بتـــــاريخ : 9/11/2010 8:08:41 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1988 0


    تحرير محمد عبده من قارئيه

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : عبدالله الطحاوي | المصدر : www.islamonline.net

    كلمات مفتاحية  :

    قامت مكتبة الإسكندرية في نهاية عام 2008 بإصدار كتاب ضخم عن الإمام محمد عبده حوى أعمال المؤتمر الذي عقدته المكتبة في مئوية الإمام، لكن عندما نحاول أن نقترب من شخص الإمام محمد عبده نجد أنفسنا أمام فضاءات كثيفة من كتابات وقراءات راكمت نصوصه، وكل يدعي وصلا بتراثه!

    تبدو القضية معقدة كثيرا، اختلط فيها الشرح بالنص، والتعليق بالأصل، فهناك تلاعب أيديولوجي وتوظيف سياسي ومذهبي تم ممارسته على التوازي داخل تراثه في الكثير من الفكر الإسلامي والاستشراقي على السواء.

    من أي أرضية يمكن أن نطل بها على الأستاذ الإمام؟ هل باعتباره جزءا من رؤية تاريخية لاهوتية تجسد سلسة لمجددين في تاريخ الإسلام فيها ابن تيمية والأشعري وابن عبد الوهاب؟ وبالتالي هل هو ممهد لحركة الإحياء والتجديد التي جاءت بعده، أم هو على رأس تيار ليبرالي فيه لطفي السيد وطه حسين؟ .وهل خطابه معقد لدرجة التناقض كما يقول بعضهم؟ أم هو نص مفتوح قابل للتحميل والتوجيه في أي مسار؟ وهل نص محمد عبده بلا ملكية يجب أن يسند إليه ملاك مساندون؟

    ثمة توافق أن نصوص محمد عبده غير مكتفية بذاتها، وأنها في حاجة لنصوص من خارجها تفككها، وبات السؤال المذهل جدا: أين محمد عبده الحقيقي وسط كل هذه الدراسات؟ كيف يمكن للعقل الأكاديمي أن يقرأ النص المكتوب لغايات علمية دون أن يلبسه معطفه الفكري، ويفرض عليه منطقه، ويجرده من سياقه، ويفكك وحدته؟

    والآن نحن بصدد دراسة ليست جديدة في زمنها، لكنها جديدة في منهجها وهي أطروحة دكتوراه في السربون للباحث التونسي محمد الحداد تحت إشراف المفكر الجزائري محمد أركون بعنوان: "محمد عبده.. قراءة جديدة في خطاب الإصلاح الديني" الذي صدر عن دار الطليعة ببيروت في طبعته الأولى 2003م في 240 صفحة.

    معظم الدراسات الكثيرة المتعاملة مع تراث الإمام توحي أحيانا أننا لسنا أمام استنفاد معرفي لأفكار محمد عبده، لكن في الحقيقة نحن إزاء اكتفاء بمنهج واحد للتعامل مع النصوص المدروسة.. منهج بلغ حدوده القصوى، ولم يعد ينتج منذ أمد بعيد سوى المكرر، بحسب صاحب الدراسة.

    التاريخ والتوحيد

     اسم الكتاب: «محمد عبده.. قراءة جديدة في خطاب الإصلاح الديني».

    المؤلف: الدكتور محمد حداد.

    الناشر: دار الطليعة-بيروت –الطبعة الأولى 2003.

    عدد الصفحات:240.

    يلاحظ أن المنهج الغالب في معظم الدراسات التي يعنيها الباحث تدور حول أثرين رئيسيين، هما: تاريخ الإمام، ورسالة التوحيد، واللذان أشرف عليهما الراحل السيد رشيد رضا؛ حيث يبدو بنظر الباحث أن معظم الكتابات لم تبرح تصاريف وتفاسير السيد رضا برغم توقيعات عشرات الباحثين.

