اختيار شريك الحياة من القرارات المهمة التي يقطعها الإنسان في حياته إن لم يكن أهمها على الإطلاق، إذ يتوقف عليه اختيار الشخص الذي سوف يقاسمه حياته بكل متاعبها ومشكلاتها وأحزانها وأفراحها أيضاً، ومعاً يكونان أسرة واحدة تأتي بأطفال يكونون في الغد هم أسرتهم الكبيرة التي يعيش كل من الأم والأب تحت ظلالها
.
ولأن شريك الحياة يقاسمك كل قرارات حياتك، ويربي معك أبناءك ويسير معك في طريق حياتك، ويعاصر معك كل أحداثها، كان من الضروري أن تأخذ مسألة الاختيار حيزاً كبيراً من تفكيرك وتفكيرنا نحن أيضاً، وأن يكون هذا وفق معايير وقواعد وتأنٍ وحرص على أن يكون من تختار هو الشخص المناسب تماماً لك.
وهناك الكثير من النصائح تقدم للمقبلين على الزواج، ولكنها في الغالب تكون مطلقة وربما لا يمكن تطبيقها على الشخص الذي تختاره أو تفكر فيه شريكاً لحياتك... ولذا نحن في هذا الموضوع نقدم لك خطوات عملية تساعدك من أجل اختيارك السليم لشريك الحياة كي تعيشي سعيدة هانئةً.
..
المعرفة الجيدة
في البداية يؤكد لنا الدكتور أحمد عبد الله أخصائي الطب النفسي ومستشار العلاقات الزوجية أنه لابد من معرفة الشخص الذي تختاره شريكاً للحياة معرفة جيدة والتأكد بثقة أنه فعلاً الشخص المناسب، لأن عدم الاختيار السليم في هذا الأمر ينتج عنه مشكلات كبيرة ويسبب معاناة لصاحبه، ولكنه يرى أن ما يحدث في الغالب هو الحكم على الرجل أو المرأة المراد الاقتران بها بمعايير شكلية فقط تقوم على مظاهر خارجية لا تقيم الشخص، وتصلح هذه الطريقة في الزواج بالاقتران بشخص دون معرفته شخصياً عن قرب ودراسة طبائعه في المجتمعات الصغيرة والقبلية التي تعرف فيها الأسر بعضها بشكل جيد، وهنا لا يصبح هناك مشكلة لأن الأسرة معروفة للطرف الآخر.
معرفة السلبيات
ويكمل حديثه بقوله: (لابد من خلق قنوات حقيقية للاتصال بين الرجل والمرأة في إطار المجتمع، ولابد من حدوث مقابلات ومناقشات بينهما قبل الزواج – تحت إشراف الأهل – بشكل كافٍ يتناول كل جوانب الشخصية، بحيث يعرف كل منهما جوانب الآخر، خصوصاً سلبياته، والنظر إذا ما كان يمكنه تقبلها والتعايش معها أم لا، فلابد من الارتباط بشخص يمكنك التعايش مع عيوبه، ولكن الاعتماد على رؤية الشخص مرة أو مرتين فقط والحكم عليه من خلال هذا فقط لا يكفي لأخذ قرار مصيري مثل الزواج، والتسرع بالأخذ بالعوامل الخارجية وعدم دراسة الشخص جيداً يؤدي لفشل الكثير من الزيجات وربما هذا هو السبب في زيادة معدلات الطلاق في المجتمع في السنوات الأخيرة)
.
ويتناول الدكتور أحمد سلبيات طريقة التفكير في الارتباط بقوله: (تركيز الأسرة على النواحي المادية فقط للأسف يجعلها لا تري الجوانب الأخرى فيمن تختار، ويجعها لا ترى شخصيته بشكل سليم، وهي الأهم لأن الأمر في النهاية يتعلق بتعامل رجل وامرأة وليس صفقة مادية).
وفي النهاية يؤكد الدكتور أحمد عبدالله أنه لا يوجد موصفات أو معايير معينة أو مطلقة لابد من توافرها في الشخص الذي نختاره شريكاً للحياة، لأن لكل شخص عيوبه، ويمكننا القول – والكلام للدكتور أحمد – أن كل شخص بعيوبه وشخصيته له الشخص المقابل له والمناسب للزواج منه.
