هاهو رمضان يلملم أطرافه عازماً الرحيل، فهل قدمت لأطفالك جزءاً ولو يسيراً من بركات هذا الشهر الفضيل؟ كم من صغارك دربتهم على الصوم؟ وكم صاموا؟ وكم منهم علمته خصوصية هذا الشهر؛ لتعويدهم على واجباتهم الدينية حتى إذا كبروا أصبحت جزءا من نظام حياتهم؟!
اجتماع الأسرة المسلمة حول مائدة الإفطار يدفع الكثير من الأطفال إلى الصيام إما بدافع التجربة أو تقليداً للكبار، أو للفت النظر إليهم بأنهم كبروا..لها أون لاين تلقي الضوء على تجربة صيام الأطفال بأبعادها المختلفة ومع الأطراف ذات الصلة.
• تشجيع وتقليد
في البداية كانت لنا وقفة مع بعض التلميذات على الأسباب التي دفعتهم إلى الدخول في تجربة الصيام:
لميس، سارة، عبير، العنود، مها، تلميذات في الصف الخامس بدأن صيامهن منذ سن 8 سنوات بتشجيع من الأسرة، فقد استخدمت أمهاتهن أساليب عديدة لإغرائهن وتشجيعهن على الصيام حيث بدأت تجربتهن بالصيام ثلاثة أيام في الأسبوع ثم أربعة أيام وهكذا حتى أكملوا أسبوعاً في نهاية الشهر الكريم. وفي السنة التالية واصلن صيامهن كل الأسبوع دون تعب أو إرهاق.
أما نورة، وريم، وهيفاء، وسلمى (في الصف الرابع) فقد أوضحن بأنهن دخلن تجربة الصوم تقليداً للكبار في الأسرة حيث بدأن منذ الصف الثاني، وكانت بدايتهن تدريجية بدأت بنصف يوم وانتهت بأسبوع خلال الشهر الكريم، وتكررت التجربة في العام التالي وتواصلت باستمرارهن في الصيام طوال الشهر دون تعب رغم أنهن يذهبن إلى المدرسة كل يوم ويؤدين واجباتهن المدرسية على أكمل وجه، ويؤكدن أن تحصيلهن الدراسي ازداد خلال الشهر الكريم.
• للأمهات دور
سعينا إلى معرفة موقف الأسرة ودورها في صيام الأطفال، فالتقينا أم زياد، أم محمد، أم فهد، اللائي أشرن إلى تخوفهن في البداية من تجربة صيام بناتهن في سن مبكرة خاصة وأن رمضان يأتي في وقت الدراسة مما قد يؤثر على تحصيل الطالبات وقدرتهن على استيعاب الدروس، فحاولن في البداية أن يمنعن بناتهن عن الصيام ولكنهن لم يستطعن ذلك، وأمام إلحاح بناتهن استجبن وبدأن التجربة بمتابعة يومية من الأمهات تمكن من التغلب على الإرهاق والتعب الناتج عن الصيام وواصلن الصيام فكانت تجربة ناجحة.
وعلى العكس من موقف الأمهات السابقات كان موقف أم فيصل وأم سلطان وأم خالد، فقد شجعن بناتهن بكل الوسائل لحثهن على الصيام والتعود عليه في سن مبكرة وأكدن أن هذا ما يجب أن تقوم به كل أم مسلمة تحاول أن تنشئ ابنتها على القيم والمبادئ الإسلامية منذ الصغر، حتى تدرك واجباتها الدينية على أكمل وجه.وأشرن إلى أن تشجيعهن ورعايتهن كانت أسباب كافية لأن تجتاز بناتهن تجربة الصيام.
• صحة الطفل الصائم
قد يقلق بعض الأمهات على صحة أطفالهن الذين يصرون على الصيام، فهل يؤثر الصيام سلبا على صحة الطفل؟ وهل يستطيع الطفل تحمل الصيام؟
يجيب الدكتور عبد الله علي السيد اختصاصي الأطفال بمستشفى الملك خالد الجامعي بقوله: الأطفال دون الثانية عشرة لا يحتملون الصيام كما يحتمله الشخص البالغ ولكن إذا كانت بنيتهم قوية وتكوينهم الجسماني يسمح بذلك يمكن تشجيعهم تدريجياً على الصوم، حتى لا يلجئون إلى الغش بدافع إثبات المقدرة على الصيام بأن يمتنعوا عن الطعام والشراب أمام الناس فقط!! لذلك فإنه لا ضرر من صيام الطفل ما دام يتمتع بصحة جيدة ولكن على الآباء والأمهات متابعتهم.ويشير إلى أن الصيام يقلل من السكريات في الجسم والطفل يحتاج لسكريات أكثر؛ لأن حركته أكثر من الشخص البالغ لذلك فإن صيام الطفل يفقده الكثير من السكريات فيشعر بالتعب والهزال.