     

    والشخص المدروس "الإمام" هو غاية تلك الدراسات وتحديد موقعه هو مرامها عبر ثنائيات شهيرة باتت توجه الدرس العربي والاستشراقي، مثل التقليد والتجديد، والأصالة والتغريب، العقل أم النص، يقول المؤلف: "وهي دراسات تتحرك في الغالب من مواقع أيديولوجية سافرة، ناهيك أن صورة الإمام قد تتغير أكثر من مرة بتغير قناعات الدارس الواحد فضلا عن الفئة الكثيرة، كما تشهد على ذلك كتابات الدكتور محمد عمارة، جامع الأعمال الكاملة الذي غير قناعاته الأيديولوجية أكثر من مرة، وجعل صورة محمد عبده متنقلة معه حسبما استقر عليه يقينه الأيديولوجي".

    بين يدي المنهج

    أما الطموح المنهجي الذي تتغياه الدراسة فهو فهم محمد عبده فهما جديدا، لكن داخل تفاصيل الكتاب تسكن بيانات النهج الأركوني؛ فهي جزء من مشروع كبير في تجديد التعامل مع الخطابين التاريخي والديني، ويعترف الكاتب بذلك كثيرا.

    ويرى الكاتب أن نصوص محمد عبده يجب أن ينظر إليها بوصفها نصوصا مفتوحة، وهذا لن يتم إلا بتحليل النص بحسب المآل والمصير الذي آلت إليه الفهوم والنصوص اللاحقة به وليس حسب اللفظ والمعنى، وأن هذا الإجراء التحليلي هو الذي سيخرجنا من الشكلانية البنيوية إلى البنيوية التاريخية.

    وبالتالي حدود النص لدى الباحث لا تبدأ بالعنوان وتنتهي عند آخر جملة، بل بتواصل النص بفضل أجيال الشراح والمتأولين وبالطبع يقصد في طليعة هؤلاء الشراح السيد رشيد رضا الذي يقول عنه: "لن نتهم رشيد رضا بأنه حرف نصوص عبده؛ إذ لم يقم بأكثر من التعامل معها حسب آليات التأويل القديم.. تماما كما أن المهم في أرسطو أو ابن رشد ليس ما قالاه، بل ما كان ينبغي أن يقولاه، وكذلك لم يكن يهم رضا من أمر عبده دقائق مواقفه بل قابليته لأن يحشر ضمن شبكة تأويلية للإسلام تمتد من ابن تيمية إلى العصر الحديث".

    الأخير ليس الأفضل دائمًا

    يقدم الباحث قراءة نقدية تطمح إلى البحث في الوسائل التي كانت الرؤية تتم بواسطتها، والمفاهيم والمصطلحات والمسلمات الذهنية، وإعادة طرح الخطاب المدروس والمصاعب التي أرهقته، وكشف الكبت الذاتي الذي حال دون تقدمه نحو أهدافه.

    تتجه الدراسات عادة إلى عرض أفكاره الأخيرة؛ باعتبار أن آخر النصوص هي أفضلها.. الدراسة عكست المسار، وميزت بين مرحلتين يفصل بينهما تاريخ عودته إلى بيروت بعد توقف صحيفة "العروة الوثقى"، وأطلقت عليها مؤلفات الشباب، وأخرى لمرحلة النضج، والفارق بينهما ليس زمنيا ولكنه تفريق فرضته تحولات السلطة المرجعية من الأنا المعبرة، إلى مرجعيات مطلقة تضمن صحة القول.

    وهذا يفترض -بحسب الباحث- الالتفات إلى الدلالات المضمرة داخل خطاب عبده وهو ظاهرة ملاصقة لكل خطاب كطريقة مراوغة للمحرمات اللغوية، واستباق الاعتراضات المتوقع توجيهها إلى الخطاب.. تلك الخاصية داخل الخطاب جعلت الكثير ومنهم عابد الجابري اعتبار أن ثمة تناقضا يعتري بنية نصوص الإمام، وأيضا من ضمن التقنيات المنهجية التي يقترحها الباحث لفك شفرات نصوص الإمام وهو تفهم حالات النفي الغالبة على نصوصه والتي لا تمثل حالة ضعف بل هي اختيار إستراتيجي في تحديد علاقات التخاطب، وثمة دلالات لا تفصح عن نفسها إلا في ظل دلالات أخرى، وهذا يحتاج رد المنفي للمثبت داخل سياق مشروعه.