أبعاد متعددة للزواج
أما الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر فيقول: في البداية قبل اتخاذ قرار الزواج لابد من وصول الطرفين للنضج الكافي لتحمل تبعات الزواج ومسئولياته والقدرة على رعاية أسرة، ولابد أن يدرك الطرفان طبيعة العلاقة الزوجية التي يمكن وصفها كالتالي:
أولاً: العلاقة الزوجية هي علاقة متعددة الأبعاد بمعنى أنها علاقة جسدية عاطفية عقلية اجتماعية روحية، ومن هنا وجب النظر إلي كل تلك الأبعاد حين نفكر في الزواج، وأي زواج يقوم على بعد واحد مهما كانت أهميته، يصبح مهدداً بمخاطر كثيرة.
ثانياً: العلاقة الزوجية علاقة أبدية (أو يجب أن تكون كذلك) وهي ليست قاصرة على الحياة الدنيا فقط بل تمتد أيضاً إلى الحياة الآخرة.
ثالثا: العلاقة الزوجية شديدة القرب، وتصل في بعض اللحظات إلي حالة من الاحتواء والذوبان.
رابعاَ: العلاقة الزوجية شديدة الخصوصية بمعنى أن هناك أسراراً وخبايا بين الزوجين لا يمكن ولا يصح أن يطلع عليها طرف ثالث.
وحول تكامل هذه الجوانب المتعددة للعلاقة الزوجية يكمل الدكتور محمد قوله: (وأكبر خطأ يحدث في الاختيار الزواجي أن ينشغل أحد الطرفين ببعد واحد في الاختيار (اختيار أحادي البعد) ولا ينتبه لبقية الأبعاد.
ويضيف الدكتور محمد: (ويجب على الطرفين أن يفهما أن الزواج ليس علاقة بين شخصين فقط، وإنما هو علاقة بين أسرتين وربما عائلتين أو حتى قبيلتين، أي أن دوائر العلاقة تتسع وتؤثر في علاقة الزوجين سلباً وإيجاباً، ومن هنا تتضح أهمية أسرة المنشأ، والعائلة أو المجتمع الذي جاء منهما كل طرف
. ولا يجوز أن يقول أحد الطرفين: "أنا أحب شريك حياتي، ولا يهمني أسرته أو عائلته أو المجتمع الذي جاء منه "فالشريك لابد وأن يحمل في تكوينه الجيني والنفسي إيجابيات وسلبيات أسرته والبيئة التي عاش فيها، ولا يمكن أن نتصور شخصاً يبدأ حياته الزوجية وهو صفحة بيضاء ناصعة خالية من أي تأثيرات سابقة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا).
أهمية أسرة المنشأ
ويشير الدكتور محمد المهدي لأهمية النظر إلى أسرة الرجل أو المرأة بشكل جيد إذ تلعب أسرة المنشأ دورًا مهمًا في تشكيل شخصية شريك الحياة، فالشخص الذي عاش في جو أسري هادئ ودافئ في حضن أبوين متحابين متآلفين ومع إخوة وأخوات يتعلم معهما وبهما معنى العيش مع آخرين، هذا الشخص - والكلام لدكتور محمد - نتوقع نجاحه أكثر في الحياة الزوجية لأن نموذج الأسرة بكل أركانها يكون مطبوعًا في برنامجه العقلي والوجداني، فهو أكثر قدرة على أن يحِب ويحَب، وأن يعطي ويأخذ وأكثر قدرة على العيش المستقر الدائم مع شريك الحياة وعلي العكس من ذلك نجد أن الشخص الذي رأى وعاش تجربة انفصال والديه وتفكك الأسرة، نجده أكثر قدرة على الهجر وعلي الانفصال عن شريكه، لأنه تعود على الهجر وتعود على الاستغناء عن الآخر، ولا يجد صعوبة في ذلك، كما أن نموذج الأسرة ليس واضحًا في عقله ووجدانه.
التوافق والتكامل
وعن بقية الأركان الأساسية اللازم توافرها في شريك الحياة يقول الدكتور محمد المهدي: مطلوب أيضاً أن يرتبط الإنسان بشخص قريب منه في الصفات أي يتكامل معه بحيث يلبي كل منهما احتياجات الآخر بطريقة تبادلية ومتوازنة، وهذا لا يتطلب تشابههما أو تطابقهما وإنما يتطلب تكاملهما بحيث يكفي فائض كل شخص لإشباع حاجات الشخص الآخر.