وهناك شيء آخر فالطفل لا يدرك كل الجوانب المتعلقة بالصيام كتقديره لفترة الصيام وتناول كل ما يحتاجه الجسم فالشخص البالغ يتناول كل ما يحتاجه، والطفل يأكل أقل من احتياجه مما يتسبب في إرهاقه، ولكن إذا كانت هناك متابعة من الأهل وإشراف على نوعية طعامه الذي يتناوله يستطيع الطفل مواصلة صيامه دون إرهاق أو مضاعفات. وإذا اتبع الطفل كل الأسس الصحية في صيامه وتناول ما يكفيه من الطعام فإنه يستفيد من الصيام مثله مثل الكبار من حيث تعوده على تحمل المشاق والصبر.
ويضيف د. عبدالله أن هناك أطفالاً يعانون أمراضاً وهؤلاء لا يحق لهم الدخول في تجربة الصيام إطلاقاً؛ لأن تأثير الصيام عليهم سيكون خطيراً، ومنهم الأطفال الذين يعانون من قصور في وظائف الكلى، والمصابين بالأنيميا المنجلية وهؤلاء إذا انقصت السوائل في أجسامهم يدخلون في نوبة من آلام المفاصل، كذلك الأطفال الذين يعانون من مرض السكر.
• إرشادات طبية
إذا استطاع الطفل اجتياز التجربة وكان يتمتع بصحة جيدة تؤهله للاستمرار في الصيام يجب على الأهل تشجيعه والإشراف على غذائه خاصة وجبة السحور التي يجب أن تحتوي على كميات كافية من السكريات التي تمد جسم الطفل بالطاقة اللازمة لنشاطه الدراسي خلال النهار حتى لا يشعر بالتعب. فإذا أخذ كمية كافية من الغذاء والراحة ونام مبكراً يستطيع الاستمرار في الصيام دون التعرض لأي مشاكل صحية.
• السن المناسبة لصيام للطفل
يقول الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ في صيام الأطفال: "الصبيان والفتيات إذا بلغوا سبعاً فأكثر يؤمرون بالصيام ليعتادوه، وعلى أولياء أمورهم أن يأمروهم بذلك كما يأمرونهم بالصلاة فإذا بلغوا الحلم وجب عليهم الصوم".
أما د. فاطمة الجار الله الأستاذ المساعد في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فتشير إلى أنه يشترط البلوغ لوجوب الصوم، فلا يجب على الصغار على الراجح لقول النبي صلى الله عليه وسلم "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل". ولأنه عبادة بدنية فلم يلزم الصبي كالحج، وقد روي عبدالرحمن بن أبي ليلى في حديث مرسل: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان".
وعلى ولي الطفل أن يأمره بالصوم إذا أطاقه ويضربه عليه ليعتاده كالصلاة. وقد كان هذا هو منهج الصحابة رضوان الله عليهم فقد جاء في صحيح مسلم "جزء 2 ص799 (1136) عن خالد بن ذكوان قال: سألت الربيع بنت معوذ عن صوم عاشوراء قالت ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسله في قرى الأنصار فذكر بمثله حديث أنه قال ونصنع لهم اللعبة من العهن فنذهب فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم.
وهكذا فإن تجربة الطفل للصيام يمكن أن تستمر وبنجاح دون أن تترك آثار سلبية عليه، وذلك في حال وجدت الاهتمام الكافي من الأسرة بالطفل ورعايته وتشجيعه ومتابعة واجباته بطريقة صحية وتمكينه من أخذ القسط الكافي من الراحة والنوم حتى يستطيع أن يتابع تحصيله الدراسي بكفاءة ويتحمل المشاق وأن يكون صبوراً وقوياً.