    الإصلاح للجميع

    ومن الملاحظ عند الباحث أنه يحاول تجاوز الجدل الدائر حول حداثة الإمام أو محافظته، ومن ضمن المقاربات المنهجية التي يطرحها الباحث لفهم نصوص الأستاذ الإمام مقاربة الإصلاح الديني، ويطرح المقاربة عبر سؤال دال مفاده: هل الإصلاح "بالمفهوم الغربي" ظاهرة مشتركة بين المجتمعات قابل للتعميم؟

    الكاتب لا يخفي انحيازه نحو تعميم المصطلح مع مراعاة التباينات، وبوصف الإصلاح إحدى مراحل الانتقال من ثقافة محورها اللاهوت إلى ثقافة محورها الإنسان بحسب أركون.

    ثم يتوسع في الجدل عن المنهج الإصلاحي العام بوضع سياقات متشابهة ومتقاطعة بين التجربتين الإسلامية والمسيحية على صعيد السلطة الدينية يقول الكاتب: "صحيح أنه لا وجود لكنائس في الإسلام، ولكن هناك مؤسسات تراقب المعرفة الدينية وتحتكرها، وتحاكم السلوك الفردي والجماعي لأجل نسف الوساطة.. دعا عبده إلى التخلص من الترسانة اللاهوتية المدرسية الموروثة في العصر الوسيط، وينقل في موضع آخر أن مفهوم "الفرقة العقدية" هو الجدير باحتلال موقع الكنيسة في الثقافة المسيحية.

    وينقل الباحث أن كلا المصلحين لوثر وعبده كانا معنيين بفصل الدين والمعارف الأخرى، بل وكلاهما حاول إصلاح أنظمة التعليم، بل وأوشكا أن يخرجا منه مبكرا لعقم المناهج.

    ويحاول حداد كثيرا استنطاق أقوال متشابهة وتلفظات قريبة بين عبده ولوثر لا يهدف بها إلى تقريب اعتباطي بين أقوال منافية لروح التاريخية الحديثة، بل غايته من ذلك بقوله: "الإشارة إلى وجود حدود مشتركة لأن التاريخ الشامل الذي يحلل الأنظمة الثقافية والاجتماعية الموجهة.. من هنا يصبح الارتباط ممكنا، بل ضروريا"(!!)

    ومحاور التفكير الناجمة عن الخطاب الإصلاحي للإمام التي تجلت برأي الإصلاح هي:

    أ ـ نقل العقائد من ميدان التقليد إلى ميدان الاجتهاد؛ لتحقيق طموح الإنسان الحديث الباحث عن تدين معقول.
    ب ـ انتهاك سلطة المحرم، ولم يكن عبده يرى نفسه ملزما بالاستنجاد بمراجع قديمة، وكان يحتج على آرائه باستعمال مباشر للنص المقدس وتأويل شخصي لهذا النص.
    ج ـ خفف عبده من ضغط التراث والتقليد على حقول ثقافية وتاريخية، وتصور الكون والأخلاق، وتتمثل عبقريته في مصاحبة حركة تاريخية واقعة وهي حركة الإصلاح الديني في الغرب.
    د ـ أضعف خطاب الإمام روح الأرثوذكسية (أي روح التقليد والجمود) وثقافتها، برغم أن مقصده لم يكن في البداية غير إحياء الثقافة المتداعية التي يشاطرها المبادئ العميقة، وفتح على مصراعيه باب التواصل مع الثقافة الحديثة.

    رشيد وتاريخ الإمام

    يرى الباحث أن صفة التلمذة للإمام كثيرا ما تم ادعاؤها والتنازع عليها في حياته وبعد مماته، والأحداث حسبما جاءت في الدراسة أن هناك لجنة تم تشكيلها سنة 1905 أخذت على عاتقها جمع وتحرير وترجمة آثار الإمام ضمت شخصيات قريبة من محمد عبده منها سعد زغلول وقاسم أمين، ولم يكن رشيد رضا من بينها، وأيضا لم يكن ممن حضروا مراسم الدفن ولا الخطباء.. ويجزم الباحث أن السيد رشيد رضا لم يعرفه إلا فترة وجيزة في حياته، وشهادة رضا على عبده تطرح نفس إشكال شهادة عبده على الأفغاني.

