بتـــــاريخ : 9/11/2010 8:22:46 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 3213 0


    تناولته أطروحة لنيل الدكتورة بفاس المغربية فقه الأموال.. تطبيق مقاصدي

    الناقل : SunSet | العمر :36 | الكاتب الأصلى : عبدلاوي لخلافة | المصدر : www.islamonline.net

    كلمات مفتاحية  :

    الباحث محمد الحفظاوي
    الباحث محمد الحفظاوي

     

    ع ده المغرب- "للمعاملات المالية مقاصد معلومة لدى فقهاء الإسلام من حيث تحديدها ومصادرها، فالمقصد العام من التشريع المالي في الإسلام هو إثراء الأمة وترقيتها، وتيسير قيام أفرادها بأعمال التعمير لتحقيق الغاية من الوجود والقيام بدور الخلافة على منهج العبادة..".

    تلك كانت واحدة من أهم الخلاصات العلمية، التي توصل إليها الباحث محمد الحفظاوي، في مقاربته لموضوع "التطبيق المقاصدي في فقه الأموال من خلال المعيار الجديد المعرب عن فتاوى المتأخرين من علماء المغرب" للعلامة الشيخ المهدي الوزاني (المتوفى سنة1342هـ) تحت إشراف الدكتور أحمد البوشيخي.

    فالدراسة كما يؤكد الباحث خلال مناقشته للأطروحة يوم الثلاثاء 20 يناير الماضي، لم تتناول كل النوازل المالية الواردة في الكتاب، ولكنها تحرت البحث في المسألة المنهجية بدراسة بعض النوازل التي يبرز فيها النظر المقاصدي جليا، لذا جاءت نماذج الدراسة مقسمة على بابي العبادات والمعاملات، وهي: نوازل الزكاة ونوازل الجهاد ونوازل البيوع ونوازل الإجارة ونوازل الأحباس، بالإضافة إلى فهرس يتضمن أهم النوازل المالية، التي اشتمل عليها كتاب "المعيار الجديد".

    المقاصد دواء الأمة

    خلال بحثه العلمي، حرص الباحث محمد الحفظاوي، الذي يعمل مؤطرا تربويا بالمعهد الديني بأرفود (جنوب شرق)، على استصحاب الحس المنهجي وعلاقته بالتطبيق أو تحقيق مناط الأحكام بالمفهوم الفقهي والمقاصدي.

    وأشار إلى أن المقاصد علم ضروري في ضبط عملية الفهم للأحكام، كما هو ضروري في تأصيل منهج التطبيق، لأن غاية تطبيق الأحكام هي تحقق مقاصدها واستيعاب المستجدات، التي تواجه الأمة، فالداعي العلمي للعناية بمقاصد الشريعة وتطبيقاتها يكمن، وفق رأي الباحث، في استحضار ما يعج به واقع الصحوة الإسلامية العامة من ظاهرية حرفية تباين سعة التشريع ومقاصديته، فتنفر عوض أن تبشر، وتعسر على الناس شرع الله عوض أن تيسر. وما ذاك إلا بسبب الغفلة عن هذا الصرح العظيم مما نتج عنه تجريد النصوص عن مقاصدها وحكمها، والجمود على حرفيتها مما أفسد تكاملها وترابطها وصرفها عن دلائلها العميقة، ومعانيها الدقيقة، ففشا الخلط والتخبط.

    والتطبيق المقاصدي للأحكام الشرعية، يتابع الباحث، يبرز بجلاء في علم النوازل والفتاوى، حيث يُعمل الفقيه نظره وحصيلته المعرفية ورصيده العلمي، لتنزيل الحكم الشرعي على الواقع المشخص بغرض تحقيق قصد الشارع، مستدلا ببيان الشاطبي لوظيفة الفقهاء بأنهم: "يُحققون للناس مناط هذه الأحكام بحسب الوقائع الخاصة"، إذ لابد من الاجتهاد في تتبع المقصد الشرعي، لأنه هو المراد أصالةً من تشريع الحكم، ومن وضع الشريعة ككُل، وكل حكم شرعي يستمد قيمته التشريعية من مقصده.

    أهمية علم النوازل

    وبعد توضيح أهمية الوعي بالمقاصد ودورها في معالجة المستجدات، تناول الباحث القيمة العلمية لفقه النوازل وأساليب الفقهاء في الاجتهاد وطرق تنزيل النص على الواقع بعد إحكام صياغته.

    ففقه النوازل -يقول الباحث- يتعلق بمرحلة اجتهادية تطبيقية تتم خلالها صياغة الأحكام بقصد تهيئتها لمعالجة الواقع، وهي مرحلة -يقتضي منهج التطبيق المقاصدي- اعتبار المقاصد في الأحكام من حيث حصولها في الواقع، فيكون رجحان الظن بحصولها أو عدمه ميزانا في صياغة الأحكام.

