ولكن مما يجب التفطن له أن التوكل لا يعني ترك الأسباب وعدم الأخذ بها، لأن فعل الأسباب هو من التوكل أيضًا الذي أمر الله بالأخذ به، ولا ينافي التوكل.
قال ابن القيّم رحمه الله: التّوكّل من أعظم الأسباب الّتي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه. فمن أنكر الأسباب لم يستقم معه التّوكّل.
ولكن من تمام التّوكّل: عدم الرّكون إلى الأسباب، وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه باللّه لا بها، وحال بدنه قيامه بها.
فالأسباب محلّ حكمة اللّه وأمره ونهيه.
والتّوكّل متعلّق بربوبيّته وقضائه وقدره، فلا تقوم عبوديّة الأسباب إلّا على ساق التّوكّل، ولا يقوم ساق التّوكّل إلّا على قدم العبوديّة ( مدارج السالكين (2 / 125). ) .