    لكن الحظ كان إلى جانب رشيد رضا؛ حيث تسارعت الأحداث السياسية في مصر فشغلت أعضاء اللجنة والتي معظمها من السياسيين، ويقول الباحث: "ونرجح أنهم فقدوا الرغبة في ذلك أيضا كي لا تلتصق بهم تسمية "حزب الإمام"، أو الاتهام بمعاداة الأسرة العلوية (أسرة محمد علي باشا) ومهادنة الحماية البريطانية"، فتخلوا عن المشروع لرشيد رضا وأوكلوا إليه مهمة جمع الآثار بحسب الدراسة، كان أول جزء صدر هو الجزء الثاني (المنشآت) الذي جمع جزءا من آثار عبده، واتفقت اللجنة تحت ضغوط سياسية على إسقاط أجزاء من الكتابات، وعند صدور الطبعة الثانية وزوال الظروف لم يستدرك رشيد رضا ويعيد الكتابات التي تم إسقاطها.

    ويؤكد الباحث أن رشيد رضا تخلى عن اتفاقه مع اللجنة على إصدار نص عن حياة الإمام كان قد راجعه بنفسه قبل وفاته، ويضيف: "واتجه رضا إلى إعداد مجلد ضخم حول الإصلاح أقحم فيه الأفغاني، ثم أقحم فيه نفسه، واستغله لعرض آرائه الشخصية، وفرض من خلاله صورة الإصلاح القائم على ثالوث هو ثالوثه".

    وصار محمد عبده -بحسب الباحث- جزءًا من سلسلة تجديدية وضعها رشيد رضا تجمع كلا من: عمر بن عبد العزيز، وأحمد بن حنبل، وأبو الحسن الأشعري، وابن حزم، والغزالي، وابن تيمية، وابن قيم الجوزية.. على الرغم من أن التنازع كان على أشده بين هذه التيارات أشعرية وحنبلية وظاهرية، وخرق الباحث لإجماع أجيال منعقد للسيد رشيد رضا بحسبانه الشارح الأكبر لنصوص الإمام، وحاول أن يؤيد ذلك ببعض الكتابات التي تنحو نفس منحاه نحو السيد رشيد رضا.

    عبده بعد الثورة

    وإذا كانت ذكرى محمد عبده من العناصر الرمزية التي أقحمت لدعم الإصلاح وجدله في كل عصر، فإن الأمر كان يستدعي مراجعة صوره في كل مرحلة، وهو ما تم كما يشير الباحث مع الثورة حتى تكون صورة عبده موافقة لخط الثورة، وفي سنة 1955 نشر عثمان أمين الصيغة العربية لأطروحته حول عبده، حيث أراد أن يسقط عليه حاجات جيله، وجعل منه محمد البهي أزهريا معتدلا على صورته وعلى صورة الشيخ المراغي، واعتبره الشيخ الصعيدي والعقاد مصلحا متحمسًا، أما طاهر الطناحي فاعتبره ثوريا استجابة لرغبة مرحلة.. كما بدا عبده ليبراليا مع مصطفى عبد الرازق وعبد المنعم حمادة، وجعلوه على رأس تيار يضم لطفي السيد وطه حسين وعلي عبد الرازق.

    وينقل الباحث أن المحافظين شكك الكثير منهم في ولائه الوطني والديني؛ فهذا سليمان دنيا قد جاوز بالعقل حده، وعدل بعقله الحقائق الشرعية من الحقيقة إلى المجاز، بحسب الشيخ محمد الذهبي، أما سيد قطب فقد اتهمه بالإفراط بالعقلانية، وتحويل الحاكمية من الله إلى العقل البشري، أما إخوان تونس فصنفوه والطهطاوي ضمن الشيوخ المغرر بهم غربيا.