    وللتشديد على هذه الأهمية، يقدم الباحث مجموعة من الغايات، التي يقدمها علم النوازل، ومنها: معالجة الظواهر الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتاريخية والأدبية لعصر من العصور، مما يعطي إضاءات لمقاربة أحكام النوازل المعاصرة والبناء عليها في الأنظمة المالية الحالية.

    ثم أيضا استلهام المنهج، والاعتبار بأحكام المفتين السابقة، التي نزلوها على أحداث ونوازل مشابهة على وجه التفقه للاستفادة في تحصيل ملكة التنزيل لا على وجه الاستفادة في ذات التنزيل على النوازل المشابهة، كما قال محمد الحجوي الثعالبي -في أهمية مطالعة كتب النوازل بالنسبة للمفتي-: "على المفتي الإكثار من مطالعة كتب الفتاوى والنوازل الواقعة ليعرف منها كيفية تطبيق الأحكام الكلية على القضايا الجزئية".

    وهذا التوجه في التعامل مع كتب النوازل هو من الحكمة والرشد في البحث في التراث، لأنه يستند إلى العناية بالكليات، والمعاني الكبرى، بدل التيه وراء الجزئيات التي لا تتناهى، كما قال محمد الروكي: "الجزئيات محكومة بالكليات والفروع تابعة لأصولها، فإذا حصلنا الكليات وضبطنا الأصول، ملكنا الهيمنة على الجزئيات والفروع بامتلاك أزمتها.. وهذا الفكر التقعيدي لا تقتصر الحاجة إليه في النظر إلى التراث وتقويمه فقط، بل حتى في توظيفه وتنزيل المستخلص منه على الواقع".

    نحو نوازل اجتماعية

     الباحث محمد الحفظاوي وسط لفيف من الأساتذة

    ويلفت الباحث إلى أن الحاجة ماسة في عصرنا، الذي يشهد أوضاعا مستجدة وأنظمة معقدة، مثل الأنظمة المالية المعاصرة من مصارف ومؤسسات تأمين، وشركات، إلى تأسيس الفقه وصياغة الحكم الشرعي بناء على مقاصد الشريعة التي تحدد المسار العام للحياة.

    وإذا أردنا أن نستلهم هذا المنهج، يقول الباحث، وجدناه في فقه الفتاوى بشكل جلي أكثر من فقه الأحكام والفقه التقريري المجرد، إذ ظلت الفتاوى تنحو منحى الفردية في موضوعاتها، وتعالج النوازل الشخصية أكثر مما تعالج الأوضاع الاجتماعية العامة، مما يتطلب بعث علم المقاصد لترشيد الفتوى لمواجهة الحاجات المتجددة والحوادث الطارئة، نتيجة التطور الفكري والصناعي والاقتصادي، وتغير الأعراف وتجدد المصالح في كل العصور وتعقد سبل الحياة.

    ويؤكد الحفظاوي أن القصد في النوازل ليس اعتماد الأحكام حرفيا في نوازل زماننا، وإنما المقصود بها معرفة المجال العلمي الذي يتفاعل فيه الحكم الشرعي مع الواقع، وتتجمَّع فيه العلوم النقلية والعقلية لتنْصهر في عملية تطبيق الحكم على محله بالكيفية التي يتحقق بها المراد الشرعي من الحكم. وليس المقصود تطبيق الحكم كيفما اتفق، وإنما لابد من الاجتهاد في تتبع المقصد الشرعي، لأنه هو المراد أصالة من تشريع الحكم ومن وضع الشريعة ككل. والحكم الشرعي يستمد قيمته التشريعية من مقصده، وبالفقه المقاصدي يصبح الإنسان مهتديا في كل جوانب حياته بهدي الدين في سلوكه الفردي ومعاملاته الاجتماعية.

    أهمية "معيار" الوزاني

    بعد تحديد الباحث لأهم مرتكزات الجانب المنهجي في بحثه، انتقل إلى بيان دواعي اختياره لكتاب"النوازل الكبرى فيما لأهل فاس وغيرهم من البدو والقرى المسماة بالمعيار الجديد الجامع المعرب عن فتاوى المتأخرين من علماء المغرب" لأبي عيسى المهدي الوزاني المتوفي عام 1342هـ، مجالا للتطبيق.

    وأورد كلام الدكتور عمر الجيدي عن معيار الوزاني بالمقارنة مع معيار الونشريسي، حيث قال:"وإن كانت من حيث القيمة أجود، وتمتاز عن سابقتها بنقلها فتاوى المتأخرين"، وإشارة المؤلف نفسه في متن النوازل الجديدة، حيث قال:"وقد كنا نسمع من شيوخنا أن أجوبة المعيار فيها الغث والسمين، واللجين واللجين، وأن مؤلفه كان قصده الجمع أولا ثم التنقيح ثانيا، فعاقه الأجل عن الثاني" ، مما قد يفهم منه أنه تدارك بمصنفه هذا ما نقص من مصنف الونشريسي.