التكافؤويعرفه الدكتور محمد بأنه تقارب الزوجين من حيث السن والمستوي الاجتماعي والثقافي والقيمي والديني ، ذلك التقارب الذي يجعل التفاهم ممكنًا حيث توجد مساحات مشتركة تسمح بدرجة عالية من التواصل بين الطرفين. وكثيرًا ما يحاول المحبون القفز فوق قواعد التكافؤ اعتقادًا بأن الحب كفيل بتجاوز الحدود العمرية والاجتماعية والثقافية والدينية، ولكن بعد الزواج حين تهدأ حرارة الحب تبدأ هذه العوامل في التكشف شيئًا فشيئًا وينتج عنها عوامل شقاق عديدة.
وكلما توافر للزواج أكبر قدر من عوامل التكافؤ كلما كانت احتمالات نجاحه أعلى، ولكن هذه القاعدة لها استثناءات عديدة فأحيانًا يكون هناك عامل أو عاملان من عوامل التكافؤ مفقودين، ولكن يعوضه أو يعوضهما عوامل أخرى أكثر قوة وأهمية.
سوء التوافق المحسوب
ويشير الدكتور محمد لهذه الاستثناءات بقوله: أحيانًا نجد زوجين بينهما اختلافات هائلة في العمر أو في المستوي الاجتماعي أو الثقافي أو الديني، ولكنهما يتوافقان على الرغم من هذا، والسبب في ذلك أن كلاً منهما يحتاج الآخر على الرغم مما بينهما من سوء توافق ظاهري، فمثلاً نجد زوجة حسناء صغيرة السن قد تزوجت رجلاً يكبرها كثيرًا في السن، ولكنها قد تسعد معه وتتوافق معه لأن المال والحياة المرفهة تعني الكثير بالنسبة لها وهي لا تستطيع الاستغناء عنها أو قد تكون هذه الزوجة الصغيرة افتقدت في طفولتها حنان الأب وهي في حاجة شديدة إلي من يعوضها هذا الحنان لذلك نجدها تنفر من أبناء جيلها وتعتبرهم شباباً طائشين غير ناضجين وتتوق إلى الزواج من شخص ناضج حتى ولو كان يكبرها بسنوات عديدة.
خطوات الاختيار السليم
أما عن خطوات الاختيار السليم لشريك الحياة فيضع لنا الدكتور محمد المهدي خطة محددة قائلاً: يجب على الإنسان المقدم على الزواج أن يلتزم بالأخذ بالأسباب والسعي بجدية من أجل أن يطمئن إلى الشخص الذي اختاره كشريك حياة له، وأن يسعى قدر استطاعته إلى التحري عن هذا الشخص بشتى الطرق، من خلال ثلاثة مستويات:
أولاً: الرؤية والتفكير
بأن نرى الشخص المتقدم للخطبة ونتحدث معه ونحاول بكل المهارات الحياتية أن نستشف من المقابلة صفاته وطباعه وأخلاقه وذلك من الرسائل اللفظية وغير اللفظية الصادرة عنه.
ثانياً: الاستشارة
بأن نستشير من حولنا من ذوي الخبرة والمعرفة بطباع البشر، ونسأل المقربين أو المحيطين بالشخص المتقدم للزواج (زملاءه أو جيرانه أو معارفه) وذلك كي نستوفي الجوانب التي لا تستطيع الحكم عليها من مجرد المقابلة، ونعرف تاريخ شخصيته ونعرف طبيعة أسرة المنشأ وطبيعة المجتمع الذي عاش فيه. وفي بعض الأحيان يلجأ أحد الطرفين أو كلاهما إلي متخصص يحدد عوامل الوفاق والشقاق المحتملة بناءً على استقراء طبيعة الشخصيتين وظروف حياتهما.
ثالثا: الاستخارة
ومهما بذلنا من جهد في الرؤية والتفكير والاستشارة تبقى جوانب مستترة في الشخص الآخر لا يعلمها إلا الله، الذي يحيط علمه بكل شيء ولا يخفى عليه شيء، ولهذا نلجأ إليه ليوفقنا إلي القرار السليم خصوصاً أن هذا القرار هو من أهم القرارات التي نتخذها في حياتنا، إن لم يكن أهمها على الإطلاق.
والاستخارة هي استلهام الهدى والتوفيق من الله بعد بذل الجهد البشري الممكن، أما من يتخذ الاستخارة بشكل تواكلي ليريح نفسه من عناء البحث والتفكير والسؤال فإنه أبعد ما يكون عن التفكير السليم
.
والاستخارة تتم بركعتين بنية الاستخارة يتبعهما الدعاء التالي: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسمي حاجته- خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عنى واصرفني عنه وقدر لي الخير حيث كان).