كيف يكون الصيام
رياضة للبدن وتهذيبا للنفس
قال تعالي ـ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون.. فالصيام خير للصائمين.. يصحح أرواحهم وأجسادهم ويثبت في قلوبهم تقوي الله التي هي سبيل الصلاح.
والفلاح للفرد, فبحسب مسلم من عرض الناس أن يصوم رمضان احتسابا, أي تصديقا بحقيقته ومثوبته ـ ليظفر بدعوة لا ترد عند افطاره عشية كل يوم ـ وليظفر ونظرة ينظرها الرب إليه في أولي ليالي رمضان, واستغفار الملائكة له طيلة أيام الشهر ـ وبشفاعة الصيام له يوم القيامة جزاء ما حرمه من مطالب الشهوة والبطن, وبحسب المسلم من عامة الناس أن يكون خلوف فمه أطيب عند الله من رائحة المسك, وأن يباعد الله بين وجهه وبين النار سبعين حزيفا, يحسب المسلم من عامة الناس أيضا أن يضيف إلي صيام رمضان قيام لياليه بالتراويح وليخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه, وأن يقرأ القرآن فيه ـ فيضمن مع شفاعة الصيام شفاعة القرآن, بحسبه أن يفعل ذلك لينال هذه المكارم والحسنات التي جاء الوعد بها علي لسان نبي الاسلام عليه الصلاة والسلام ولكن بشرط أن يعرف حدود الصيام ليضمن للعابدين خير القبول, وما تشير اليه التوجيهات النبوية الكريمة في الأحاديث التالية.
ومن لم يدع قول الزور والعمل به, فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
الصوم جنه مالم يخرقها قيل بم يخرقها يارسول الله؟ قال: بكذب فان سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم ـ ومضي التوجيه النبوي أن يدرك الصائم ادراكا عميقا أنه لا يصوم عن الطعام أو الشراب فحسب, وانما يصوم أو يجب أن يصوم عن الخصام أيضا سواء أكان باليد أو باللسان ـ اذن فليكف الصائم سمعه عن الاصغاء إلي المحارم, وبصره عن النظر الي العورات, ولسانه عن الثرثرة بالاكاذيب, ويده عن الكسب الحرام. وليكف رجله عن السعي في المفاسد والمضار, فإذ لم يفعل فهو كما قال عليه الصلاة والسلام رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع, ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر.
فأصبح من الثابت عند أطباء الفكر وأطباء الجسد, أن الاسلام جمع إلي كونه دين مناجاة فهو ايضا دين رياضة وقوة, وفي آدائها جماعة تعويد علي النظام وراحة للجهاز الهضمي من جهاد أحد عشر شهرا.
وقد يظن بعض الناس بالصوم مجهدة ونقصانا وخاف عليهم أن يدركوا بالايمان والتجربة أنه نقصان في الظاهر ـ كنقصان الزكاة يرتد إلي رأس المال أضعافا حيث يبارك الله لصاحبه ـ وتلك ظاهرة اعتاد عليها بعض الناس في رمضان لتلاوة القرآن فقط ـ فالثابت أن صحابة الرسول الاجلاء كانوا يلقنون القرآن شيئا فشيئا فلا ينتقلون من جزء حفظوه حتي يتموه وعيا وتدبرا.
لذا وتؤكده كل الثوابت والبراهين أن شهر رمضان هو خير الشهور ـ حيث تصحح أبداننا وقلوبنا فماذا اعددنا لنغتنم فرصة هذا الاستصحاح والاستصلاح. اذن لابد أن نصيغ أنفسنا الصياغة السليمة حتي نجنبها الشرور والمفاسد.