    ونقل الباحث أيضا عن الوزاني قوله في مقدمة كتابه في سياق بيانه لبواعث التأليف:"بادرت إلى تأليف هذا الكتاب ووضعه فيه، فجمعت فيه جملة وافرة من أجوبة المتأخرين، مستوفيا فيه ما استحسنته من كلام المحققين منهم الراسخين، سالكا فيه أحسن الترتيب، تبعا لصاحب المختصر في نسقه العجيب، وعمدته ما يكثر ترداده بين أيدي الحكام، ويشكل على بعض من يتعاطى الفصل بين الأنام، مذيلابعض الأجوبة بما يكون لها كالشرح والتتميم، لئلا يسرع بعض القاصرين بنقد أو توهيم، وبنظائر تكمل بها الفائدة، وإن كانت عن الترجمة زائدة".

    ويشير الباحث إلى أن "المعيار الجديد" تضمن نقولا لأعلام كثر، مثل ابن رشد (الجد) و(الحفيد)، والقرافي، والمقري، والشاطبي، والونشريسي وابن هلال، والسجلماسي، وغيرهم. مما يجعل الدراسة لا تختص بالمصنف وفكره، بل أيضا بفكر ثلة من الأئمة الأعلام في الفقه المالكي.

    من التنظير إلى التنزيل

    وبعيدا عن التأطير النظري والمنهجي، أوضح الحفظاوي أن البناء الهيكلي للبحث العلمي يرتكز على جانبين منهجيين:
    ـ جانب نظري: يتم فيه التعريف بعلم التطبيق المقاصدي وقضاياه، لأن التأصيل النظري ضروري، لكونه أداة لازمة في التأسيس لعملية التطبيق. كما تناول القسم التعريف بالمصنف المهدي الوزاني وكتابه "المعيار الجديد".
    ـ جانب تطبيقي: ويتمثل في دراسة نماذج من نوازل فقهية مالية مختارة من كتاب "المعيار الجديد" لاستخراج القواعد التنزيلية التي اعتمدها المفتي في عملية تطبيق الحكم الشرعي على محله من خلال التأمل في جوابه على النازلة المعروضة عليه، أو من خلال مناقشته وتحقيقه لمسألة فقهية، وبيان الأصلي والتبعي من الأحكام، في سياق التأصيل للنازلة.

    وبناء على هذين الجانبين، فواقع البحث العلمي ومستجدات حياة المسلمين يدعوان إلى ضرورة تفعيل الدرس المقاصدي بحثا ودراسة لتجنيب الأمة آفة الخروج عن الطريق الوسط وعن مقتضى الاعتدال. ويحسن ـ حسب رأي الباحث ـ أن تتحول الدراسات المقاصدية من التنظير والتأريخ إلى التطبيق في مجالات الإصلاح، وبخاصة في مجالاته الحيوية مثل مجال المال والأعمال.ومن خلال تتبع النوازل والفتاوى المبثوثة في ثنايا الكتاب موضوع الدراسة، ذكر الباحث ثمانية مقاصد للأموال وهي: مقصد رواج الأموال، مقصد وضوح الأموال، مقصد حفظ الأموال، مقصد ثبات الأموال، مقصد العدل في الأموال، المواساة ومكارم الأخلاق، الإيثار على النفس، التوسعة ورفع الحرج.

    فكل الأحكام المالية في باب المعاملات -حسب استنتاج الباحث- تستند إلى عمومات الشريعة وكلياتها، بدءا ببيع السلم، والإجارة وبيع المضغوط، والتصرفات المختلفة في الحبس بيعا وكراء. ثم العمل، الذي شكل مستندا واقعيا للمعاملات المالية، وخاصية للحكم القضائي الذي جرى على الحكم به، كل ذلك جريا في فلك المصلحة.

    ويسجل الباحث أيضا أن نوازل الجهاد تميزت بحضور قوي للمقاصد في تطبيق الأحكام المالية المعروضة في النوازل، فتم الاستناد إلى المصلAحة المرسلة واعتبار المآل في تشريع الضريبة الطارئة، ومنع التعامل التجاري مع الكفار الحربيين لما فيه من نقض لمصالح ضرورية شرعية معتبرة.

    وفي النهاية خلصت لجنة المناقشة المكونة من كل من د الجيلالي المريني رئيسا، ود عمر جدية، ود. عبد الحق يدير، والدكتور عبد الرزاق، أعضاء مناقشين، بالإضافة إلى د أحمد البوشيخي مشرفا ومقررا إلى منح الباحث درجة " مشرف جدا" مشيدين بشخصية الباحث ومنبهين على بعض الملاحظات التي لا يخلو منها بحث علمي.


    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()