    ملاحظات على الآثار

    يقول محمد الحداد: "شهد خطاب عبده عمليات توظيف عديدة، لكن أكثرها خطرا تلك التي ذهبت إلى حد تحريف آثاره أو التشكيك في نسبتها إليه"، ويضرب مثلا بذلك برسالة "الواردات في سر التجليات"، وهي رسالة صوفية سلمها عبده قبل وفاته إلى رشيد رضا الذي نشرها في الطبعة الأولى في المنشآت ثم حذفها في الطبعة الثانية.

    ويرى حداد أن السيد رشيد لجأ بتعبيره إلى أساليب ملتوية؛ للتقليل من شأنها وجعل القراء يعتقدون أن عبده قد تراجع عن آرائه الجريئة فيها، وينقل عنه أنه -أي الإمام- قد تمكن من عقيدة السلف بعد أن اهتدى إليها بالإجمال، ويضيف حداد: "وعندما نشر محمد عمارة الأعمال الكاملة ذهب إلى أبعد من ذلك فنفى الأثر كليا عن عبده.. نفس الكلام ينطبق تقريبا على كتاب "الحاشية على شرح الدواني للعقائد العضدية" من السيد رشيد رضا، والدكتور عمارة.

    أما رسالة التوحيد فثمة اتهام صريح للسيد رشيد رضا بحذف فقرات تتعلق بمسألة خلق القرآن؛ "حيث كان محمد عبده أول المعاصرين الذين يدافعون عن مذهب خلق القرآن، وقد عبر عن رأيه بوضوح في الحاشية على الدواني، وأعاده باختزال في رسالة التوحيد".

    وبالنسبة لتفسير القرآن فقد اعترف أن يخرج باستنتاجات بموقف الشيخ رشيد رضا، "فعبده لم يفسر كل القرآن ولم يحرره بنفسه، بل إن رضا هو الذي قيد دروسه في التفسير وواصلها بعد وفاته".

    المسالك إلى التراث

    وهذا الفصل طبق فيه حداد تقنيات منهجه الذي اتجه للتعامل مع الإمام بوصفه مفكرا يعمل في إطار الوعي الجمعي الذي يعايشه، والكشف عن آليات تعامله مع الموروث، وتعامل الوعي الإسلامي مع صورته وعلى نصوصه، ووصل إلى عدة نتائج منها:

    - هناك تواصل في الخطاب الديني لعبده بين مجموعة النصوص التي دعاها الباحث بمؤلفات الشباب والنصوص الأخرى رسالة التوحيد ودروس التفسير.
    - تمثل جهد عبده في محاولته قراءة نقدية للمذاهب العقائدية ولاستدلالاتها، وهذا وجه مما كان يعده اجتهادا.
    - ينتهي عبده بتقليص ميدان العقيدة إلى أقصى حد ممكن بأن يجعله متعلقا بثلاثة مبادئ كبرى اجتمعت حولها كل الأديان والمذاهب وهي الألوهية والنبوة والميعاد.
    - الفارق بين نصوص الشباب وغيرها يرجع إلى عدة أمور منها ما هو ظرفي؛ فنصوص الشباب كانت خلاصة نقاشات أطلقها محمد عبده في حضور الأفغاني بين مجموعات صغيرة من المختصين، أما رسالة التوحيد فقد ألقاها درسا عاما في بيروت والقاهرة.

    اكتشاف الصورة

    من الأكيد أن جمال الدين الأفغاني -بحسب الباحث- هو الذي فتح المسالك للباحثين في التراث، حط بمصر وفي متاعه عشرات المخطوطات الثقافية التي كانت قد نضبت، وعنه استنسخها عبده ومعه دخل عالما جديدا مختلفا عن السنية العربية المنغلقة.

    والأفغاني يمثل آخر الشخصيات العظمى التي أنتجتها مراكز الحضارة الإسلامية، وبمتابعة المسالك انتهى الباحث أن عبده لم يكن سلفيا بل سينويا (نسبة لابن سينا) إشراقيا، مرجعيته لم تكن ابن تيمية، قرأ تراث ابن سينا عبر شبكة تأويلية كبرى التحمت فيها إشراقية السهرودي، والطوسي، والشيرازي، وابن عربي.

