الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
قد ندب الله – سبحانه وتعالى - عباده إلى التوبة، فقال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾(سورة النور: الآية31)، وهذا لأن المؤمن لا بد أن يقع له ذنوب، فأمر الله –سبحانه وتعالى- عباده أن يتوبوا، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ (سورة التحريم: الآية 8). وللتوبة الصحيحة شروط عامة، نجملها فيما يلي.
أولها: الندم: وهو الأسف على وقوع الفعل منه وكرهه بعدما فعله. وحقيقته أن المذنب يدرك أن ما فعله، أو فرط فيه مما لا يجوز له أن يقع منه، فيتحسر على ذلك ويندم أن كان فعل ذلك، ويتمنى أنه لو لم يفعل ذلك، أما إذا لم يندم فذلك دليل على رضاه به وإصراره عليه وهذا ذنب آخر عليه أن يتوب منه، فإن الندم شرط لصحة التوبة، وقد ورد في الحديث عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ) الندم توبة (.
ثانيها: الإقلاع عن الذنب التوقف عن إتيانه: وهو أظهر معاني التوبة، ولا تتضح ولا تصح إلا بالإقلاع عن الذنب، أما التوبة مع الإقامة على الذنب والاستمرار فيه فهي كما قال المنذري: هذه توبة الكذابين.
روى أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ) إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه ذاك الرين الذي ذكر الله عز وجل في القرآن ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ ((سورة المطففين: الآية 14).
ثالثها: العزم على أن لا يعود: هذا من دلالة صحة التوبة وصدقها أن يعزم المذنب على ألا يعود في ذلك الذنب الذي أذنبه وتاب منه.
رابعها: أن يؤدي الحق إلى أصحابه: إذا كان الذنب فيه مظلمة لآدمي فإن توبته منه أن يؤدي ذلك الحق لصاحبه أو يتحلله منه، كما قال – صلى الله عليه وسلم -: ) من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه (.
خامسا: أن تكون قبل الموت: لقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وليْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ﴾(سورة النساء: الآية 18).
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على النبي، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.