    وتشابك كل ذلك مع علم كلام جديد مثله الإيجي والجرجاني والدواني "هذا الفضاء الثقافي الواسع الخصب وفر لعبده الكثير من الإجابات الجديدة حول مسائل قديمة: العالم والمادة.. الله والكون.. الإنسان والمصير... إلخ، لكن الأهم أن ذلك الفضاء قد رسخ لديه موقف التأويل الإدماجي، أي القابلية، لاستقبال كل الآراء وإدماجها في نظام مفتوح قائم على مبدأ التعددية على نقيض التأويل الإقصائي السلفي".

    الدرس المهم الذي وصل إليه حداد أن آلية التأويل الإدماجي كانت هي خطة عبده والتي جعلت نتائج شرح العقائد المبكرة المنحازة إلى وحدة الوجود والرؤية الإشراقية هي ذاتها النتيجة التي وصل إليها في رسالة التوحيد، وإن اختلفت الطريقة، وإذا كان علم الكلام القديم قد احتوى أرسطو وأفلاطون، فلما لا يحتضن علم الكلام الجديد سبنسر ولوبون؟.

    وأن الحق الباطل ليس خطا يفصل الإسلام عما قبله أو خرج عنه، والحكمة حقيقة متعالية في التاريخ يدعمها الوحي مرة والعقل مرة أخرى، وقد اكتشف تلك المنهجية عند ابن رشد والفارابي، وقد أطلق عبده لقب حكيم على بعض معاصريه من فلاسفة الغرب، ويرى حداد أن محمد عبده من المؤمنين أن الحكمة واحدة لا تغير، وأنه قد خلخل وهم الفرقة الناجية.

    والتمييز بين ميدان الإيمان والتفكير الديني أمر ضروري، وأن الحقيقة لها مراتب متعددة، وخلص حداد أن الصورة السلفية التي أعطاها السيد رشيد رضا كان له دور كبير في تشكيل هذه الصورة لتتلاءم مع مناخ جديد.

    ملاحظات

    حاول حداد انتزاع صورة محمد عبده من نزاع لم يهدأ حتى الآن، وحاول أن يترفع به عن دائرة التلاعب الأيديولوجي وهذا مهم، ونجحت فيه الدراسة بشكل كبير ولافت، إلا أنه حاول أن يصنع له صورة جديدة تبدو أحيانا تتجاوز الصورة المنطقية والتاريخية التي تسفر نصوص الإمام عنها، بل وجعله في حالة خصومة مع معظم المتعاملين مع تراثه، لاسيما كل من لا يستخدم ذات المنهج التاريخي بأدوات الباحث، الذي يجب النظر إلى عمله كونه أحد البدائل وليست الرؤية الوحيدة.

    كما أن اجتهادات الحداد تحركت في إطار الينبغيات التي حفلت بها الدراسة التي تدفع نصوص الإمام في اتجاه بعينه، كما يلاحظ كثرة التعميم الشديد في أحكامه على شراح ونقلة تراث الإمام لاسيما السيد رشيد رضا، ووجود اتهامات مستبطنة بعدم أمانة الإحيائيين على نصوص التجديديين، وكأنه مطلوب من حركات الإحياء أن تتوافق حديا مع كل نصوص واجتهادات الإصلاحيين، وألا يكون لهم الحق في القراءة والتوظيف المنهجي بآلياتهم لدعم موقفهم وخلق موقف تواصلي تاريخي مع حركة العقل الإسلامي عبر آلية الحذف والإضافة.

    لكن يبقى السؤال الذي طرحه الكتاب، وهو: هل نحج السيد محمد رشيد رضا والدكتور محمد عمارة في التعامل المنهجي مع تراث الأستاذ الإمام؟ وما هي حقيقة أدوارهم المعرفية إزاء تراثه؟ وهي أسئلة تحتاج إلى استكمالات بحثية أخرى

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()